من سرقة منازل "الضاحية" إلى سرقة ركامها: الرواية الكاملة لزمن الحرب وما بعده

لم تكن الحرب الإسرائيلية الخطر الوحيد على الضاحية الجنوبية لمدينة بيروت خلال مرحلة الحرب، إذ كان هناك خطر لم يكن سكان الضاحية قد أقاموا له حساباً، وهو خطر السرقة، فما تعرضت له منازل الضاحية خلال الحرب كان رهيباً.

في الأيام الأولى للحرب على الضاحية ونزوح السكان منها في 27 أيلول الماضي، بعد ثلاث ساعات على اغتيال أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، تحرك السارقون بشكل منفرد، من جنسيات مختلفة، باتجاه المنازل التي غادرها أصحابها على عجل، فسرقوا بحسب مصادر حزبية موجودة في الضاحية كل ما يمكن حمله بسهولة، من المال النقدي الذي كان لا يزال متواجداً في المنازل، مروراً بالمجوهرات الثمينة، وصولاً إلى بطاريات الطاقة الشمسية وجرار الغاز.

يومها كانت تحركات السارقين تحصل على ضفاف الضاحية، حيث يمكن الخروج بسرعة بحال قام العدو الإسرائيلي بقصفها، وكان التواجد الحزبيّ منعدماً بعد الضربات القاسية التي تعرض لها حزب الله في الأيام الاولى للحرب.

تبدل أساليب السرقة

بعدها بأيام، وبعد فهم السارقين لطبيعة استهدافات العدو وقيامه بإنذار المناطق التي سيتم قصفها، وسعوا من نطاق عملهم وطريقتهم في السرقات، حيث برزت، بحسب المصادر الحزبية الموجودة في الضاحية، عصابات سرقة غالبيتها من أبناء أحياء الضاحية، تمارس إرهابها بحق المنازل والأبنية والشوارع بشكل منظم.

يقول أحد الساكنين في مبنى في منطقة الكفاءات أن عدد الشقق المسروقة في محيط مسكنه بلغ حولي 23 شقة، والسرقات كانت في وضح النهار وعلى مرأى السكان المتواجدين في منازلهم أو أولئك الذي يزورون منازلهم، مشيراً عبر "النشرة" إلى أن السرقات لم تأت على محتويات الشقق وحسب بل طالت البنى التحتية للمباني من تجهيزات المياه إلى تجهيزات الكهرباء، حيث كانت العصابات تعمد إلى فك مضخات المياه من المباني وسرقتها، كما أنها كانت تسرق تمديدات الكهرباء التي تربط غرفة الكهرباء المركزية في الشارع بالمباني وتقوم بحرقها في المكان للحصول على الأسلاك النحاسية منها.

ولأن الأمن كان سائباً في الأسابيع الاولى للحرب، وصلت وقاحة السارقين، بحسب المصادر، إلى حدّ استئجار شركات نقل الأثاث من المنازل لتفريغ محتويات المنازل على أساس ان السارق هو صاحبها، فلم يكن هناك من يُراقب أو يُتابع وكانت ممتلكات المواطنين تُنهب.

بعد توسّع السرقات، تبدلت أساليب السرقة أيضاً، فبحسب المصادر الحزبية، يمكن ملاحظة طريقتين بارزتين تم اعتمادهما في السرقات، الطريقة الأولى تم اعتمادها في بعض المرات، حيث كان السارقون يعمدون للإتصال بقاطني المباني لأجل إخلائها بسبب نية العدو ضربها، وكانوا يتحركون فور خروج السكان المتواجدين في منازلهم، أما الطريقة الثاني فكانت أشد وقاحة، حيث كانوا ينتظرون صدور تحذيرات العدو للمباني لكي ينقضوا بعد ضربها مباشرة على المباني المجاورة لمكان الضربة، لعلمهم أنها ستكون فارغة تماماً، ولن يكون في الحي أي شخص من الذين كانوا يعملون على محاولة ضبط الأمن.

إجراءات المواجهة

عندما خرج سكان الضاحية منها، خرجت القوى الأمنية أيضاً، وقد استمر تواجد عناصر الشرطة البلدية في بعض الأحياء بينما فرغت أحياء أخرى بشكل كامل، خصوصاً لجهة الحدث.

وعلى الرغم من خروج السكان من مناطقهم، استمرّ تواجد مجموعات من الشبان في منطقة الشياح، أو على الخط الفاصل بين الضاحية والحدث في الأيام الأولى من الحرب، ممارسين نوعا من الحماية البسيطة للأحياء القريبة منهم.

محمد مطر أحد هؤلاء الشبان الذين لم يتركوا منطقة الشياح طيلة الحرب، ومع أيامها الأولى عمل مع مجموعة شباب على نقل بعض الأغراض والحاجيات من المنازل القريبة منهم إلى أصحابها، ومنهم من قام بذلك مجاناً ومنهم من جعلها مهنة له.

يقول مطر عبر "النشرة": "كنا نقوم بجولات داخل الأحياء القريبة منّا لتصوير المباني وطمأنة أصحابها، أو لأجل إحضار بعض الأغراض من المنازل، كالأوراق الثبوتية، المجوهرات، الملابس، وكنا خلال قيامنا بهذه المهام نلتقي بسارقين داخل المباني، أو نلاحظ دراجة نارية تقف تحت مبنى، أو حركة مريبة لأشخاص في الشوارع، وقد تمكنا خلال أيام الحرب من توقيف العديد من السارقين، حيث كنا نقوم بربطهم على العواميد لعدم تعاون أي جهة امنية معنا لاستلامهم.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن "الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان أصدرت في 9 تشرين الأول 2024 بيانا أشارت فيه إلى أنّ فرض العقوبات بشكل مباشر على مشتبه بهم بارتكاب جرائم، مثل جريمة السرقة، دون إحالة القضية إلى السلطات القانونية المختصة، يشكل انتهاكًا صريحًا لمبادئ حقوق الإنسان والقانون الدولي"، وكانت مؤسسة مهارت قد أصدرت تقريرا تفصّل هذه الانتهاكات.

وعلى الرغم من ذلك، بقيت هذه المبادرات في الإطار الفردي، ما يجعلها غير قادرة على تأمين الحماية لمنازل الضاحية، فكانت الخطوة الثانية، بحسب المصادر الحزبية، في بداية شهر تشرين الثاني 2024 تشكيل لجان لحماية المنازل.

وتفسّر المصادرأنّه "تم تشكيل مجموعات من الشبان، وتقسيم الأحياء السكينة إلى مربعات تتولى كل مجموعة القيام بدوريات فيها بشكل دائم خلال الليل وخلال النهار، وعندما تُلاحظ اللجان وجود آليات أمام المباني أو تسمع أصواتاً من المنازل، تتصرف".

بعد لجان الأحياء، كانت السرقات لا تزال تحصل، خصوصاً في الفترة التي تلت الأسبوعين الأولين من شهر تشرين الثاني، حيث شهدت تلك الفترة عودة الكثير من سكان الضاحية إلى منازلهم لمحاولة حمايتها، ومنهم علي بدير الذي يقول عبر "النشرة": "أسكن في منطقة حي السلم، وتركت المنطقة إلى مركز للإيواء في بيروت، لكنني كنت أزور المنزل باستمرار، وفي إحدى الزيارات اكتشفت أن منزلين بالقرب من منزلي قد تمت سرقتهما، لذلك قررت العودة بمفردي إلى المنزل والبقاء فيه لحمايته من السرقة، وكنت كلما صدر تحذير يتعلق بضرب منطقة قريبة من سكني، أخرج ثم أعود بعد الضربة.

هذه الكثافة السكانية التي بدأت تعود إلى الضاحية، تحديداً خلال ساعات النهار مع عودة بعض أصحاب المصالح إلى مصالحهم، دفعت باتحاد بلديات الضاحية الجنوبية إلى اتخاذ الإجراء الأهم خلال الحرب وهو إقفال مداخل ومخارج الضاحية مع الإبقاء على مدخل ومخرج واحد لكل منطقة يتواجد عليه عناصر من شرطة البلدية، حيث يمكن عندها إحصاء ومعرفة من يدخل الضاحية ومن يخرج منها، ومعرفة ما يدخل وما يخرج أيضاً.

وبحسب المصادر، واستكمالاً لقرار اتحاد بلديات الضاحية، قامت البلديات باتخاذ إجراءات خاصة ضمن نطاق عملها فعلى سبيل المثال قررت بلدية الغبيري التدقيق في عملية نقل أثاث المنازل، إذ قامت شرطة البلدية بالتدقيق في كافة عمليات نقل الأثاث المنزلي والبضائع ضمن نطاق البلدية، ومنع جمع ونقل الخردة ضمن النطاق البلدي، ومنع قيادة الآليات بمختلف أنواعها من قبل الأجانب غير الحائزين على كافة الأوراق الثبوتية والقانونية ورخصة القيادة اللبنانية والإقامة الصالحة مع إجازة العمل الرسمية.

دور الأجهزة الأمنية

عادة ما يكون دور الاجهزة الأمنية حماية الممتلكات العامة والخاصة، ولكن في زمن الحرب تشير مصادر أمنية أنّ الضاحية فرغت من السكان ورجال الأمن، فالاستهدافات الإسرائيلية لم تميز بين رجل أمن وغير ذلك، والدليل الاستهداف في المريجة حيث كان مخفر قوى الأمن ضمن المنطقة المستهدفة.

وتضيف المصادر أن الأجهزة الأمنية لم تتمكن من ممارسة عملها داخل الضاحية ولكن تواجدها استمر في محيط الضاحية، وفي بعض الأحياء كان هناك عناصر من الشرطة البلدية.

لم يكن للأجهزة الأمنية من عمل مباشر داخل الضاحية بمنع السرقات، لكن بعضها كان يتجاوب من خلال تسلّم السارقين الذين يتم توقيفهم، وتُشير المصادر الأمنية إلى أن تسلم السارقين بعد توقيفهم كان بناء على قدرة الاستيعاب داخل المخافر والسجون، وهذه المعضلة بدأت مع بدء الأزمة الإقتصادية عام 2019، وازدادت قسوتها خلال فترة الحرب بعد إخلاء سجون ومخافر من مناطق واسعة في لبنان.

كذلك علمت "النشرة" أن الأجهزة الأمنية كانت بحال لم تتمكن من تسلم الموقوفين، تحتفظ بالأوراق الرسمية للموقوفين على أن تعمل على ملاحقتهم ومحاسبتهم في مرحلة ما بعد الحرب.

تحديات ما بعد الحرب

لم تنته معاناة سكان الضاحية مع حوادث السرقة مع توقف إطلاق النار، ولم تعد "الحياة الأمنية" إلى طبيعتها، رغم ما تقوله المصادر الأمنية بأن الأجهزة عادت إلى الضاحية، فالواقع يُشير بحسب معلومات "النشرة" إلى أن السرقات لم تتوقف بل تبدل عنوانها، فبعد أن كانت سرقة للمنازل أصبحت سرقة لمحتويات الركام، إذ تُشير المعلومات إلى أن ركام الضاحية يشكل ثروة مهمة لمن يضع اليد عليه، واليوم هناك محاولات لفرض النفوذ على مناطق معينة من أجل ركامها الذي يحتوي على الحديد والنحاس والألومنيوم والبلاستيك.

يُنشر هذا التقرير في إطار البرنامج التدريبي حول "أسس ومبادئ التغطية الإعلامية لقضايا الأمن في لبنان" الذي نظمّته مؤسسة "مهارات" بدعم من مركز جنيف لحوكمة قطاع الأمن "DCAF". هذا المحتوى لا يعكس بالضرورة آراء مركز جنيف لحوكمة قطاع الأمن

كانت هذه تفاصيل خبر من سرقة منازل "الضاحية" إلى سرقة ركامها: الرواية الكاملة لزمن الحرب وما بعده لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.

كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على النشرة (لبنان) وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.

أخبار متعلقة :