شكرا لقرائتكم خبر عن الغياب يلاحق «الأدب النسوي» والان نبدء باهم واخر التفاصيل
متابعة الخليج 365 - ابوظبي - الشارقة: محمدو لحبيب
لطالما كان الأدب بشكل عام إنسانياً، ولعل تميز بعض الأعمال الروائية والأدبية على مستوى العالم، يعود إلى تبنّيها تلك النظرة الشاملة التي تهتم بقضايا البشر دون أن تستغرق في التخصيص لفئة معينة، من الرجال أو النساء أو الأطفال، ورغم أن تلك الملاحظة كان يمكن أن تجعل كل الكتاب والنقاد يترفعون عن مستويات التمييز في الكتابات على أساس النوع، إلاّ أن ذلك لم يحدث وظهرت في العالم كله، بعض التأطيرات الخاصة للأدب تحت مسميات تصنيفية مثل «الأدب النسوي».
عاش هذا المصطلح وازدهر فترة من الزمن، لكنه في الفترة الأخيرة بدأ يتراجع بعد أن خاض النقاد فترات طويلة فيه، وحاولوا تصنيفه بدقة معتمدين على عدة تقسيمات تجزئ ما تكتبه المرأة إلى ثلاثة أصناف وهي كتابة الأنثى وتعني عندهم تلك الكتابة التي تعتمد البوح وتستخدم لغة عاطفية وهشّة ولا تتجاوز الطابع الوصفي، ويدور مدارها غالباً حول الحديث عن الذات الأنثوية، وأحوالها وآلامها وانكساراتها، والصنف الثاني هو ما عُرف بالأدب النسائي ويحيل إلى تصنيف بيولوجي للفصل بين جنس الرجال والنساء والتعامل معهن انطلاقاً من أحكام وتقاليد ذكورية بحتة، والنوع الثالث وهو الأدب النسوي وهو يختلف عن سابقه في أنه تعبير عن الضدية ومحاولة للتحرر من تصنيفات الذكورية والتصدي لها، وهو ليس خاصاً بالنساء وحدهن؛ بل يمكن أن يكتبه بعض الرجال.
الآن بعد كل ذلك الجدل وتصنيفاته باتت كل مصطلحات الأدب النسائي أو أدب المرأة متجاوزة، أو أنها أصبحت موضوعاً مطروقاً بشدة ولم يعد يستحق النقاش، وبرزت تبعاً لذلك عدة آراء نقدية ترى أن هذا الأدب يمكن أن يخرج من عباءة التصنيف النوعي، ويطرح قضايا أشمل من دون أن يتماهى أو يتطابق تماماً مع أدب الرجال، ومن دون أن ينسى قارئه للحظة أنه أدب كتبته امرأة، نحن في ”الخليج 365” سألنا مجموعة من الكاتبات الروائيات حول الموضوع، فهل يعتبر اختفاء ذلك المصطلح التمييزي لأدب النساء، إعلاناً بالوصول لمرحلة من النضج تتساوى عندها النظرة التقديرية لكتابات الرجال والنساء في ميزان الإبداع؟ أم أن التغييرات المجتمعية العديدة في عصر وسائط الإعلام الجديدة، وسهولة إيصال الصوت، قد جعلت الموضوع يبدو متجاوزاً؟.
القاصة الإماراتية عائشة عبد الله ترى أنه لا يوجد أدب نسائي بالمفهوم التمييزي في الإمارات، وتقول: «في الدولة فإن أغلب الكتاب من النساء، فكيف يكون هنا تصنيف وتفريق بين الأدب الرجالي والنسائي؟».
وتشرح عائشة أن السبب في كثرة النساء في المجال الأدبي مقارنة مع الرجال يعود إلى أن أغلب الكاتبات متفرغات فهنّ ربات بيوت، وبالتالي تكون الممارسة الأدبية الكتابية تشغل ما يتبقى من الوقت عندهن، وهي ممارسة توازي في أهميتها ومحوريتها مهمتهن في تسيير أسرهن، لذلك فهي تحظى بتقدير كبير، ولا يمكن اعتبارها شيئاً ثانوياً أو هامشياً.
وتؤكد عائشة أن مصطلحات الأدب النسائي أو أدب المرأة، ربما تكون أكثر استساغة بشكل عام في المجتمعات الغربية، وترى أنها غير مبررة تاريخياً في الحضارة والتراث الإسلاميين، وتقول: «ليس في تراثنا العربي أو الإسلامي اضطهاد للمرأة، ولا لمكانتها في المجتمع، فالسيدة سكينة بنت الحسين كانت تناظر الرجال، وولادة بنت المستكفي كانت شاعرة مبدعة تنافس الشعراء الآخرين، والأمثلة كثيرة على مكانة المرأة في الحضارة الإسلامية العربية، وبالتالي لم يكن هناك داعٍ لأن نخترع أدباً خاصاً بالمرأة».
الروائية والكاتبة السعودية الشابة نداء أبو علي تشرح من وجهة نظرها أسباب وجود وتمكّن مصطلحات الكتابة النسائية فتقول: «عادة يتعالى الصوت المميز للمرأة ولما تكتبه، كلما عانت من ظلم المجتمع لها أو الرجل بشكل خاص، ولعل ذلك ما تجسد في أعمال مايا أنجلو التي جسدت صوت الأمريكيين الأفارقة بشكل عام، وصوت المرأة بشكل خاص، وظهر ذلك أيضاً في السعودية، حيث برزت في نهاية التسعينات من القرن الماضي أصوات مثل ليلى الجهني في عملها الروائي«الفردوس اليباب»، والذي تنتقد فيه الرجل وتصفه بالظالم المجحف الذي يقتل أحلام المرأة».
وترى نداء أن الحديث عن اختفاء أي نمط أدبي مهما كانت المآخذ عليه ليس دقيقاً، وتفضل استخدام تعبير «الخفوت» بدل الاختفاء، وتقول إن مصطلح الأدب النسائي توارى تحت تأثير التغييرات الاجتماعية العديدة التي شهدتها المجتمعات العربية في عصرها الحالي ولم يختف.
وتنتقد خطاب، الشعور بالاضطهاد في الأعمال الأدبية النسوية، وتشدد على أن ذلك يحيل تلك الأعمال أحياناً إلى نوع من المباشرة ويفقدها التميز الإبداعي والتقنية السردية، وتعبر عن ذلك قائلة: «الأسلوب الخطابي المباشر المعبر عن معاناة المرأة، يفسد تقنيات العمل، وعلى العكس فإنه كلما وصلت المرأة إلى النضج الأدبي، وتخففت من حدة ذلك الخطاب، كلما انسابت فكرتها عن مجتمعها وعن نفسها بشكل محكم وسلس، وكلما أصبح هناك نوع من الأدب تكتبه المرأة، لكنه يظهر كما لو أنه معبر بشكل متقن عن مشاكلها ضمن الإطار الإنساني الأرحب».
الكاتبة والشاعرة صالحة غابش تشير إلى أن اختفاء مصطلحات الأدب النسائي هو نتيجة حتمية لعودة الكتابة إلى إنسانيتها، وتقول: «الكتابة ينبغي أن تكون عن الإنسان من حيث هو كإنسان، عن الرجل، عن الطفل، عن المرأة، وبكل المستويات الاجتماعية، ولا ضرورة بتاتا لتخصيص المرأة بأدب مميز لها».
وتحكي غابش عن تجربتها مع بعض أديبات الإمارات، فقالت: «في أواخر الثمانينات، اتهمنا في رابطة للأديبات الإماراتيات بأننا مجرد تكريس لفكرة الأدب النسائي، وأن الرابطة تجسد نوعاً من العزلة للنساء، لكن بمرور الوقت تبين أن الأمر غير صحيح، ومثل هذه التجمعات تعزز العمل الإبداعي بشكل عام».
تؤكد غابش أن الإبداع بالنسبة للمرأة لا ينبغي أن يفسر على أنه نوع من الانفصال عن بقية مكونات المجتمع وقالت: «في مثل التجمعات والمشاريع التي تجمع عدة نساء مع بعضهن، تكون هناك مظلة مكثفة للإبداع، وتجانس قائم على التشابه، لكنه غير منفصل بذاته عن المجتمع وقضاياه، وهذه المصطلحات المتعلقة بأدب المرأة أو الأدب النسوي أو غيرها لم تكن في أذهاننا نحن أديبات الإمارات، ومن الطبيعي أن تتراجع وتضمحل في العالم العربي لأنها غير مؤسسة على شيء جدّي».
أخبار متعلقة :