محمد اسماعيل - القاهرة - كتب- محمد عاطف:
لا تزال روايات الأديب الكبير نجيب محفوظ -الذي صادف أمس ذكرى رحيله- بكرًا، تحتاج من يعيد قراءتها وعرضها للجمهور، ولاتزال سيرته الذاتية، بكرا أيضا، تحتاج إلى من يفك شفراتها ويكشف ألغازها.
الأديب العالمي الذي ترجمت أعماله إلى معظم اللغات الحية، مازال البعض يأخذ عليه جبنه وضعفه وهروبه من المواجهة على المستوى الشخصي والسياسي.
ومن هنا كان لنا لقاء من اثنين من أهم النقاد في مصر، في محاولة لإعادة النظر في أعمال صاحب الثلاثية، وتقديم رؤية جديدة حول سيرته الذاتية.
الناقد الكبير جابر عصفور قال لمصراوي، إن الزخم الذي يواكب كل ذكرى للأديب العالمي نجيب محفوظ دليل على خلوده، وأن إبداعه أشبه بالأرض الخصبة التي كلما ضربتها بالفأس اكتشفت المزيد من خيراتها، وكلما قلبت صفحات رواياته كلما قرأت مزيدًا من المعاني التي لم تكتشفها من قبل.
وأضاف عصفور: "لا نندهش كل فترة إذا وجدنا مزيدا من الدراسات والكتب التي تتخذ من أدب نجيب محفوظ محورا لها، فكل أديب عظيم، يمكن للأجيال الجديدة أن تكتشف في أعماله معاني جديدة لم تكتشفها الأجيال السابقة".
وضرب عصفور مثالا بشكسبير، قائلا: "نجد أن شكسبير على الرغم من أنه رحل عن عالمنا منذ حوالي خمسة قرون إلا أن أعماله مازالت حديث العالم كله، ومازال لكل عمل منها تفسير جديد يكتشفه المبدعون والنقاد".
وحول ما يتردد عن خوف نجيب محفوظ من المواجهة، وهو ما يؤخذ عليه، قال عصفور: "لم يكن أديب نوبل يلجأ للمواجهة المباشرة، على المستوى السياسي، حتى الجماعات المتطرفة التي حاولت اغتياله لم يتصد لهم بحزم، بل وظل رافضا حتى آخر حياته أن تطبع رواية أولاد حارتنا، إلى أن طبعها أحمد كمال أبوالمجد في دار الشروق".
وتابع عصفور: "المواقف الشخصية للمبدعين ليست مهمة، وما يهمنا إبداعهم، وهناك فارق كبير بين الوعي السياسي والإدراك الجمالي للعالم، لدى بعض المبدعين، فأعمال الكاتب الفرنسي بلزاك كانت في منتهى الثورية، بينما كانت مواقفه في منتهى الرجعية".
من جانبه قال الناقد الدكتور سعيد الوكيل، إن نجيب محفوظ واحد من أولئك القلائل الذين يجبرونني أن أعود لأقرأ أعمالهم من فترة لأخرى، ورغم أني قرأت اعماله في وقت مبكر، إلا أنني كلما عدت للقراءة اكتشفت ما في فنه من رهافة، وعلى سبيل المثال نجده في "زقاق المدق" يبدع صور الراوي ووظائف ذلك السارد، وبالرغم من أنه يبدع رواية تقليدية إلا أنه يتجاوز ما هو معروف عن دور السارد، ويمنحه دورا جليلا لا يكاد يلتفت إليه كثير من كتاب الرواية، ألا وهو دور الصمت، واختار بمنتهى الذكاء المساحات التي يصمت فيها السارد، وهذه صنعة لطيفة لا يجيدها إلا كبار الكتاب، ومن ثم فإنه يترك فجوات كثيرة في النص يملأها المتلقي، على عكس كثير من المبدعين الذين تعاني نصوصهم من تخمة، ولا يترك للقارئ فرصة لإبداع حالة التلقي، للتأمل والتخيل وملء الفجوات.
كما ضرب الوكيل مثالا آخر، على إبداع محفوظ وتميزه خلال ذلك التحدي الذي خاضه حين أراد إبداع نص يوازي "ألف ليلة وليلة"، وكتب "ليالي ألف ليلة"، وهو نص يحمل تركيبة من التوازن المدهش وبناء للقصص الفرعية وللشخصيات بطريقة تؤكد أنه قادر على كتابة نصوص لا تقل روعة ويمكن أن تقف شامخة إلى جانب الأعمال الإبداعية الإنسانية، سواء كانت عالمية أو عربية، ومن هنا لا يمكن النظر إلى أديب نوبل على أنه كاتب تقليدي وإنما هو كاتب خالد، قادر على البقاء والاستمرار ومواجهة الزمن، لأنه مبدع أصيل يعتمد على حسه الإبداعي الخلاق مقرونا بثقافة إنسانية عالمية واسعة.
وتابع الوكيل: "ليس غريبا أن يدخل نجيب محفوظ، إلى عداد الخالدين، وليس هذا تحيزا للإبداع المصري وإنما هو تحيز للإبداع الحقيقي، فرحلته الإبداعية طويلة وكتابته استمرت حوالي ٦٠ عاما من الإبداع الذي اعتمد على نوع من الدأب والمتابعة الجادة للإبداع العالمي على امتداد تاريخه واتساع رقعته الجغرافية في العالم".
وأضاف الوكيل: "مر إبداع محفوظ بمراحل متعددة ولم يكتفِ باتجاه محدد ضيق، وإنما وجدناه يكتب الرواية التاريخية والواقعية والرمزية والمجموعة القصصية، ووجدناه يكتب نصوصا تتجاوز فكرة الأجناس الأدبية، مثل "أصداء السيرة الذاتية"، و"أحلام فترة النقاهة"، ولكن تبقى أشياء أخرى خفية في إبداع نجيب محفوظ تعطيه هذه المكانة الرفيعة".
وحول ما يثار عن سيرة صاحب "ميرامار"، قال الوكيل: "تمتع محفوظ باستقلالية حقيقية عن المؤسسات الرسمية رغم أنه عمل بها، وتركيزه على الإبداع وحرصه التام على أن يكون سقف حريته بلا حدود، والحرية أساس الإبداع والإبداع الذي لا يؤسس على الحرية لا يكون إبداعا".
أخبار متعلقة :