كان حفل افتتاح أولمبياد باريس إنتاجًا مذهلًا غنيًا بالمشاهد البصرية المبهرة، مما جعله حديث الساعة وأبهر الجماهير حول العالم. بفضل الابتكارات الفنية والتنظيمية التي شهدها هذا الحدث، من المرجح أن يكون له تأثير كبير على طريقة تنظيم مثل هذه الفعاليات الكبرى في المستقبل. انضموا إلينا في هذا المقال لنلقي نظرة على أبرز لحظات الحفل، وكيف يمكن أن يعيد تشكيل معايير الفعاليات الرياضية العالمية للأعوام القادمة.
نقل الفعاليات من الاستاد إلى المدينة
سار موكب من القوارب تحت المطر يحمل 6800 رياضيا لمسافة 6 كم غربا على طول نهر السين من جسر أوسترليتز شرقي باريس إلى جسر إينا بالقرب من برج إيفل. سلطت الأغاني والرقصات والعروض الأخرى – على طول الطريق – الضوء على أحداث من التاريخ والتراث الثقافي والفنون والشخصيات التاريخية والأزياء الفرنسية، وكأنها لوحة فنية.
عندما أعلنت اللجنة المنظمة لأولمبياد باريس 2024 – برئاسة توني إستانغيه – عن خططها في ختام ألعاب طوكيو إزاء سير الموكب الأولمبي لحفل افتتاح الألعاب على طول نهر السين، قوبلت بموجة من المعارضة والدعوات لإعادة النظر بالأمر.
كان أحد الاعتبارات هو الهجمات الإرهابية. فإذا كان تأمين استاد مغلق أمرا ينطوي على قدر كاف من الصعوبة، فإن تأمين ضفاف نهر مفتوحة أصعب بكثير. وكان يُعتقد، على سبيل المثال، أن القناصة قد يكونون قادرين على تنفيذ هجوم إرهابي من نوافذ المباني على طول الطريق. هناك قضية أخرى تمثلت في التأثير الكبير على حياة السكان. فقد تعين على الكثير من المقاهي والمكتبات والمتاجر الأخرى الإغلاق لفترة طويلة حتى أثناء التحضير. ومع وجود فعاليات في مبانٍ تاريخية وحدائق وساحات عامة، كان هناك خطر من أن تنحدر المدينة إلى الفوضى خلال فترة الألعاب.
ولكن المضي قدما مع وجود مثل هذه العقبات هو نهج فرنسي جوهري. ففرنسا تسعى دائما إلى سلوك طرق جديدة للقيام بالأشياء، انطلاقات من كراهتها للتقليد والاتباع الأعمى لما هو مألوف.
في الدبلوماسية أيضا، لا تمانع فرنسا من السير عكس التيار حتى وإن كان ثمرة اتفاق عام، بهدف تحقيق تقدم كبير. إن التمسك بـ ”الطريقة الفرنسية“ قد يقابل بسخرية أمريكية أو بريطانية، لكن فرنسا لا تلقي لذلك بالا. وأحيانا تكون ناجحة، ولكنها قد تواجه انتكاسات أحيانا أخرى.
استعادة ذكرى الثورة
وبالتالي برزت الطريقة الفرنسية من خلال ابتكار إقامة حفل الافتتاح في جميع أنحاء المدينة عوضا عن أن يكون محصورا في الاستاد، الأمر الذي بات ممارسة مألوفة منذ انطلاق الألعاب الأولمبية الحديثة. وقد نجح الحفل بشكل رائع، بالتوازي مع إنتاج رائع.
أدى غيوم ديوب – أول راقص أسود رئيسي في باليه أوبرا باريس – عرضا على سطح المبنى التاريخي للبلدية المطل على نهر السين. كما ظهرت ليدي غاغا في زي مستوحى من الكاباريه مع ريش على درجات الضفة اليمنى من النهر وأدت عرضا غنائيا راقصا بالفرنسية. كما رقص على طول النهر نحو 85 راقصا من كاباريه مولان روج عروض رقص كانان بشكل متزامن ورفعوا تنانيرهم استجابة للمغنية الأمريكية.
أثارت نساء يرتدين فساتين تمثل ماري أنطوانيت ويحملن في أيديهن رؤوسهن المقطوعة، الكثير من الجدل. صورة من حفل الافتتاح ملتقطة في 26 يوليو/تموز عام 2024 (© رويترز).
عاشت الملكة القرينة ماري أنطوانيت التي تم عزلها في الثورة الفرنسية، أيامها الأخيرة قبل إعدامها في سجن كونسيرجيري. ومن هذا المبنى التاريخي على الضفة اليسرى من النهر، ظهرت عدة شخصيات تمثل الملكة برأسها المقطوع في يديها، حيث تمت إعادة تمثيل أحداث الثورة بالأضواء والقصاصات الورقية الملونة. كما أدى مغني أوبرا أغنية من أوبرا ”كارمن“ للملحن الفرنسي جورج بيزيه.
وفي جزء لاحق إلى جانب النهر، غنى مغني أوبرا آخر هو ”لامارسييز“ من على سطح القصر الكبير، الذي تم تشييده لمعرض باريس عام 1900. وفي إطار جهود إخراج فعاليات الأولمبياد من الاستاد، يستضيف القصر الكبير منافسات المبارزة والتايكوندو.
وعلى الرغم من تزايد غزارة الأمطار الهاطلة، زادت أضواء وأصوات باريس عند الغسق من قدر الإثارة. فالمغنية الفرنسية من أصل مالي آيا ناكامورا، والتي واجهت شائعات وتعليقات عنصرية قبل ظهورها، أدت أغانيها الخاصة وإحدى أغاني شارل أزنافور مايسترو أغاني الشانسون بمرافقة أوركسترا الحرس الوطني الجمهوري. حظي الجمع بين الأغاني الطليعية لناكامورا ووقار الأوركسترا، بتقدير كبير. وهذا النوع من التجريب الجريء هو نهج فرنسي بامتياز.
آيا ناكامورا (في الوسط) تؤدي عرضا في حفل الافتتاح أولمبياد باريس في 26 يوليو/تموز 2024 (© رويترز).
ظهرت تماثيل برونزية لنساء قدمن مساهمات رئيسية لفرنسا من النهر في عرض من الدرجة الأولى. وضمت التماثيل العشرة تمثالا لسيمون فيل الناجية من معسكر الاعتقال أوشفيتز والتي أصبحت سياسية ناضلت من أجل تقنين الإجهاض. وستنصب التماثيل في أنحاء باريس، وهي ترمز إلى الجهود المبذولة لمعالجة اختلال التوازن بين الجنسين، حيث هناك عدد قليل نسبيا من التماثيل التي تجسد النساء في المدينة.
الاعتزاز بحقوق الإنسان
تضمنت جميع العروض رسائل تاريخية وأخرى تشمل التقاليد والثقافة والتضامن والتسامح والتنوع، مع موضوع شامل يجسد مبادئ الثورة الفرنسية في الحرية والمساواة والإخاء.
كان لدى فرنسا من الناحية التاريخية إحساس قوي بمهمتها تجاه العالم. وكانت تطمح منذ زمن الملكية المطلقة في القرن السابع عشر إلى نقل ثقافتها العظيمة إلى أقصى مدى، وجلب الحضارة إلى المناطق البدائية. أنشأت فرنسا مستعمرات في أمريكا الشمالية وأفريقيا والشرق الأوسط، حيث سعت لفرض لغتها وثقافتها.
عندما وصل نابليون إلى السلطة بعد الثورة الفرنسية عام 1789، نشر مبادئ الحرية والمساواة والإخاء إلى الدول المجاورة. وهذا ما ساعد في الإطاحة بالنظام الإقطاعي في الكثير من الحالات، وكان خطوة نحو توحيد الدول الجديدة. ولكن الوقائع التاريخية تظهر أيضا أن ذلك أيقظ الوعي الوطني لتلك الدول، ما دفعها للتمرد ضد فرنسا، ما تسبب في سقوط نابليون.
تفتخر فرنسا حتى اليوم بأنها كانت أول دولة ترسي مبدأ حقوق الإنسان العالمية استنادا إلى مُثلها الثورية. ومثّل الحفل الافتتاحي للأولمبياد الذي شاهده الناس في جميع أنحاء العالم، فرصة مثالية للتأكيد على أهمية حقوق الإنسان في عالم اليوم.
في أثناء إضاءة برج إيفل بعرض ليزري، تحدث إستانغيه في ساحة تروكاديرو قائلا ”على الرغم من أن الألعاب لا يمكن أن تحل كل المشاكل... ذكّرتنا هذه الليلة بمدى جمال الإنسانية عندما نتحد“. وكانت تلك رسالة تدعو للقوة عبر الوحدة.
وفي ذروة الحفل، قدمت المغنية الكندية سيلين ديون، التي تعاني من متلازمة الشخص المُتَيَبِّس، أداء عاطفيا لأغنية ”La Vie en rose“ لإديث بياف من على مسرح خاص في برج إيفل. منحت مشاركة فنانتين أجنبيتين هما ديون وليدي غاغا في الحفل، إحساسا بالتوازن لتجنب الشعور بالانتصار الفرنسي.
ماكرون في موقع ضعف
كان نجاح حفل الافتتاح شهادة على إصرار اللجنة المنظمة على عدم التراجع في مواجهة الإرهاب، مع الحفاظ على يقظتها بينما يتم تقديم أفضل عرض ممكن. ويمكن النظر إلى ذلك على أنه ”الطريقة الفرنسية“.
كان من بين الحضور المستشار الألماني أولاف شولتز ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر والسيدة الأولى الأمريكية جيل بايدن. وعلى الرغم من إلقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خطاب إعلان افتتاح الألعاب، إلا أن حضوره كان هزيلا. فمع تواصل الصراعات في أوكرانيا والشرق الأوسط، كان ماكرون قد دعا إلى هدنة أولمبية، لكن مناشدته لم تلقَ آذانا صاغية.
وصل ماكرون إلى طريق مسدود في كل من الشؤون الداخلية والدولية، ما قلل من نفوذه. في السياسة الداخلية على وجه الخصوص، أدى قراره الحاسم بحل مجلس النواب والدعوة لانتخابات عامة إلى انخفاض هائل في عدد مقاعد حزبه. وبحلول موعد حفل الافتتاح بعد مرور 3 أسابيع على الانتخابات، لم يكن ماكرون قد عيّن بعد رئيسا جديدا للوزراء. وعلى الرغم من أنه سيتناول هذه القضية مجددا بعد الأولمبياد، إلا أنه من غير المحتمل أن تمنحه استضافة الألعاب أي دفعة إضافية.
وبالرغم من ذلك، سيكون للأولمبياد إرث يتجاوز السياسة. قد تكون فرنسا باتت قوة متوسطة من حيث نفوذها الوطني، لكنها لا تزال رائدة فيما يتعلق بالقوة الناعمة، الأمر الذي أثبته حفل افتتاح أولمبياد باريس. كان الحفل أيضا تذكيرا بعمق التاريخ والفن والثقافة الفرنسية. كانت فرنسا في أحد الأوقات جزءا من أوروبا القديمة، لكن التنوع الاجتماعي والابتكار والبصيرة التي تجلت في الحفل بددت تلك الصورة النمطية.
لا بد وأن السحر المتجدد للبلاد – كما تجسد في حفل الافتتاح – قد جعل الكثير من الناس حول العالم يفكرون في زيارة باريس أو القيام برحلة إلى فرنسا أو السفر على طول نهر السين.
(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية بتاريخ 29 يوليو/تموز عام 2024. الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: حفل افتتاح أولمبياد باريس على طول نهر السين في 26 يوليو/تموز عام 2024. © رويترز)
كانت هذه تفاصيل خبر اليابان | باريس 2024: تجربة حفل افتتاح الأولمبياد من وجهة نظر يابانية لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.
كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على نيبون وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.
أخبار متعلقة :