ماكرون وهولاند وساركوزي في ملعب فرنسا رفضاً للعنف والعنصرية 

الرياص - اسماء السيد - وسط توترات متصاعدة، نشرت فرنسا آلاف رجال الشرطة لتأمين مباراة فرنسا وإسرائيل، فيما أكد الرئيس ماكرون أن بلاده لن تخضع لمعاداة السامية.

"الخليج 365" من باريس: على خلفية التوترات المتصاعدة التي شهدتها العاصمة الفرنسية، وقبلها أمستردام الخميس الماضي، انتشرت قوات الأمن بكثافة في محيط ملعب فرنسا، حيث تم تصنيف مباراة دوري الأمم الأوروبية بين فرنسا وإسرائيل على أنها "عالية الخطورة".

وزارة الداخلية دفعت بنحو 4000 شرطي إضافي في الشوارع المجاورة للملعب إلى جانب 1600 من أفراد الأمن، في مشهد لم يعهده المكان من قبل، وهي الاستعدادات الأمنية الأكبر لحدث رياضي منذ أولمبياد باريس 2024.

التصعيد الأمني لم يكن اعتباطيًا. الأسبوع الماضي، اندلعت أحداث شغب في أمستردام، حيث استهدفت مجموعات من مثيري الشغب مشجعي فريق مكابي تل أبيب الإسرائيلي بهجمات تحمل طابعًا معاديًا للسامية.

هذا المزيج الخطير من شغب كرة القدم والغضب السياسي دفع السلطات الفرنسية لاتخاذ تدابير استثنائية لضمان عدم تكرار مثل تلك المشاهد.

حضور سياسي لافت
في خطوة رمزية لتعزيز موقف فرنسا ضد معاداة السامية، حرص الرئيس إيمانويل ماكرون على الحضور الشخصي للمباراة. ولم يكن وحده، إذ انضم إليه وزير الداخلية برونو ريتيلو، بالإضافة إلى الرئيسين الفرنسيين السابقين فرانسوا هولاند ونيكولا ساركوزي. هذه اللفتة حملت رسالة تضامن واضحة مع ضحايا معاداة السامية وأكدت عزم فرنسا على التصدي لأي مظاهر عنصرية أو عنف.

ماكرون أدلى بتصريحات حازمة قبيل انطلاق المباراة، مشددًا: "لن نستسلم لمعاداة السامية في أي مكان، ولن يسود العنف أو الترهيب في الجمهورية الفرنسية".

الحضور الجماهيري الضئيل والتدابير الأمنية المشددة
رغم هذه التدابير الأمنية الواسعة، جاءت نسبة الحضور الجماهيري للمباراة أقل من المتوقع. فملعب فرنسا، الذي يتسع لـ80,000 متفرج، شهد بيع أقل من 20,000 تذكرة فقط.

حتى الجالية الإسرائيلية في فرنسا أبدت قلقها البالغ. بعض المشجعين الإسرائيليين أُحضروا إلى الملعب تحت حراسة أمنية مشددة. باتريك بنسيمون، مؤسس منظمة "قوات الدفاع عن الشتات"، أوضح أنه نظم نقل نحو 600 شخص بحافلات مستأجرة، مشيرًا إلى خوف المجتمع اليهودي من التوترات الراهنة، خاصة بعد أحداث أمستردام.

أصوات المشجعين بين التحدي والحذر
خارج الملعب، ظهر مشجعون إسرائيليون يلوحون بالأعلام ويصرّحون بعدم خوفهم من أحد، "إلا من الله"، كما قال أحدهم للصحفيين. لكن آخرين كانوا أكثر تحفظًا، داعين إلى عدم خلط بالسياسة، وأملوا بألا تحدث أي مشاجرات خارج الاستاد. ورغم قلة عددهم، ظل الحذر سيد الموقف.

استياء سياسي في سان دوني
التوترات لم تقتصر على ملعب فرنسا، بل امتدت إلى محيطه. اجتذبت مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين مساء الخميس مئات الأشخاص بالقرب من محطة مترو "Front Populaire" في سان دوني، على بعد ميل واحد من الاستاد.

إيريك كوكريل، نائب البرلمان عن دائرة سين سان دوني وعضو حزب "فرنسا الأبية" اليساري، عبّر عن إحباطه مما وصفه بالتناقض الفرنسي. وقال: "نحن نعيش لحظة انفصام في الشخصية. فبينما تعترف المؤسسات الدولية بالإبادة الجماعية في غزة، تكتفي الحكومة الفرنسية بدعوات خجولة لوقف إطلاق النار". كما انتقد كوكريل حضور ماكرون والساسة البارزين للمباراة، معتبرًا أن ذلك يعطي رسالة دعم غير مباشرة لإسرائيل، متسائلًا: "هل كان ماكرون سيحضر مباراة بين فرنسا وروسيا؟ بالطبع لا. في الحالتين، نحن نتحدث عن دول معتدية".

تعلم من أخطاء أمستردام
قائد الشرطة الفرنسية، لوران نونيز، أكد أن الضباط أخذوا دروسًا من العنف في هولندا. وقال إن قوات الأمن ستكون حاضرة في الأماكن العامة البعيدة عن الاستاد أيضًا، لضمان عدم حدوث مشاجرات أو مواجهات محتملة. وأُعلن أن بيع التذاكر توقف في الساعة 11 صباحًا يوم المباراة، وتم حظر إدخال الحقائب إلى الملعب، مع فرض طوق أمني واسع وتفتيش دقيق عند نقاط الدخول.

رد فعل الحكومة الإسرائيلية
من جهتها، حثت الحكومة الإسرائيلية مواطنيها على توخي الحذر، بل ونصحتهم بتجنب المباراة تمامًا. وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، طلب من نظيره الفرنسي ضمان سلامة المشجعين الإسرائيليين، مؤكدًا أهمية هذا الأمر في ظل الوضع المتوتر.

في الأيام التي سبقت المباراة، تصاعد القلق بعد اشتباكات عنيفة في باريس. شرطة مكافحة الشغب تصدت لمظاهرة مؤيدة للفلسطينيين خارج حفل لجمع التبرعات للجيش الإسرائيلي. الحدث كان من المفترض أن يلقي فيه وزير المالية الإسرائيلي اليميني، بتسلئيل سموتريتش، كلمة، لكنه ألغى حضوره، ما لم يمنع اندلاع مواجهات بين الشرطة والمحتجين، الذين استخدموا المشاعل ولوحوا بالأعلام الفلسطينية، فيما ردت الشرطة بالغاز المسيل للدموع.

تأثير الأجواء المشحونة على فريق فرنسا
حتى لاعبو المنتخب الفرنسي لم يكونوا بمنأى عن التأثيرات النفسية للأحداث. المدرب ديدييه ديشامب أقر بأن التوتر السياسي والاجتماعي المحيط بالمباراة قد أثر على الفريق. وقال: "من الواضح أن أجواء كهذه تترك بصمة على المشجعين الحاضرين وكل ما يتعلق بالمباراة".

أحداث أمستردام التي أثارت هذا التحفز الكبير لا تزال حاضرة في الأذهان، فقد وصفها تقرير لعمدة المدينة فيمكه هالسيما بأنها "مزيج سام من معاداة السامية وشغب كرة القدم والغضب من الحرب في فلسطين وإسرائيل وأجزاء أخرى من الشرق الأوسط".

أخبار متعلقة :