اليابان | خيارات اليابان الاستراتيجية للتعامل مع سياسات إدارة ترامب

ألقت عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة الأمريكية بظلال من القلق على مستقبل التحالف الأمريكي الياباني، حيث يخشى كثيرون أن تؤدي سياساته المثيرة للجدل إلى تقلبات في واحدة من أكثر الشراكات الاستراتيجية حيوية في العالم. ومع ذلك، يرى السفير الياباني السابق لدى الولايات المتحدة، فوجيساكي إيتشيرو، أن المبالغة في التوقعات السلبية قد تضر أكثر مما تنفع. في ظل هذه التحولات السياسية، يدعو فوجيساكي اليابان إلى التحلي بالحكمة والاتزان لتجنب أزمات غير ضرورية، مؤكداً أن القوة الحقيقية تكمن في إدارة العلاقات بمهارة لمواجهة تحديات هذا العهد الجديد.

الانتخابات الرئاسية الأميركية: ”هدايا“ عيد الميلاد التي لا يمكن إرجاعها

في نهاية المطاف، لم يكن إعادة انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة أمرًا مفاجئًا، إذا ما نظرنا إلى العوامل التي تؤثر على اختيار الناخب الأمريكي. تتلخص هذه العوامل في ثلاثة معايير رئيسية: أولاً، هل يبدو المرشح كزعيم قوي؟ ثانيًا، هل يمتلك شخصية تجعل الناس يشعرون بالراحة والتقارب معه؟ ثالثًا، هل لديه خطط واقعية لتحسين حياة المواطنين؟

ورغم أن ترامب قد لا يكون الأفضل في تحقيق المعيار الثاني، إلا أنه أثبت قدرته على اجتياز المعيارين الأول والثالث بجدارة. خلال حملته الانتخابية، ركز ترامب على القضايا الاقتصادية والتضخم والهجرة غير الشرعية، مما جعله يثير مشاعر الحنين إلى فترته الرئاسية الأولى. كان خطابه الانتخابي مليئًا بالرسائل المباشرة للناخبين مثل: ”هل كان لدينا هذا التضخم المرتفع عندما كنت رئيسًا؟“ و”كنت صارمًا في منع دخول المهاجرين غير الشرعيين. ألم يكن الوضع أفضل من الآن؟“ هذه الرسائل استهدفت الناخبين المتأثرين سلبًا بالسياسات الحالية لإدارة بايدن.

على الجانب الآخر، واجهت نائبة الرئيس كامالا هاريس تحديات كبيرة. لم تنجح في إقناع الناس بقدرتها على القيادة القوية، وكان أداؤها الشخصي يبدو أقل إلهامًا وجاذبية مما يحتاجه فريقها الانتخابي. كما أن ارتباطها المباشر بالسياسات الاقتصادية للإدارة الحالية، التي واجهت انتقادات بشأن التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة، جعلها تبدو غير قادرة على تقديم تغيير حقيقي.

في البداية، بدت الانتخابات غير محسومة، خاصة مع تقدم هاريس في استطلاعات الولايات المتأرجحة. ولكن الأيام العشرة الأخيرة قبل الانتخابات شهدت تحولًا كبيرًا في تلك الولايات لصالح ترامب، مما جعله يبدو المرشح الأكثر احتمالًا للفوز.

الانتخابات الرئاسية الأمريكية، كما يقول البعض، تشبه فتح هدية عيد الميلاد. قد لا تكون الهدية التي تمنيتها، ولكنك بحاجة إلى تقبلها والتكيف مع الوضع الجديد. وبالنسبة للأمريكيين والعالم، علينا الآن أن نتعامل مع حقبة ترامب الثانية بأفضل ما نستطيع، وأن نعمل معًا لاستغلال الموقف لتحقيق الأفضل.

مراقبة الوضع عن كثب

تثير عودة إدارة ترامب للسلطة مرة أخرى مخاوف لدى بعض الأوساط الدبلوماسية اليابانية، خاصة في ظل سمعة ترامب كرجل مفاوض شرس يفضل الصفقات ويستغل نقاط الضعف. ومع ذلك، تحتاج طوكيو إلى التعامل مع هذا الواقع بأسلوب استراتيجي يحمي مصالحها ويعزز شراكتها مع واشنطن.

تمامًا كما في لعبة البوكر، يجب على اليابان أن تبقى هادئة وتلعب بأفضل أوراقها، حتى إن بدت الظروف غير مواتية. من الضروري أن يتبنى القادة اليابانيون موقفًا واثقًا وصريحًا، يُظهر استقلالية في القرارات الوطنية. رئيس الوزراء السابق شينزو آبي قدّم نموذجًا ناجحًا في التعامل مع ترامب من خلال إقامة علاقة شخصية قوية معه، بما في ذلك جلسات لعب الجولف، وتوضيح دور اليابان الاقتصادي في الولايات المتحدة بشكل متكرر، مما ساعد في ترسيخ فكرة مساهمة اليابان في الاقتصاد الأمريكي في ذهن ترامب. كما استفاد آبي من قانون السلام والأمن لعام 2015 لتعزيز التحالف الدفاعي، مما قلّل من انتقادات ترامب حول ”الرحلة المجانية“ التي تحصل عليها اليابان.

تابع رئيس الوزراء السابق كيشيدا فوميئو هذه السياسة الدفاعية بنهج قوي، حيث تعهد بمضاعفة الإنفاق الدفاعي بحلول عام 2027، وشراء صواريخ توماهوك، وإنشاء قيادة مشتركة لقوة الدفاع الذاتي لتعزيز التنسيق مع الجيش الأمريكي. هذا الالتزام يجب أن يُستمر مع رئيس الوزراء الحالي، إيشيبا شيغيرو، لضمان بقاء اليابان شريكًا يعتمد عليه في التحالف الأمريكي-الياباني. إذا أثيرت انتقادات من إدارة ترامب بشأن عدم مشاركة اليابان بعبء التحالف، ينبغي على إيشيبا تقديم أمثلة ملموسة على التزامات اليابان الدفاعية والاقتصادية.

أما في الجانب الاقتصادي، فيمكن لليابان التركيز على الحقائق التي تظهر عمق التداخل الاقتصادي بين البلدين. على سبيل المثال، تنتج الشركات اليابانية في الولايات المتحدة حوالي 2.8 مليون سيارة سنويًا، وهو رقم يفوق بكثير السيارات المستوردة من اليابان مباشرة. حتى مع إضافة السيارات المصنعة في المكسيك والمصدرة إلى السوق الأمريكية، تبقى الشركات اليابانية مستثمرة بعمق في الاقتصاد الأمريكي. ومع ذلك، قد تفرض سياسات ترامب التجارية وزيادة الرسوم الجمركية تحديات جديدة، خصوصًا على الإنتاج في المكسيك. في هذه الحالة، تحتاج الشركات اليابانية إلى التكيف بسرعة وإعادة توجيه استراتيجياتها لتقليل الأثر المحتمل.

في النهاية، المفتاح لنجاح اليابان في التعامل مع إدارة ترامب الجديدة هو الحفاظ على موقف قوي وثقة في التحالف مع الولايات المتحدة، مع تقديم الأدلة على التزامها المستمر بمساهمات دفاعية واقتصادية ذات مغزى.

يجب على اليابان أن تثق في زيلينسكي

إن إعادة انتخاب دونالد ترامب قد تترك تداعيات جيوسياسية واسعة النطاق، خصوصًا فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا. تصريحاته بأنه يستطيع إنهاء الحرب في غضون 24 ساعة أثارت العديد من التساؤلات حول استراتيجيته المحتملة، خاصة مع ميله الواضح إلى التفاهم مع الزعيم الروسي فلاديمير بوتين. إذا تحقق هذا السيناريو، فقد يعتمد ترامب على تسوية عبر تقديم تنازلات لروسيا، مثل الضغط على أوكرانيا للتنازل عن منطقة دونباس وغيرها من المناطق. مثل هذه الخطوة، التي اقترحها نائب الرئيس المحتمل جيه دي فانس سابقًا، قد تُعتبر انتصارًا واضحًا لروسيا.

ومع ذلك، يبقى القرار النهائي بشأن قبول أو رفض هذه التسوية في يد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. إذا انسحبت الولايات المتحدة من دورها الداعم الرئيسي، سواء في التمويل أو تسليح أوكرانيا، فمن المرجح أن تتبع دول الناتو الأخرى هذا الاتجاه. في هذه الحالة، قد يجد زيلينسكي نفسه مضطرًا للنظر في حل وسط يحفظ ماء وجهه، مثل الموافقة على وقف إطلاق النار دون الاعتراف رسميًا بسيطرة روسيا على الأراضي المحتلة. سيسمح هذا لأوكرانيا بالاحتفاظ بمطالبها بتلك المناطق للمستقبل، بينما قد تراه روسيا انتصارًا غير رسمي.

بالطبع، قد لا يكون دعم مثل هذه التسوية سابقة جيدة بالنسبة لليابان، خصوصًا فيما يتعلق بقضية الأقاليم الشمالية المتنازع عليها بين اليابان وروسيا. سيكون من غير المقبول أن يسمح المجتمع الدولي لروسيا، وهي عضو في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بانتهاك المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة، التي تؤكد على مبدأ عدم استخدام القوة، مثل غزو دولة مجاورة والاستفادة من ذلك بشكل صارخ. ومع ذلك، إذا رأى الرئيس زيلينسكي أن التسوية أمر لا مفر منه، فلن تكون اليابان في وضع يسمح لها بالاعتراض بالقول: ”لا، حاول بجدية أكبر!“، خصوصًا في ظل نزاعها الإقليمي القائم مع روسيا.

هذا لا يعني أن اليابان يجب أن تخضع بشكل أعمى لإملاءات الولايات المتحدة أو أي قوة عظمى أخرى. فكما أظهرت مواقفها السابقة في حالات مثل ميانمار وإيران، أثبتت اليابان قدرتها على انتهاج سياسة خارجية مستقلة ترتكز على مصالحها ومبادئها الوطنية. لم تكن اليابان، ولا ينبغي أن تكون، تحت رحمة الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن التمسك بموقف مضاد لكل ما تقترحه القوى الكبرى، دون الأخذ في الاعتبار التطورات الجديدة والمصالح الوطنية، لن يؤدي إلى نتائج مثمرة.

لا تعطوا النصائح للرئيس ترامب

خلال فترة ولاية الرئيس دونالد ترامب الأولى، واجهت العديد من الدول الغربية صعوبة في التعامل مع أسلوبه غير التقليدي في الحكم. فمثلاً، حاولت شخصيات قيادية مثل رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو توجيه رسائل علنية لترامب حول القيم الديمقراطية وآلياتها. ومع ذلك، قابل ترامب هذه المحاولات بتجاهل واستهزاء، مؤكدًا على مكانته كرئيس للولايات المتحدة بأسلوب يعكس رفضًا لأي انتقاد خارجي.

على النقيض من ذلك، تبنى رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي نهجًا مختلفًا تمامًا، حيث امتنع عن تقديم مواعظ أو رسائل توجيهية لترامب. أدرك آبي أن مثل هذه التكتيكات لن تجدي نفعًا مع شخصية ترامب، وبدلاً من ذلك، ركز على بناء علاقة شخصية قوية معه، مستندًا إلى الدبلوماسية الهادئة والمصالح المشتركة. يبدو أن القادة اليابانيين سيستمرون في اتباع هذا النهج، مع وعيهم بأن التعامل مع إدارة ترامب أو أي رئيس أمريكي منتخب يتطلب واقعية سياسية بدلاً من اللوم أو التحسر

ومن حسن حظ اليابان، أن السيناتور بيل هاجرتي، الذي شغل منصب سفير الولايات المتحدة في اليابان بين 2017 و2019، يتمتع بثقل كبير داخل الحزب الجمهوري. هاجرتي، الذي كان على دراية وثيقة بدوائر صنع القرار في إدارة ترامب، أصبح صديقًا مقرّبًا لليابان خلال فترة عمله في طوكيو. هذا المستوى من العلاقة الشخصية لم يكن متاحًا بنفس الشكل مع قادة غربيين آخرين في إدارة ترامب الأولى.

لذلك، مع عودة ترامب إلى السلطة أو استمر تأثيره على الساحة السياسية، يمكن لإدارة إيشيبا (أو أي حكومة يابانية مستقبلية) أن تبني على العلاقة التي طورها هاجرتي مع اليابان. من خلال التواصل الاستباقي معه وتعزيز شبكة الاتصالات السياسية مع الحزب الجمهوري، يمكن لليابان أن تتكيف بفعالية مع الظروف السياسية المتغيرة، وتحافظ على علاقاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة.

(المقال مبني على مقابلة مع كوغا كو من Nippon.com ونُشر في الأصل باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان الرئيسي: أنصار ترامب يبتهجون بعد إعادة انتخابه رئيسًا للولايات المتحدة، بالقرب من ديترويت، ميشيغان. © ديفيد جورالنيك/ديترويت نيوز/كيودو)

كانت هذه تفاصيل خبر اليابان | خيارات اليابان الاستراتيجية للتعامل مع سياسات إدارة ترامب لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.

كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على نيبون وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.

أخبار متعلقة :