وزير خارجية فلسطين ينتقد عجز المجتمع الدولي عن وقف حرب الإبادة بغزة

ياسر رشاد - القاهرة - انتقد وزير الخارجية والمغتربين الفلسطيني رياض المالكي عجز المجتمع الدولي عن وقف حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي ضد أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. 

وحسب وكالة أنباء الشرق الأوسط، قال المالكي - في كلمته، اليوم /الأربعاء/، أمام الدورة الـ161 لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية العرب - "إنه مع كل هذه الجرائم الإسرائيلية، يقف العالم بين عاجز عن وقف الإبادة الجماعية أو صامت عنها أو داعم لها، وذلك حتى بعد 40 يوماً من أمر محكمة العدل الدولية بوقف قتل المدنيين الفلسطينيين أو إيذائهم جسدياً أو عقلياً ومنع الولادات وتأمين تدفق المساعدات الإغاثية، كتدابير مؤقتة"، منبها إلى أن إسرائيل (قوة الإبادة الجماعية) مازالت تمعن في القتل والتدمير والإيذاء ومنع الولادات.

وأضاف: "ونحن نجتمع اليوم في الدورة 161 لمجلس جامعة الدول العربية، وعلى مسافة قريبة من مقر اجتماعنا هذا، تستمر إسرائيل، قوة الاحتلال والفصل العنصري، لليوم الـ152 على التوالي، بارتكاب أبشع جريمة إبادة جماعية في العصر الحديث، بل تذهب إسرائيل في وحشيتها إلى ما هو أبعد من جريمة الإبادة الجماعية كما عرفها القانون الدولي، واتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948".

وحذر المالكي من أن إسرائيل، عدو الإنسانية التي قتلت على مدار أكثر من خمسة شهور متواصلة أكثر 30 ألف شهيد وأصابت أكثر من 72 ألف جريح، وهجرت قسرياً داخل قطاع غزة مليوني فلسطيني، أي 87% من مواطني قطاع غزة، ودمرت 360 ألف بيت في غزة أي نحو 65% من الوحدات السكنية في القطاع، قد فعلت ذلك بوعي وتخطيط كاملين.

وأشار إلى أن إسرائيل تستمر في إخضاع الشعب الفلسطيني بقطاع غزة للتجويع على مدار 152 يوماً، مؤكدا أن الأطفال والنساء وكبار السن يقتلون اليوم جوعاً، حرفياً وواقعياً يُقتلون جوعاً، علاوة على قتلهم وتدمير بيوتهم ومدارسهم ومساجدهم ومستشفياتهم بـ70 ألف طن من المتفجرات، قائلا "إن تقارير وشهادات من منظمات دولية أفادت بأن جميع سكان قطاع غزة (100% من سكان قطاع غزة) يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد والشديد، ولكن نصف مليون منهم يعيشون في مرحلة المجاعة، أي معرضين للموت جوعاً".

ولفت إلى جريمة التطهير العرقي التي تنتهجها إسرائيل على مدار أكثر من 76 عاماً ضد الإنسان الفلسطيني، قاصدة قتله وتدميره نفسياً، ومحو آثاره وتراثه وطمس هويته وثقافته، حيث خططت إسرائيل لاقتلاع الإنسان الفلسطيني من أرضه وسرقة الجغرافيا والتاريخ والرواية والسردية التي ربطت الإنسان الفلسطيني بأرضه على مدار آلاف السنين.

وتابع: أن "إسرائيل التي تعمدت تدمير المنظومة الصحية عبر تدمير 32 مستشفى و53 مركزاً صحياً في قطاع غزة أخرجتها جميعاً عن الخدمة، وقصدت تدمير الاقتصاد الوطني الفلسطيني عبر تدمير معظم المصانع والمراكز الاقتصادية، أرادت أيضاً تدمير ثقافة وتراث الشعب الفلسطيني عبر التدمير الكلي أو الجزئي لـ404 مدراس وجامعات، و486 مسجداً و200 موقع أثري، بما فيها 12 متحفاً يحتوي على آثار الحضارة العربية في فلسطين".

وتساءل المالكي: "أي نوع من التقارير الذي قدمته إسرائيل حول التزامها بالتدابير المؤقتة التي أمرت بها محكمة العدل، وأي تضليل تضمنه ذلك التقرير، وكل العالم قد تابع مباشرة أن إسرائيل ارتكبت من بعد أمر المحكمة وحتى يومنا هذا أكثر من 584 مجزرة راح ضحيتها أكثر من 4600 شهيد وأكثر من 10800 جريح؟!"، منبها إلى أن إسرائيل مازالت تضرب أمر المحكمة ومعها 8 عقود من بناء المنظومة الدولية والقانون الدولي، بعرض الحائط، ومازالت مستمرة في ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية بكل صورها، فهي تستمر بمنع الولادات وتعريض أكثر من 60 ألف امرأة حامل في غزة لخطر الموت أثناء الولادة في ظروف غير صحية وغير آدمية. 

كما نبه إلى أن إسرائيل تستمر بذبح الأطفال والنساء على الهواء مباشرة حتى بلغت مذبحة الأطفال والنساء أكثر من 13400 طفل فلسطيني، ومعهم نحو 9 آلاف امرأة، ما يعني أن أكثر من 73% من ضحايا الإبادة الجماعية هم الأطفال والنساء، في محاولاتٍ ممنهجة للقضاء على أجيال الشعب الفلسطيني القادمة، بجريمة منظمة ممنهجة تمنع الولادات وتقتل المواليد، وذلك ضمن جريمة التطهير العرقي الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، والمستمرة على مدى 76 عاما.

واستطرد المالكي: "وبدلاً من أن يقوم مجلس الأمن بتولي مهمته في حفظ الأمن والسلم الدوليين، ويصدر قراراً ملزماً بوقف العدوان الإسرائيلي وإطلاق النار، تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بتعطيل دور مجلس الأمن من خلال "الفيتو الظالم" الذي استخدمته 3 مرات خلال فترة وجيزة، الأمر الذي منح إسرائيل الحماية وأعطها الفرصة الكاملة لترتكب جريمة الإبادة الجماعية لمدة 5 شهور متواصلة، في بث حي ومباشر عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي".

وحذر المالكي، من أن آلة الإبادة الجماعية تتجهز للانقضاض على رفح الفلسطينية التي تؤوي 1.65 مليون فلسطيني في مساحة تبلغ 20% فقط من إجمالي مساحة قطاع غزة، بقصد تنفيذ المخططات والنوايا الإسرائيلية بتهجيرهم قسرياً إلى خارج الأرض الفلسطينية، بعد أن تم دفعهم منهجياً للنزوح نحو أقصى جنوب قطاع غزة على مقربة من الحدود الفلسطينية المصرية بـ70 ألف طن من القنابل والذخائر المقدمة لإسرائيل من الدول الداعمة للإبادة الجماعية بشكل مباشر أو غير مباشر.

وأضاف: أن "ذلك لو حدث فإنه لن يشكل تهديداً للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة فحسب، بل سيمثل ضرراً بالغاً للأمن القومي العربي بمجمله، وسيدخل المنطقة في مراحل جديدة من الصراع وسيقضي على أي فرصة للسلام والأمن والاستقرار في المنطقة"، مشيرا إلى تصاعد الجرائم الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، بما في ذلك التدمير المنهجي لمخيمات اللاجئين الفلسطينيين وبنيتها التحتية بقصد إعادة تهجير وطمس قضيتهم، وكذلك الاقتحامات اليومية لعشرات المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية، وإرهاب المستوطنين الإسرائيليين وقتل مئات المدنيين الفلسطينيين وهدم منازلهم وحرق مزارعهم واعتقالهم وتعذيبهم وإخفائهم قسرياً.

ولفت إلى أن إسرائيل تقوم بحصار المسجد الأقصى المبارك، وتقويض حرية العبادة ومنع المصلين من الدخول إليه على مدار خمسة شهور متواصلة، ويترافق مع ذلك تصعيد حملات التهويد والاستيطان وهدم المنازل والتهجير القسري في مدينة القدس المحتلة.

وسلط المالكي، في كلمته، الضوء على قضية مهمة مرتبطة بحرب الإبادة الجماعية التي تقوم بها إسرائيل ضد كل مكونات القضية الفلسطينية، وهي حملة التحريض الممنهجة التي تمارسها إسرائيل ضد وكالة (الأونروا)، هذه الوكالة الأممية التي تعمل بموجب تفويض أممي متجدد يتضمن التزامات واضحة تجاه اللاجئين الفلسطينيين في جميع الدول المضيفة لهم. 

ونبه كذلك إلى أن هذه الحملة الممنهجة ليست جديدة، فلطالما سعت إسرائيل إلى تجفيف موارد (الأونروا) وإنهاء دورها وتفويضها، بغية القضاء على ما تمثله من قضية نحو ستة ملايين لاجئ فلسطيني، إضافة إلى أن إسرائيل قد وضعت (الأونروا) ومدارسها ومقراتها وموظفيها وكوادرها، كأهداف عسكرية لحربها العدوانية، فقد قامت بكيل الاتهامات الجزافية بالإرهاب لكوادرها دون تدقيق أو تحقيق، وأدى ذلك مع كل أسف إلى اتخاذ بعض الدول المساهمة في (الأونروا) لاتخاذ إجراءات لوقف تمويلها.

وطالب وزير الخارجية الفلسطيني، الدول التي اتخذت تلك الإجراءات بإعادة النظر فيها والتراجع عنها، ومحاسبة إسرائيل أولاً على الجرائم التي ارتكبتها بحق (الأونروا) ومؤسساتها وكوادرها في غزة، وثم التدقيق بالاتهامات الإسرائيلية وأهدافها وجذورها.

وقال "إن دولة فلسطين وشعبها الصامد المرابط على أرضه، تؤكد للقاصي والداني رفضها القاطع للمخططات الإسرائيلية وغير الإسرائيلية لما يُسمى باليوم التالي للعدوان الإسرائيلي"، مؤكدا أن قطاع غزة جزء لا يتجزأ من دولة فلسطين، وأن دولة فلسطين يجب أن تُمكن من تولي مسؤوليات الحكم في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، وهي أرض دولة فلسطين الموحدة وطنياً وسياسياً وجغرافياً.

وأضاف: "نحن جاهزون كجزء أصيل من المجتمع الدولي للقيام بالتزاماتنا نحو إحياء السلام والأمن والاستقرار في المنطقة في إطار رؤية سلام شاملة تقوم على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتجسيد استقلال دولة فلسطين على حدود 1967 وعاصمتها القدس وفق المرجعيات الدولية المعتمدة".

وشدد على أن لغة البيانات والشجب والإدانة التي دأبنا على استخدامها في جامعة الدول العربية على مدار عقود من عمر القضية الفلسطينية، أصبحت لغة صماء لا يفهمها العالم ولا تحسب إسرائيل لها أي حساب، وبالتالي لابد من تغيير تلك اللغة إلى إجراءات اقتصادية وقانونية وسياسية ودبلوماسية، تعطي جامعتنا الفعالية اللازمة ليفهم العالم رسالتنا ومصالحنا كما يجب.

وأشار إلى أن لجنة المندوبين الدائمين، برئاسة دولة الكويت الشقيقة، قدمت تقريراً تم تعميمه على الدول الأعضاء بتاريخ 30 يناير الماضي، اشتمل على "بنك" من الإجراءات التي يمكن للدول العربية القيام بها لوقف جريمة الإبادة الجماعية وردع مرتكبيها وداعميهم، وحماية مصالحنا العربية وأمننا القومي، داعيا لتبني تلك الإجراءات بقوة الإرادة العربية التي ننتظر جميعاً التسلح بها.

وأكد المالكي، في ختام كلمته، أنه رغم هذا المشهد الفظيع من الجريمة والألم والدم والتدمير والتهجير، فإن الشعب العربي الفلسطيني العظيم، صاحب الأرض والرواية والتراث والثقافة المتجذرة في أرض فلسطين لآلاف السنين، لن يُهزم أمام أعداء الإنسانية الواهمين المعتدين بوحشيتهم وعنصريتهم، والمدعومين بنفاق الدول التائبة من ذنب الاستعمار ومعاييرها المزدوجة، وستلد النساء الفلسطينيات مجدداً، أجيالاً من الأبطال على إيقاع الرواية الفلسطينية، يعيدون إعمار بلادهم ويجسدون عليها استقلال دولة فلسطين وعاصمتها القدس، ويمارسون فيها حريتهم وثقافتهم وإنسانيتهم، رغم أنف العدو.