تعرف اليابان بعشقها العميق للمأكولات البحرية، حيث تشكل جزءًا لا يتجزأ من ثقافتها وتقاليدها الغذائية. ولكن، هذا الولع قد أصبح يشكل تهديدًا حقيقيًا لهذه الثروة المائية بسبب عمليات الصيد غير القانونية التي يمارسها بعض مرتادي الشواطئ وهواة الصيد. تفشي هذه الظاهرة دفع الحكومة والجهات المعنية إلى اتخاذ إجراءات حازمة لوضع حد لهذه الممارسات الضارة. في هذا السياق، تم إطلاق خطط تهدف إلى رفع مستوى الوعي حول القوانين والأنظمة المتعلقة بالصيد المسموح به، للحفاظ على التوازن البيئي وضمان استدامة الموارد البحرية للأجيال القادمة.
استياء قطاع الصيد البحري
في السنوات الأخيرة، أصبحت مصائد الأسماك اليابانية تواجه تحديات جمة بسبب التغيرات المناخية التي تسببت في ارتفاع درجة حرارة المحيطات، مما أثر على البيئة البحرية. ومع تراجع إنتاج الأسماك والمحاريات، اضطرت الحكومة المركزية والحكومات المحلية في اليابان إلى توجيه نداءات قوية إلى الأفراد غير العاملين في مجال الصيد البحري، تحثهم على الالتزام باللوائح والقوانين التي تحكم صيد الأسماك والمحاريات في المناطق الساحلية. ومع استمرار ظاهرة الصيد العشوائي في الانتشار، بات الصيد غير القانوني يشكل عقبة كبيرة أمام إدارة الموارد البحرية.
وإذا ما تساءلنا عن ملكية البحار والمسطحات المائية، فإنه ووفقاً لما قضت به المحكمة العليا اليابانية، لا يحق لأي جهة امتلاك البحر أو إنشاء حقوق ملكية على سطحه. لكن هذا الأمر لا يمنح الحرية المطلقة لأي شخص للإقدام على صيد الأسماك والمحاريات بشكل عشوائي. فيما يتعلق باستغلال الموارد البحرية، يتم منح تراخيص الصيد للتعاونيات وممارسي مهنة الصيد من قبل وزارة الزراعة والغابات والثروة السمكية أو سلطات المحافظة. وهذا يعني أن صيد الأسماك أو جمع المحاريات من قبل أشخاص غير حاصلين على تراخيص يُعد انتهاكًا وتعديًا على حقوق الصيادين الشرعيين.
بالإضافة إلى القيود الواردة في قانون الصيد البحري التي تحظر جمع الأذن البحري وخيار البحر وما إلى ذلك، فإن اللوائح التي تضعها كل محافظة على حدة تحظر أيضًا جمع المحاريات في المناطق المحظورة، كما يتم منع استخدام معدات معينة. ووفقاً لوكالة الثروة السمكية، يُصنف أي سلوك لا يتوافق مع القوانين أو اللوائح ذات الصلة على أنه صيد غير شرعي، مما يُعرض المخالفين لغرامات مالية كبيرة أو عقوبة السجن. تنطبق العقوبات نفسها على الرعايا الأجانب أيضًا، بغض النظر عن صفة تواجدهم أثناء خرقهم للقانون، سواء كانوا سائحين في زيارات قصيرة الأمد، أو مقيمين على المدى الطويل من أجل الدراسة أو العمل.
الصيد غير الشرعي لأسماك أذن البحر يعرض صاحبها لغرامة تصل إلى 30 مليون ين ياباني. (© كواموتو دايغو)
غالبية المخالفين ليسوا صيادين نظاميين
وتشهد ظاهرة الصيد غير الشرعي في اليابان ارتفاعًا مقلقًا، حيث كشفت إحصاءات مؤقتة صادرة عن وكالة الثروة السمكية اليابانية عن توجيه تهم الصيد غير القانوني إلى 1527 شخصًا في عام 2022، وذلك بموجب قوانين ولوائح متعلقة بالصيد البحري. تُشير هذه الأرقام إلى زيادة مقلقة بنسبة 16٪ مقارنة بالعام السابق، بعد فترة شهدت تسجيل انخفاض نسبي في حالات الصيد غير الشرعي المبلغ عنها على مدار خمس سنوات. تفشي هذه الظاهرة بشكل لم تشهده البلاد إلا نادرًا خلال العقود الأخيرة يعود سببه إلى ضعف الرقابة على نشاط الصيد وعدم القدرة على القبض إلا على عدد بسيط من المخالفين، لذلك يُعتقد أن المعدل الفعلي للصيد غير الشرعي أكبر بكثير مما يتم الإبلاغ عنه.
وإذا ما أردنا دراسة وضع المخالفين الذين تم القبض عليهم بتهمة الصيد غير الشرعي، فإننا نجد أن غالبيتهم من خارج مجال صيد الأسماك التجاري. فقد تم تسجيل ارتفاع ملحوظ في عدد المخالفين ممن لا يعملون في مجال الصيد البحري عام 2004، بينما عرف عدد الصيادين التجاريين المخالفين للقوانين انخفاضاً ملحوظاَ. ففي الوقت الحالي، يشكل هؤلاء غير العاملين في المجال الغالبية العظمى من الموقوفين، حيث بلغ عددهم في عام 2022 حوالي 1329 حالة، وهو ما يمثل قرابة 90 ٪ من إجمالي الحالات.
وترجع وكالة الثروة السمكية اليابانية الأمر، إلى ارتفاع مستوى الوعي بأهمية إدارة الموارد بين الصيادين النظاميين، على عكس ضعف الوعي لدى عامة الناس غير المدركين لخطورة نشاطاتهم وتأثيرها السلبي على الموارد البحرية. لذلك تعمل الوكالة حاليًا بالتعاون مع الهيئات الحكومية المحلية وغيرها من الجهات على نشر التوعية بشأن مخاطر الصيد المنظم.
قانون جديد يقضي برفع قيمة الغرامة المالية
وفي خطوة لتعزيز الرقابة على مجال الصيد البحري وتنظيمه، تم تعديل قانون صيد الأسماك الياباني في ديسمبر/كانون الأول 2020، حيث وضعت الحكومة بنودًا جديدة تنظم جمع أنواع معينة من النباتات والحيوانات البحرية، وتحظر بشكل كامل جمع أسماك أذن البحر وخيار البحر. وفي ديسمبر/كانون الأول 2023، تمت إضافة أصناف أخرى إلى القائمة السابقة شملت صغار ثعابين الماء العذبة التي يقل طولها عن 13 سم وأصبحت بذلك ضمن الأنواع التي تتمتع بالحماية. وبذلك يعتبر جمع أي من هذه الكائنات البحرية مخالفًا للقانون، بغض النظر عن الكمية أو الموقع أو الغرض من الصيد، حتى لو كان للاستهلاك الشخصي، ويعاقب على المخالفة بالسجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات أو غرامة تصل إلى 30 مليون ين ياباني. كما تمت زيادة الحد الأقصى للغرامة المفروضة على الأفراد الذين يجمعون القواقع الحلزونية البحرية أو جراد البحر بدون ترخيص، حيث تم رفع الغرامة من 200 ألف ين إلى 1 مليون ين ياباني.
منشور يوضح أنه من غير القانوني جمع الأسماك أو المحار بدون ترخيص تجاري. (بإذن من وكالة مصايد الأسماك)
إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي
وعلى الرغم من تشديد العقوبات، إلا أنها لم تتمكن بعد من وضع حد لهذه الممارسات غير القانونية، إذ تستمر عمليات الصيد غير الشرعي للكثير من فواكه البحر الفاخرة منها على وجه الخصوص، مثل أسماك الأذن البحرية وخيار البحر والقواقع السازاي البحرية، حيث أصبحت تشكل مصدر دخل قيم للجماعات الإجرامية المنظمة. إذ يتم نقلها عبر طرق سرية من طرف صيادين ماهرين في عمليات السطو هذه.
وحذرت حكومة محافظة ناغاساكي من ازدياد تنظيم الصيادين المحليين المخالفين، حيث باتوا يُستخدمون قوارب سريعة بمحركات معدلة وأجهزة متطورة تمكنهم من رصد سفن الدوريات قبل وصولها. كما شهدت السنوات الأخيرة ازديادًا ملحوظًا في استغلال وسائل التواصل الاجتماعي لجذب المزيد من المخالفين، وتسهيل بيع المأكولات البحرية التي يتم جمعها بطرق غير شرعية. لذلك بات من الضروري توعية الناس بأهمية القانون وخطورة مخالفته، فما قد يبدو مجرد وظيفة مربحة في وقت متأخر من الليل، يُعد في الواقع تواطؤًا مع شبكات إجرامية تجني أرباحًا طائلة على حساب البيئة والمجتمع.
كما تشهد ظاهرة الصيد غير المصرح به من قبل الرعايا الأجانب ارتفاعًا، حيث ينتشر جمع سرطان البحر الأزرق بطريقة غير قانونية من قبل الصينيين وغيرهم من الرعايا الأجانب في خليجي طوكيو وإيسي. على سبيل المثال، تم ضبط مجموعات من الرعايا الفيتناميين يجمعون أنواعًا من المحاريات الفاخرة في منطقة هوكوريكو الساحلية. هذا يزيد من التحديات التي تواجه قطاع الصيد وإدارة الثروة السمكية. فلم تعد الأزمة تقتصر على التأثير السلبي الكبير الذي أحدثه الصيد العشوائي على الموارد الطبيعية في بعض المناطق فحسب، بل تفاقمت الأوضاع إلى مواجهة صعوبات في جعل الرعايا الأجانب يلتزمون بالقواعد والقوانين التنظيمية، مما يهدد باحتمالية تفاقم هذه الظاهرة.
قواقع السازاي الشهية مستهدفة من قبل الصيادين غير النظاميين. (© كاواموتو دايغو)
إجراءات ضد الصيد العشوائي من قبل الهواة
أبدت أيضًا وكالة الثروة السمكية والحكومات المحلية قلقها بشأن ما تقدم عليه بعض العائلات والمجموعات الأخرى التي ترتاد الشواطئ وينتهي بها الحال إلى جمع المأكولات البحرية بطريقة عشوائية وغير قانونية. في هذا السياق، وصف أحد مشغلي مصائد الأسماك في تشيبا بغضب حالات خروج المجموعات إلى الشواطئ لإقامة حفلات شواء، حيث يقومون إما بجمع قواقع الأذن أو القواقع الحلزونية لإضافتها إلى المشاوي، أو استخدام معدات ممنوعة لاستنزاف المنطقة من جميع القواقع الحلزونية والمحار. ولا تقتصر عمليات الجمع العشوائي على هذه الأنواع فقط، بل يتعدى الأمر إلى جمع الطحالب البحرية، خاصة طحالب الكومبو والهيجيكي.
يمنع جمع المحار من شاطئ كوجوكوري بتشيبا.(© بيكستا)
تعمل الحكومة المركزية مؤخرًا بالتعاون مع الحكومات المحلية على تكثيف حملات التوعية على نطاق واسع لتعريف المواطنين بالقوانين والأنظمة المعمول بها. يتم ذلك من خلال نشر اللوحات الإرشادية وتعزيز عمليات مراقبة السواحل. تؤكد وكالة الثروة السمكية أن هذه القوانين التنظيمية تختلف من محافظة لأخرى، لذلك يتوجب على المواطنين الاطلاع على القوانين المعمول بها قبل التوجه إلى الشاطئ.
إذا ما نظرنا إلى القوانين المعمول بها في محافظة كاناغاوا على سبيل المثال، نجد أن كل بلديات المحافظة تخضع لحقوق صيد مشتركة، حيث يُعد جمع قواقع الأذن والقواقع الحلزونية، وطحالب الواكامي والكومبو مخالفًا للقانون. على الرغم من أنه يُسمح باستخدام مجارف يصل عرضها إلى 15 سنتيمترًا لجمع المحار من مناطق المد والجزر المخصصة، فإن استخدام الجرافات البحرية ومجارف ”مخالب النينجا“ التي تتميز بوجود شبكة بين المخالب ممنوع تمامًا. أما في محافظة آيتشي، فالأدوات التي يمكن استخدامها من قبل غير العاملين في مجال صيد الأسماك محددة بشكل صارم، حيث تم حصرها في صنارات الصيد وأنواع معينة من الشباك، كما تم تحديد مواسم الصيد والأحجام المسموح بها لجمع قواقع الأذن والبوري وصغار الأنقليس وأنواع أخرى محددة.
”مخالب النينجا“ وهي مشط متوفر أونلاين، لكن استخدامها محظور في العديد من المناطق الساحلية.(© بيكستا)
رصد مجموعة من الناس خلال عمليات جمع غير قانونية للمحار في متنزه يوكوهاما البحري. ويستخدم الكثير منهم مخالب مشط النينجا المحظور. (© كواموتو دايغو)
التونة ذات الزعانف الزرقاء تضاف إلى قائمة محظورات الصيد
القيود التي تحاول فرضها السلطات المعنية شملت أيضاً هواة الصيد على حد سواء، حيث تطبق قواعد صارمة خاصة فيما يتعلق بجوهرة البحار ”التونة الزرقاء“. وقد أصدرت لجان تنسيق مصايد الأسماك الإقليمية في اليابان تعليمات، تقضي بوجوب إعادة جميع أسماك التونة ذات الزعانف الزرقاء التي يقل وزنها عن 30 كيلوغرامًا إلى البحر، حتى لو تم صيدها عن طريق الخطأ أثناء صيد أنواع أخرى. ويُسمح بالاحتفاظ بسمكة تونة زرقاء واحدة فقط لكل شخص مع شرط أن يبلغ وزنها 30 كيلوغرامًا أو أكثر، كما يتعين على الصيادين الإبلاغ عن صيدهم للسلطات، إما باستخدام التطبيق المخصص أو عن طريق وسائل أخرى. وتعزيزاً لهذه الإجراءات فقد وضع قانون مع مطلع ربيع 2024 يقضي بإلزامية الإبلاغ عما تم صيده في غضون فترة لا تتعدى الثلاثة أيام، خلافاً للفترة السابقة التي كانت محددة بخمسة أيام. كما حذرت وكالة الثروة السمكية بأنه سيتم إصدار أوامر في حق من يتقاعسون أو يتخلفون عن التبليغ والالتزام بالقوانين التنظيمية الجديدة. مع إمكانية تولي وزير الزراعة والغابات والثروة السمكية فرض عقوبات على هؤلاء المخالفين.
ولا تقتصر الإجراءات الجديدة على ما سبق ذكره فقط، بل تم تسطير قيود على الكميات أيضاً، حيث يخضع عدد الأسماك التي يمكن اصطيادها خلال فترة معينة إلى سقف محدد، وإذا وجدت هناك احتمالية لتجاوز حجم الصيد الإجمالي للحد الأقصى الذي تم تحديده، يتم تقصير موسم الصيد. وفي نفس السياق فقد تم حظر صيد أسماك التونة ذات الزعانف الزرقاء الكبيرة خلال الفترة الممتدة من 6 أبريل/ نيسان إلى 31 مايو/ أيار 2024. ويُعاقب المخالفون بالسجن لمدة تصل إلى عام مع غرامة مالية حددت بـ 500 ألف ين.
وفي الأخير، تم وضع لوائح تنظيمية مع الحرص على إخطار الناس بها، من أجل قطع الطريق على من يحاول تبرير انتهاكه للقانون بحجة عدم معرفته بهذه اللوائح. فسواءً كان الفرد متوجهاً إلى الشاطىء أم يخطط للصيد، يجب عليه التحقق من القوانين والمعلومات المحلية. وأن يتجنب التفكير في الإقدام على اصطياد كميات هائلة من التونة ذات الزعانف الزرقاء لتحقيق مكسب سريع.
ملصق تحذيري يوضح القيود المفروضة على صيد التونة ذات الزعانف الزرقاء. (بإذن من وكالة مصايد الأسماك)
(النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية صورة العنوان: لافتة ”الصيد العشوائي ممنوع“، من شاطئ شاكوتان بهوكايدو. © كاواموتو دايغو)
كانت هذه تفاصيل خبر اليابان | الصيد غير الشرعي تحت المجهر: كيف تقود اليابان حربًا لحماية ثرواتها البحرية؟ لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.
كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على نيبون وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.
أخبار متعلقة :