بيروت - سلوى ياسين - متابعة بتجــرد: فاز الكاتب الجزائري كمال داود بجائزة غونكور الأدبية الفرنسية عن روايته “حوريات”، ليصبح بذلك أول جزائري ينال هذه الجائزة الرفيعة. ويثير داود جدلا كبيرا بسبب اتهامه بترويج أطروحات تدغدغ الكليشيهات الغربية عن المسلمين، وزاد النفور من حوله مؤخرا بعد مقالاته التي تماهى فيها مع الرواية الإسرائيلية بعد السابع من أكتوبر 2023.
وفي الاجتماع الذي عُقد في مطعم “دروان” بباريس يوم الاثنين، منح أعضاء لجنة التحكيم الفوز لداود في الجولة الأولى بأغلبية ستة أصوات من أصل عشرة، ليحسم بذلك التنافس الشديد الذي انحصر في النهاية بينه وبين الكاتب غايل فاي. وتعد غونكور أعرق وأهم جائزة أدبية في فرنسا تُمنح سنويًا منذ عام 1903، وتعرف بتكريمها للأعمال الأدبية ذات القيمة الفنية العالية، وهي أكبر طموح للكتاب الفرنسيين أو الفرنكوفونيين، حيث تؤمن لهم الشهرة وتضمن لهم نجاحًا كبيرًا، على الرغم من أن قيمتها المالية رمزية تقدر فقط بـ 10 يوروهات.
وفي مضمونها، تعالج رواية “حوريات” أو “حور العين” موضوعًا حساسًا يتعلق بفترة الإرهاب في الجزائر أو ما يعرف بالعشرية السوداء، حيث يسرد فيها قصة “فجر” الحامل التي فقدت جزءًا من جسدها نتيجة اعتداء الجماعات الإرهابية، وهي تروي لطفلتها المنتظرة مأساتها إلى طفلتها، لتكون الرواية بمثابة شهادة حية على الأحداث الدامية التي عاشتها الجزائر خلال تلك الحقبة. هذا المحتوى الذي يخوض في المأساة الوطنية وفق الطرح الرسمي في الجزائر، دفع سلطات البلاد إلى منع دار النشر “غاليمار” المصدرة للرواية من المشاركة في المعرض الدولي للكتاب في الجزائر المنتظر بعد أيام. وأرجع قرار السلطات إلى قانون المصالحة الوطنية الصادر سنة 2005 في الجزائر، والذي يمنع في إحدى مواده نكأ جراح المأساة الوطنية، رغم أنه لم يصدر موقف رسمي حول هذا الموضوع.
واعتبر معلقون أن كمال داود والإعلام الفرنسي بالغ في الإشارة إلى هذا الموضوع، على اعتبار أن روايات كثيرة تناولت موضوع العشرية السوداء في الجزائر، من اشهر روايات ياسمين خضرة، واسمه الحقيقي محمد مولسهول، وهو ضابط سابق في الجيش الجزائري، وعمل في الميدان في مواجهة الجماعات الإرهابية.
وفي دفاعه عن رواية “حوريات”، أكد داود أن تناول حقبة الإرهاب في الجزائر، يأتي لتجاوز محاولة نسيان تلك الأحداث المروعة. ومن الناحية الأدبية، قالت صحيفة لوفيغارو إن نجاح رواية “الحوريات” أيضًا “يعكس الاعتراف الكبير بلغتها الأدبية الرفيعة التي وصفتها بأنها لغة قوية ومشحونة بالعواطف، تُعبّر عن مشاعر مختلطة وتتنقل بين الأحاديث العفوية والاعترافات الشخصية، مما يجعل من الرواية نصًا قويًا ومؤثرًا أشبه بنهر جارٍ يعبر عن الآلام والصدمات التي خلفتها الحرب”.
فيما عبر نقاد آخرون عن رأي آخر في ما يخص الرواية.
ويُعرف كمال داود، المولود عام 1970 في مدينة مستغانم غرب الجزائر والذي منحه الرئيس الفرنسي الجنسية الفرنسية قبل سنوات قليلة، بمواقفه الصادمة في كتاباته وأعمدته الصحفية التي بدأها خلال التسعينيات في جريدة “لوكوتيديان دورون” الجزائرية. وتُعَد روايته “ميرسو، تحقيق مضاد” التي يحاكي فيها رواية ألبير كامو “الغريب” والتي صدرت عن دار “غاليمار” في 2014 أبرز أعماله، حيث أهلته للترشح لجائزة غونكور لأول مرة، ونال حينها جائزة غونكور لأفضل رواية أولى.
وعكس من يحتفي بداود والنجاح الأدبي الكبير الذي حققه في فرنسا في وقت قصير، هناك من ينتقده بشدة بسبب الخط الأيديولوجي المصادم للثوابت الجزائرية الذي تعبر عنه كتاباته. فالرجل منخرط في أفكار تحاول تجاوز الآلام الاستعمارية التي ما تزال راسخة في الجزائر، وهناك من يصنفه على أنه يكتب بطريقة جلد الذات لإرضاء دور النشر الغربية، حتى أن الروائي الكبير رشيد بوجدرة أدرجه ضمن كتابه “زناة التاريخ” التي يرصد فيها ظاهرة الكتاب الذين يصل بهم الأمر في نبذ مجتمعاتهم إلى التعاطف مع الاستعمار.
وتدور كتابات داود حول نقد مظاهر التدين في الجزائر وما يعتبرها النظرة الإسلاماوية المتحكمة في المجتمع ـ (اعترف سابقا أنه كان إسلاميا في شبابه)ـ والتي بات يحذر الغرب من امتدادها إليه عبر ما ينشره في مجلة لوبوان وفي صحف عالمية مل نيويورك تايمز. وبعد السابع من أكتوبر 2023، صدم داود من جديد بأفكاره المغالية في الاعتذار للإسرائيليين. وجرّ عليه مقال “رسالة لإسرائيلي مجهول” الذي نشرته لوبوان، وابلا من الهجوم بعد أن صوّر فيه الإسرائيلي على أنه ضحية في مقابل العربي الذي يريد أن يبيده.
ومما جاء في هذا النص، قول داود “لقد استغرق الأمر مني وقتًا طويلاً حتى أتمكن من مقابلة شعبكم ومحاولة فهم تاريخكم. وأعتقد، وربما أخطئ، أنّنا لا نفهم في بلادنا غضبك من العيش بعد قرون من محاولات الإبادة. ولا نفهم شيئًا من معاناتك القديمة أو الثقل المروع للأرض التي تم استعادتها أخيرًا. ولا نفهم أنّك في حربك تريد الدفاع عن نفسك ضد الموت المطلق، واختفاء أحبائك نهائيًا، سواء كانوا أحياء أو أمواتًا”. وأضاف قائلا: “من ناحية أخرى، في بلادنا، لا نتذكر سوى نهب الأراضي، والاستسلام، والشعب الملعون، بينما أنتم شعب استيقظ أخيرًا. ولم نر فيكم سوى استعمار، وفي السنوات الأخيرة، ملحمة عتيقة للشعب المختار الذي يرفض قانون الإله الذي انحاز إلى جانبنا.”. فيما فهم بأنه تبرير للاحتلال الإسرائيلي.
وتابع داود يقول مخاطبا “الإسرائيلي المجهول”: “في الوقت الحالي، أجد صعوبة في مشاهدة صور المدنيين الذين قُتلوا في غزة، وليس لأنني أريد قتلكم، أو لألومكم أو أقاتلكم. فقط لأنني أجد صعوبة في إيجاد صوت وطريق. لقد أدركت أخيرًا، بعد عقود، رغبتك، سيدي، في العيش والسكن في مكان بعد ثلاثة آلاف عام من الباب إلى الباب في عالم من التمييز. أفهم شيئًا فشيئًا، في الضجيج والظروف التي عانيت منها في طفولتي، حقك، ورغبتك في الحياة والثروة. لا أريد أبدًا أن أضيف صوتي أو ترددي إلى أولئك الذين يتخيلون أن قتلكم، واتهامكم، وجريمته منذ قرون يكفي ليشعروا بأنهم في جانب الله أو المستعمر”.