جارة اللبن في رمضان

في رمضان للبن البارد مذاق السلسبيل، وللونه بياض الموجة التي تحرك وجدان البحر، وتستعيد للزعانف حركة الحياة، بعد خمود، وكسل، منذ ثلاثة عقود ونيف، وكان «اللبن آب» الضرورة الوجودية على مائدة رمضان، وكان الصغار يسبقون الكبار في التهام الرشفات الباردة، مع شيء من الملح الذي يتميز به هذا الصنف من الألبان التي تسوقها المحال التجارية.
ولكن نحن في هذه القرية البعيدة على البحر بمسافة لا تزيد على نصف كيلومتر أو أقل، تجاورنا امرأة أرملة، ليس لديها من مال الدنيا سوى بقرتها الحلوب، وكانت هذه البقرة تتمتع بخصال أنثوية رائعة، وفي ضرعها تكتنز ثروة هائلة، جعلتها تتبوأ مكانة عالية في القرية، وعند صاحبتها كانت تسكن منازل الروح، وحيث كانت تصرح تلك الأرملة أنها في الطعام، تضع الأولوية لبقرتها،وأنها لا تتناول لقمتها قبل أن تطمئن على بقرتها وتتأكد أنها أكلت كفايتها من «الفخارة» وهو طعام خاص بهذه الحيوانات، ويتكون من ورق اللوز الجاف، وبقايا السمك، يخلط، ويوضع على النار، حتى تختفي معالم هذه المتفرقات من الطعام، وكانت الأرملة تقول، وإن الفخارة طعام مفيد للبقرة الولود، الحلو بلانه يضاعف من كمية الحليب في ضرعها.

وكنا نحن الجيران الأقرب لهذه الجارة، وكانت تخصنا بالكمية المبتغاة من اللبن، وكنت أنا أشعر بالشبع لمجرد إنهاء كأس اللبن ذات الطعم الدسم، وكان الكبار يضحكون علينا عندما يرون بقايا اللبن وقد خطت شارباً أبيض على وجوهنا، وكنا نستمتع بهذه الصورة الفانتازية، ونحن نتجاذب أطراف الأحاديث على مائدة الفطور، وكان أبي يثني على الجارة، ويغبطها على هذا الجود، ولما تتمتع به من سخاء رغم الحالة المادية المزرية التي تعيشها، ولكنها لا تتردد في منح الأولية للجيران، وإغداقهم بخيرات بقرتها، وما كانت تتلقى من مقابل، سوى ما تجمعه الجارات من أوراق اللوز الساقط من على تلك الشجيرات المباركة، وبعض أتلاف السمك.

في رمضان كانت السيدة الوقور تعد العدة، والاستعداد لهذا الشهر، ولكن في سنة من السنوات مرضت البقرة، وجف ضرعها، بعد أن أطاح المرض بمولودها، وسقط ميتاً ، حزنت الأرملة على بقرتها، وأكثر الجيران حزناً كنت أنا، ليس حباً في البقرة وإنما للحرمان الذي سأعانيه لعدم توفر لبن بقرة الجارة.

ولسوء هذا الموقف، أتذكر أنني لأول مرة أشرب حليب «اللبن آب»، وأن الجميع يفضلونه على باقي الألبان، إلا أنا فوجدت أن لبن بقرة الجارة لا يوازيه لبن، في القيمة، والطعم. وعندما كنت أقنط، وأتحفظ على شرب هذا اللبن، كانت السيدة الوقور في البيت، تضجر، وتحتج على التكبر على النعمة كما كانت تقول، وتجتمع كل الأصوات في البيت ضدي، وأبقى وحيداً في قلب العاصفة، ولكني لا أذعن، بل استمر في إبداء رأيي بأن لبن بقرة الجارة ألذ، ولا بديل له.. وكنت أقول إفطار رمضان لا يحلو إلا به.

علي أبوالريش – جريدة الاتحاد
f6159ac5b9.jpg

صورة اسماء عثمان

اسماء عثمان

محررة مسؤولة عن تغطية الأحداث الاجتماعية والثقافية، ، تغطي القضايا الاجتماعية والتعليمية مع اهتمام خاص بقضايا الأطفال والشباب.

كانت هذه تفاصيل خبر جارة اللبن في رمضان لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.

كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على كوش نيوز وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.

أخبار متعلقة :