ابوظبي - سيف اليزيد - أبوظبي (الاتحاد)
تحت قبة البرلمان البريطاني العريق، وتزامناً مع خطاب رئيس الحكومة البريطانية الأخير لسنة 2024، عقد مركز تريندز للبحوث والاستشارات ندوة علمية في قاعة مجلس اللوردات تحت عنوان «تعزيز التعاون بين دول مجلس التعاون الخليجي وبريطانيا: الفرص والآفاق المستقبلية»، بحضور نخبة من أعضاء البرلمان البريطاني والمفكرين والباحثين.
وتناولت الندوة التي أدارتها كل من ألّيغرا موستين أوين، صحفية وأكاديمية (الزوجة الأولى لرئيس الوزراء الأسبق بوريس جونسون)، وأولغا مايتلاند، رئيسة مركز الأبحاث بمنتدى الدفاع والأمن في لندن، عدة محاور تتصل بالعلاقات الخليجية البريطانية، ومجالات التعاون المتعددة والمستقبلية، إضافة إلى التعاون في مكافحة التطرف وتعزيز الاستقرار الإقليمي.
كما سلطت الضوء على جوانب تميز النموذج الإماراتي في مجالات السياسة والاقتصاد والثقافة ونشر التسامح ومكافحة التطرف.
وأكد المتحدثون عمق الجذور التاريخية للعلاقات بين الجانبين، وأهمية البناء على هذا الأساس لتعزيز التعاون المستقبلي، كما بينوا تنوع وتعدد مجالات التعاون بدءاً من العلاقات السياسية والدبلوماسية، وصولاً إلى التعاون الاقتصادي والاستثماري والثقافي.
وقالوا إن هناك فرصاً كبيرة لتعميق التعاون بين دول الخليج والمملكة المتحدة في المجالات المختلفة، ودعوا إلى تقديم مبادرات جديدة تسهم في بناء مستقبل أكثر إشراقاً للطرفين، وحددوا العديد من الفرص الواعدة للتعاون في مجالات الطاقة، والتجارة، والاستثمار، والتكنولوجيا.
كما أشادوا بالدور الرائد لدولة الإمارات العربية المتحدة في تعزيز الاستقرار والنمو في المنطقة، ودعا الجميع إلى الاستفادة من تجربتها في هذا الصدد.
وتم تأكيد أهمية الاتفاقيات الإبراهيمية كخطوة مهمة نحو تحقيق السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، وإمكانية توسيع نطاقها لتشمل دولاً أخرى.
وقد استهلت الندوة بكلمة افتتاحية لعضو البرلمان البريطاني بامبوس شارالامبوس ركز فيها على أهمية العلاقات الخليجية البريطانية، وضرورة التعاون الدولي، خاصة في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف، مشدداً في الوقت نفسه على دور التكنولوجيا في ذلك.
البعد الثقافي والفكري
وفي كلمته الترحيبية، أكد الدكتور محمد عبدالله العلي، الرئيس التنفيذي لمركز تريندز للبحوث والاستشارات، عمق ومتانة العلاقات التي تربط المملكة المتحدة بدول مجلس التعاون الخليجي، مشيراً إلى أنها تمتد إلى مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية.
وشدد الدكتور العلي على أن هذه العلاقات المشتركة تمثل نقطة انطلاق قوية لبناء مستقبل مزدهر للطرفين، معتبراً أن البعد الثقافي يشكل أحد أهم أركان هذه العلاقات، وذلك نظراً للانتشار الواسع للثقافة الأنجلوفونية والمؤسسات التعليمية البريطانية في دول الخليج.
وتطرق إلى النموذج الإماراتي الناجح في المنطقة، داعياً إلى تعزيز هذا النموذج وتعميمه على مستوى إقليمي ودولي، مؤكداً أن تعزيز العلاقات البريطانية الخليجية عامة والإماراتية خاصة يمكن أن يسهم بشكل كبير في تحقيق الاستقرار والازدهار في منطقة الشرق الأوسط.
ورأى الدكتور العلي أن الاتفاقيات الإبراهيمية تمثل نقطة تحول إيجابية في المنطقة، ويمكن البناء عليها لتحقيق سلام دائم وشامل، مشدداً على أهمية الحوار والتسامح والتعايش بين شعوب المنطقة.
وحذر الرئيس التنفيذي لمركز تريندز من خطر التنظيمات الإرهابية المتطرفة مثل «داعش» وجماعة «الإخوان المسلمين»، داعياً الدول الغربية، وعلى رأسها بريطانيا، إلى إدراج هذه الجماعات على قوائم الإرهاب العالمية.
واقترح عدداً من المبادرات لتعزيز التعاون بين الجانبين، من بينها إنشاء مجلس للتشاور الاستراتيجي بين الطرفين، والدفع باتجاه توقيع اتفاقية التجارة الحرة، مؤكداً أن آفاق العلاقات الخليجية البريطانية واعدة، ودعا إلى بذل المزيد من الجهود لتعزيز التعاون المشترك وبناء مستقبل أفضل لشعوب المنطقة.
قرون من التعاون
وفي كلمة مماثلة أكد الدكتور حمد الكعبي، الرئيس التنفيذي لمركز الاتحاد للأخبار رئيس تحرير جريدة «الاتحاد»، أن العلاقات بين المملكة المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي تمتد عبر قرون من التعاون التجاري والثقافي، مشيراً إلى تطورها من روابط تجارية بسيطة إلى شراكة ديناميكية قائمة على أهداف مشتركة وازدهار متبادل.
وأوضح أن البيانات الحديثة كشفت عن قوة الشراكة الاقتصادية، حيث تشكل المملكة المتحدة ودول الخليج أكثر من 5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في عام 2024، بإجمالي إنتاج اقتصادي يتجاوز 5.7 تريليون دولار. وبلغ حجم التجارة الثنائية بين الطرفين 59 مليار جنيه إسترليني، ما يجعل الخليج السوق التصديرية السابعة للمملكة المتحدة.
وأشار الدكتور الكعبي إلى قوة تدفقات الاستثمار بين المنطقتين، مضيفاً أن القطاعات غير الاقتصادية حققت نجاحاً كبيراً، حيث استقبلت الجامعات البريطانية أكثر من 29.000 طالب خليجي العام الماضي، بينما شهدت حركة السياحة بين المنطقتين زيارة أكثر من مليون شخص.
وأبرز الدكتور حمد الكعبي أهمية المفاوضات الجارية بشأن اتفاقية التجارة الحرة، والتي من المتوقع أن تعزز التجارة بنسبة 16% وتضيف 1.6 مليار جنيه إسترليني إلى الاقتصاد البريطاني، لافتاً إلى المجالات الواعدة للتعاون، بما في ذلك الطاقة المستدامة، حيث تُنتج الاستثمارات المشتركة في مزارع الرياح البحرية الكهرباء النظيفة لملايين الأشخاص، والزراعة المستدامة التي تشهد تحولاً عبر مشاريع مشتركة في التكنولوجيا الزراعية.
كما أثنى على التعاون في التعليم والرعاية الصحية والتمويل كركائز لتعزيز الابتكار، وتحسين جودة الحياة.
نموذج عالمي
ومن جانبه، أكد السير ليام فوكس، وزير الدفاع السابق في الحكومة البريطانية، أهمية تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين المملكة المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي.
وأشار فوكس إلى أن العلاقات البريطانية-الخليجية تمتلك إرثاً تاريخياً غنياً تطور ليصبح شراكة ديناميكية قائمة على المصالح المشتركة والازدهار المتبادل.
كما شدد على ضرورة استثمار هذه العلاقات لتعزيز الأمن الإقليمي، ودعم الابتكار، وتطوير قطاعات حيوية مثل الطاقة والتعليم، مؤكداً أن التعاون بين الجانبين يمكن أن يكون نموذجاً عالمياً للشراكات الناجحة.
وبدوره شدد السياسي البريطاني اللورد إيان أوستن، بارون أوستن من دادلي، على أهمية تعزيز العلاقات الثنائية بين دول الخليج والمملكة المتحدة، داعياً إلى بناء شراكات اقتصادية وسياسية أكثر متانة. كما أكد ضرورة تضافر الجهود لمواجهة التحديات العالمية التي تواجه العالم اليوم.
وبدورها تطرقت شارلوت ليزلي، مديرة مجلس الشرق الأوسط المحافظ، إلى دور التجارة والثقافة في تعزيز التعاون بين الدول، مؤكدة أن بناء جسور التواصل بين الشعوب يسهم في تحقيق منافع اقتصادية وثقافية مستدامة.
جذور تاريخية
وفي مداخلته أمام الندوة، أوضح الباحث الرئيس عوض البريكي، رئيس قطاع تريندز غلوبال، أن العلاقة بين المملكة المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي تشهد مرحلة جديدة من التعاون الاستراتيجي، حيث تتجاوز هذه الشراكة أبعادها التقليدية لتشمل مجالات أوسع وأعمق.
وأشار إلى أن الجذور التاريخية لهذه العلاقة تعود إلى عقود مضت، وقد تم تعزيزها بشكل كبير في السنوات الأخيرة بفضل التطورات الإقليمية والدولية.
وأضاف أن هذه الشراكة تشكل ركيزة أساسية للاستقرار والازدهار في المنطقة، وتخدم مصالح كلا الطرفين.
وتطرق البريكي إلى أبرز جانب في هذه العلاقات، الذي يتمثل في التعاون في مجالات الاقتصاد والتجارة والدفاع والثقافة والتعليم، متوقعاً أن تشهد العلاقة بين المملكة المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي مزيداً من التطور في السنوات المقبلة، مع التركيز على مجالات جديدة، مثل الطاقة المتجددة والتكنولوجيا والابتكار.
وأضاف أن هذه الشراكة الاستراتيجية ستساهم في تعزيز الاستقرار والازدهار في المنطقة، وستعزز دور كلا الطرفين في الساحة الدولية.
واقترح الدكتور غسان إبراهيم، رئيس الشبكة العربية العالمية Global Arab Network، مجموعة من المبادرات لتعزيز التواصل الثقافي والسياسي بين المملكة المتحدة والعالم العربي، داعياً إلى بناء علاقات قائمة على الثقة المتبادلة والانفتاح.
التعليم والثقافة
من جانبه، ركز الباحث ناصر آل علي، رئيس قطاع الشؤون الإدارية في «تريندز» على أهمية التعليم والثقافة في تعزيز الروابط بين شعوب الخليج والمملكة المتحدة، مشيراً إلى أن تعزيز العلاقات الثقافية بين المملكة المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي، خاصة مع دولة الإمارات، يعد استراتيجية رابحة للجميع.
وأكد أهمية الاستثمار في الثقافة كوسيلة لبناء جسور التواصل وتعزيز التعاون بين الدول.
واقترح خمسة مجالات رئيسة للتعاون الثقافي وهي برامج التبادل الثقافي والتعليمي، والمهرجانات الثقافية ومشاريع الصناعات الإبداعية، والمراكز الثقافية والمعارض، والترجمة والنشر والمسابقات الأدبية والسياحة الثقافية والشراكات المؤسسية.
وتحدثت الباحثة إليازية الحوسني، مديرة إدارة الإعلام في مركز تريندز، في مداخلتها أمام الندوة عن أثر اتفاقيات إبراهيم في تعزيز التعاون الدولي، وأكدت أهمية تفعيل هذا النموذج لتحقيق الاستقرار الإقليمي.
وقالت إن هذه الاتفاقيات تمثل تحولاً استراتيجياً في المنطقة، حيث تهدف إلى بناء مستقبل أكثر ازدهاراً وأماناً.
وأوضحت أن هذه الاتفاقيات التاريخية، التي تحمل دلالات ثقافية ودينية عميقة، تسعى إلى تعزيز التعاون والتنمية في مختلف المجالات، من الاقتصاد إلى الثقافة.
وأكدت أن هذه الخطوة الجريئة تفتح آفاقاً جديدة للاستثمار والتجارة، وتسهم في خلق بيئة إيجابية لحل الصراعات وتعزيز الحوار بين الشعوب، مؤكدةً أهمية هذه الاتفاقيات في رسم ملامح جديدة للشرق الأوسط.
أهمية الحوار
كما تحدث في الندوة عضو البرلمان البريطاني السابق دانييل كاوتشينسكي الذي أكد أهمية الدور الذي تلعبه البرلمانات في صياغة السياسات وتوجيه العلاقات بين الدول، مشيراً إلى أن الحوار البرلماني يسهم في تعزيز التعاون والتفاهم المتبادل.
ومن جانبه، شدد ريتشارد باتر، مدير بيكوم للبحوث الإسرائيلية الشرق أوسطية على أهمية الاتفاقيات الإبراهيمية في إيجاد مستقبل آمن للشرق الأوسط، وقال إن الاتفاقيات شكلت منعطفاً مهماً يمكن أن يُبنى عليه.
أما ديفيد أبراهامز، نائب الرئيس الأسبق للمعهد الملكي للخدمات المتحدة للشؤون الدبلوماسية العالمية، فقد تناول أهمية الفهم الثقافي المتبادل في بناء علاقات دولية ناجحة، مشيراً إلى أن الحوار هو الأساس للتغلب على التحديات المشتركة.
كما استعرض الكاتب توني شافر الخبير في الأمن القومي الأميركي تأثير العلاقات الأميركية الخليجية على الاستقرار الإقليمي، مؤكداً أن التعاون البريطاني الخليجي يمكن أن يكون نموذجاً للاستقرار في المنطقة.
خطر التطرف
واختتمت الندوة بمداخلة لأفضل أشرف، حيث حذر من تصاعد خطر الجماعات المتطرفة، خاصة جماعة «الإخوان المسلمين»، التي يعتبرها تهديداً مباشراً للاستقرار والأمن في المنطقة.
كما أكد أشرف أهمية دور مراكز البحث العلمي والفكر والمؤسسات الدينية والتعليمية في نشر الوعي بخطورة التطرف، وتعزيز قيم التسامح والاعتدال.
ودعا إلى ضرورة حماية الشباب وتضافر الجهود لمواجهة هذا الخطر، مشدداً على أهمية التعاون، موضحاً أن مكافحة الإرهاب تتطلب مقاربة شاملة ومواجهة الأفكار المتطرفة بالفكر الوسطي.
أخبار متعلقة :