تقوم استطلاعات الرأي عادة على أسئلة يجترحها منظمو هذه الاستطلاعات والقائمون عليها، فلو تُرك الأمر للمشاركين في هذه الاستطلاعات ما كانت الأسئلة التي أجابوا عنها ستخطر في بالهم من تلقاء نفسها. إذن، هناك من «اخترع» الأسئلة، وأكثر من ذلك صاغها بطريقة تستدرج المشاركين إلى تقديم الإجابة التي يسعى للحصول عليها. في جملة قصيرة نقول: هناك من فكّر بالنيابة عن الآخرين، لا بسؤالهم فقط، وإنما أيضاً لنيل الإجابة التي يريدها منهم.
هذا، على الأرجح، ما جعل عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو (1930 – 2002) يرى، وبشكل يكاد يكون قاطعاً، أن «الرأي العام لا وجود له»، ومن أجل البرهنة على صحة ما ذهب إليه وقف أمام استطلاعات الرأي بالذات، التي ما أكثر ما نسمع عنها، خاصة في المواسم الانتخابية، كالذي يجري الآن في أمريكا، حيث ترجّح مثل هذه الاستطلاعات تارةً فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب، وتارة مرشحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس، تبعاً لهوى المنصة الإعلامية المُنظمة للاستطلاع.وبورديو كان أحد الفاعلين المهمين في الحياة الثقافية والفكرية في بلده فرنسا، وظلّ، حتى بعد وفاته، يعدّ من أهم المراجع العلمية في علم الاجتماع المعاصر، وتناوله لموضوع الرأي العام جاء في كتابه «أسئلة علم الاجتماع – حول الثقافة والسلطة والعنف الرمزي» بترجمة إلى العربية وضعها إبراهيم فتحي، وصدرت في القاهرة عام 1995، عن دار «العالم الثالث». ليست الانتخابات وحدها ما تُجرى حولها استطلاعات الرأي. يحدث ذلك حول أمور وسجالات تدور في المجتمعات المختلفة لمعرفة مع أي رأي تقف الأكثرية، أو لتكييف أغلبية معينة حول موقف ما أو قضية بعينها، وربما هذا ما حمل بورديو على القول: إن الرأي العام في الشكل المنسوب إليه غير قائم، وكل ما في الأمر أنه يجري تكييف هذا «الرأي العام» لمصلحة فريق أو موقف دون سواهما، وبرأيه، فإن التحليل العلمي لاستطلاعات الرأي يكشف أنه لا وجود لمشكلة محل اتفاق من الجميع، ولا لسؤال يعاد تفسيره تبعاً لمصالح الذين يطرح عليهم، وإجبارهم، ولو مخملياً، على الالتزام بالإجابة عن أسئلة لم يطرحوها على أنفسهم.
هل يحملنا قول بورديو على نفي وجود الرأي العام بالمطلق؟ للإجابة نستعيد الأغنية الساخرة، «حضرتنا من الرأي العام»، للفنان اللبناني سامي حوّاط، التي يقول أحد مقاطعها: «حضرتنا الأكترية/ تسع وتسعين بالمية/ طرحنا من المية واحد/ والواحد وحده قاعد/ قاعد ع الراس وقدّام/ حضرتنا من الرأي العام».كاتب كلمات الأغنية ومؤديها على حق، حين يدور الحديث عن حال الأغلبية في البنية الاجتماعية لأي بلد، تعيش بمعزل عن استطلاعات الرأي التي رأى فيها بورديو تزييفاً لرأي هذه الأغلبية.
حسن مدن – صحيفة الخليج
كانت هذه تفاصيل خبر ما الرأي العام؟ لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.
كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على كوش نيوز وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.