شكرا لقرائتكم ونحن نحب الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلا ونؤكد لكم باننا نسعى دائما لارضائكم والان مع التفاصيل
جدة - بواسطة طلال الحمود - كثيرون يعرفون أن هذا البيت الرائع هو للراحل العبقري الشاعر الفلسطيني محمود درويش. لا أعرف ما الذي تمثل لي اليوم وأنا مغادر أمريكا غدا (قبل 3 أيام من صدور المقال) بعد أن تركت فلذة كبدي راكان يدرس في أحد جامعاتها.
الغريب أن هذا الجيل (في الـ 19 من عمره) أو للدقة معظمهم لا ينظر للأمر كما يراه والداه ففضلا عن عدم تفكيره كيف وصل لهذا المكان وكم دفع والداه في سبيل ذلك من جهد ومال وتواصل وخلافه، فإنه يغادرهم أو يودعهم كما لو كان ذاهبا لمدينة تبعد ساعة بالسيارة عن منزل عائلته، بينما والدته وأنا يعتصر الحزن قلوبنا رغما عن قناعتنا وسعادتنا بفكرة الدراسة هناك وبتخصص يرغبه.
هل يا ترى طبيعة الحياة التي عشناها في السابق بحلوها الاجتماعي ومرها المعيشي أيام المعاناة والصعوبات في كل شيء من سكن أو مياه أو هاتف أو تلفزيون أو سيارة أو الفقر في وسائل الترفيه؟ ربما كان هذا سببا وربما كان محفزا لاحقا لهذا التشبث بحب الحياة كما ذكر درويش.
أثناء دراستي في المرحلة المتوسطة كانت مواصلاتي للمدرسة عبارة عن دراجة (سيكل) يملكها صديق وزميل لي أكبر مني بسنة أركب معه وهو يقودها، ومن بعدها بسنة اشترى لي والدي (حفظه الله) دراجة خاصة بي.
الابتدائي والثانوي صادف أن كانت المدارس قريبة إلا أنني في الجامعة استخدمت عدة وسائل منها الذهاب مع صديق لي لديه سيارة خاصة وأحيانا أستقل سيارة أجرة حتى استطعت السنة الثانية من شراء سيارة بالتقسيط دفع أخي الأكبر فهد المقدم، وأصبحت أدفع القسط الشهري من مرتبي حيث كنت أعمل مساء وأدرس صباحا.
بالنسبة للهاتف كانت حيازته آنذاك أشبه بالمعجزة التي يتحدث عنها الناس وفي حلة القصمان التي ولدت وعشت بها في الرياض لم نحصل على الهاتف الأرضي إلا بعد أن انتقلنا لحلة العنوز بالرياض، فيما كان خالي سليمان رحمه الله بحلة القصمان أول من حاز على هاتف حيث كنا نذهب لبيته كثيرا ونتصل عند الحاجة، والأمر نفسه كان ينطبق على الشاشة الفضية، فقد كنا نشاهده في بيته، ونتفرج هناك بانبهار وشغف، وعند مغادرتي أحيانا وحيدا في الليل، كانت ابنة خالي مزينة رحمها الله تقف بالباب تنتظر حتى أصل لمنزلنا القريب جدا وأدخله، حتى اشترى لنا والدي تلفازا.
أما المياه فتلك قصة أخرى فعندما يسكن أحد جديد فإنه يحصل عليه من خلال ما يسمى باشتراك وكم شهدت مشاجرات تكاد تصل للتشابك بين الرجال لاختلافهم على طريقة الأنابيب وكيف يصل لفلان وربما لا يصل للآخر، حيث إن ما يصل للبيوت لا يكاد يكفي إلا لمدة معينة. وأتذكر أننا كنا في فترة معينة ننتظر ناقلات المياه ثم نذهب إلى جدتي لوالدتي نورة رحمها الله وأخي فهد وأنا ونحن أطفال (كان والدي في مدينة الخرج حيث يعمل هناك، بينما لا تستطيع والدتي كونها كفيفة حفظها الله لنا) ومعنا سطول فارغة (السطل يسمى جردلا باللغة العربية الفصحى)، ونملأها بالمياه بعد تزاحم شديد مع كل بيوت الحي تقريبا (وكنا أثناءها نشفق أنا وأخي على جدتي ونتمنى اليوم الذي ترتاح فيه من هذا الجهد والتعب، وهو ما تحقق بعد تخرج أخي من الجامعة وعمله بعدها ) .
في كل فتراتي السابقة (وكثيرون مثلي) كنت أعمل منذ الخامسة عشر سواء في كل صيف أو بشكل دائم من بعد الثانوية مباشرة.
كل ما كتبته يصبح غريبا أو مثيرا عندما تقارن بداياتنا مع أولادنا الذين نشأوا بشكل مختلف تماما، فكل وسائل الترفيه أو الضروريات في الحياة التي كنت وجيلي نقاتل للحصول عليها (عدا تملك منزل الذي استمرت معضلته) لم يحسوا بتاتا بالحرمان منها، بل إنهم لديهم كل أجهزة التكنولوجيا التي نجهل استخدام بعضها والويل كل الويل للعائلة من سخط أطفالهم عند السفر أو عند أي مشكلة في المنزل تعطل أجهزتهم فقد أصبح من شروط السفر الآن توفر الواي فاي وبشكل مميز وإلا فلا سفر.
ابني الآن على البعثة وحتى هذه حصل عليها بسهولة بحكم أنني كنت موفدا وهو حق نظامي، وهذا يذكرني بزملائي أواخر السبعينات عندما تمت الموافقة على ابتعاثهم بعد الثانوية وكم كانت الفرحة غامرة وجارفة، بالتوفيق يا بني ويا ليتك تستفيد وزملاؤك من هذه الفرص التي لن تتكرر.
** جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط.
أخبار متعلقة :