اليابان | المعادلة الصعبة.. كيف يمكن لليابان أن تحسّن علاقاتها مع الصين دون التأثير سلباً على تحالفها مع الولايات المتحدة؟

رغم وجود خلافات عميقة بين كل من اليابان وكوريا الجنوبية والصين، إلا أن أياً من تلك الدول لا تدخر جهداً لحل المسائل العالقة وإزالة أسباب التوتر فيما بينها إعلاءً لمصالح شعوبها. وتعد القمة الثلاثية بين الدول الثلاث أحد أهم قنوات الاتصال التي تتيح لكل الأطراف مناقشة القضايا الخلافية والعمل على حلها لتحقيق السلام والأمن في المنطقة بأسرها.

الطريق نحو تحسين العلاقات ليس مفروشاً بالورود

تأسست القمة الثلاثية بين كوريا الجنوبية واليابان والصين في عام 2008 كإطار للتعاون وتبادل المنفعة بين الدول الثلاث. وبدعم من أمانة التعاون الثلاثي التي أنشئت في عام 2011، كان من المفترض أن تعقد الاجتماعات بين قادة الدول الثلاث بشكل سنوي. لكن في عام 2018 تقريبًا، تراجعت العلاقات بين اليابان وكوريا الجنوبية إلى أدنى مستوياتها بعد الحرب وسط التوترات القائمة حول عدة قضايا مثل قضية نساء المتعة والعمل القسري في زمن الحرب. في ديسمبر/ كانون الأول 2019، عُقدت القمة الأخيرة في تشنغدو، الصين، مباشرة قبل تفشي جائحة . ورغم انحسار الجائحة بشكل كبير، إلا أن كل الأطراف لا تزال لا تبدي ما يكفي من الإرادة السياسية لاستئناف الاجتماعات.

في القمة الأولى التي تم عقدها منذ نصف عقد من الزمان، كان رئيس الوزراء الياباني كيشيدا فوميئو، ورئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ، والرئيس الكوري يون سوك يول، حريصين على التأكيد على الحاجة إلى ”تعاون وثيق موجه نحو المستقبل“ وعقدوا الآمال على إحياء العملية السياسية الثلاثية. كما كان الزعماء الثلاثة حريصين أيضاً على إظهار رغبتهم في إقامة علاقات بنّاءة أمام مواطنيهم والمراقبين الإقليميين على حد سواء.

بالإضافة إلى عقد اجتماعات منتظمة لتعزيز ”إضفاء الطابع المؤسسي“ على التعاون الثلاثي، حدد الإعلان المشترك للقمة أيضا ستة مجالات رئيسية لتعزيز التعاون، بما في ذلك ”التنمية المستدامة من خلال الاستجابة لتغير المناخ“ و”التبادلات الشعبية“. وفيما يتعلق بالأخير، يشير الإعلان المشترك إلى طموح القادة لزيادة ”التبادلات الشعبية بين الدول الثلاث إلى 40 مليونًا بحلول عام 2030 من خلال تعزيز عمليات التبادل الثقافي والسياحي والتعليمي“.

كما اتفق القادة الثلاثة أيضًا على إجراء مناقشات لتسريع المفاوضات بشأن ”اتفاقية التجارة الحرة الثلاثية“ من أجل تأسيس اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة التي دخلت حيز التنفيذ في عام 2022. جدير بالذكر، أن الناتج المحلي الإجمالي للدول الثلاث يمثل حاليًا أكثر من 20% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. ونظراً لما تواجهه الصين حالياً من مشاكل اقتصادية، فهي ترى طوق نجاة في توسيع التجارة مع اليابان وكوريا الجنوبية من خلال التوصل إلى اتفاق مبكر بشأن ”اتفاقية تجارة حرة وعادلة وشاملة وعالية الجودة تعود بالفائدة على كل الأطراف“.

في اليوم السابق للقمة الثلاثية، عقدت الصين وكوريا الجنوبية قمتهما الثنائية وأعلنتا عن مبادرات جديدة، حيث ضمن رئيس مجلس الدولة ”لي“ اتفاقاً لإقامة حوار دبلوماسي وأمني بين كوريا الجنوبية والصين، واتفق الجانبان على إجراء حوار بشأن مراقبة الصادرات بين كوريا الجنوبية والصين ليكون بمثابة قناة اتصال تهدف إلى تعزيز التعاون في سلسلة التوريد. كما اتفقت سيول وبكين على استئناف المفاوضات بشأن المرحلة الثانية من اتفاقية التجارة الحرة الثنائية للبناء على الاتفاقية الأصلية التي دخلت حيز التنفيذ في عام 2015. ويمثل هذا محاولة جريئة من جانب بكين لاستمالة كوريا الجنوبية إلى صفها وإبعادها عن تحالفها القوي القائم حالياً مع اليابان والولايات المتحدة بشأن القضايا الجيوسياسية.

التحولات الإقليمية تلقي بظلالها على القمة الثلاثية

كبيرة هي التغيرات التي طرأت على البيئة الأمنية الإقليمية والعالمية منذ القمة الثلاثية الأخيرة. فبالإضافة إلى حرب أوكرانيا والبرامج النووية والصاروخية المعززة لكوريا الشمالية، كان لتنصيب إدارة يون في كوريا الجنوبية في مايو/ أيار 2022 تأثير كبير.

على سبيل المثال، في القمة الثلاثية التاريخية بين اليابان والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية التي عقدت في كامب ديفيد في أغسطس/ آب 2023، وعد زعماء الدول الثلاث ”بتعزيز التنسيق الاستراتيجي“ بين التحالفات القائمة بين كل من الولايات المتحدة واليابان والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية. ويشكل هذا قطيعة دراماتيكية مع سياسة الإدارات السابقة لكوريا الجنوبية والتي كانت تميل نحو بكين في معالجة القضايا المتعلقة بكوريا الشمالية. علاوة على ذلك، فقد كانت طريقة الرئيس يون في التعامل مع قضية العمل القسري في زمن الحرب سبباً في تدهور العلاقات بين سيول وطوكيو في عام 2018. لكن مع تركيز سيول بشكل متزايد على ”الردع ضد الصين“ في سياستها الأمنية، وضع الرئيس يون الأساس لسياسة دراماتيكية تهدف إلى تحسين العلاقات بين اليابان وكوريا الجنوبية.

وعلى النقيض من ذلك، لم يكن من غير المألوف في العلاقات الثلاثية في الماضي أن نرى الصين وكوريا الجنوبية تتعاونان للضغط على اليابان دبلوماسياً. فعلى سبيل المثال، انضمت بكين إلى سيول في إدانة نهج طوكيو في التعامل مع قضية نساء المتعة والعمل القسري في زمن الحرب. ويظهر تحسن العلاقة بين طوكيو وسيول واضحاً في الكتاب الأزرق للدبلوماسية اليابانية لعام 2024 (التقرير السنوي بشأن السياسات الخارجية لليابان)، والذي وصف كوريا الجنوبية لأول مرة منذ 14 عاما بأنها ”جارة مهمة ينبغي لليابان أن تتعاون معها كشريك“. وفي مجال الأمن على الأقل، أدى نهج الرئيس يون إلى تغيير كبير في ديناميكية العلاقات الثنائية.

معضلة كوريا الشمالية

تعد قضية كوريا الشمالية رمزاً للديناميكيات الأمنية المتغيرة، ففي صباح يوم انعقاد القمة الثلاثية، أعلنت كوريا الشمالية فجأة عن إطلاق ”قمر صناعي“. ورغم أن عملية الإطلاق انتهت بالفشل، إلا أنه كان من الواضح أن بيونغ يانغ أرادت مقاطعة القمة وفي نفس الوقت إدراج نفسها على جدول أعمالها.

سرعان ما أدان رئيس الوزراء كيشيدا والرئيس يون عملية الإطلاق ووصفاها بأنها ”انتهاك“ لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. إلا أن رئيس مجلس الدولة ”لي“ رفض حتى ذكر عملية الإطلاق، قائلاً ببساطة إن المجتمع الدولي يجب أن يتجنب الانقسام إلى ”معسكرات“. وقد أشار الإعلان المشترك الناتج عن ذلك إلى أهمية السلام في شبه الجزيرة الكورية، ولكن من المخيب للآمال أنه ذهب إلى حد القول بأن كل جانب ”كرر مواقفه بشأن السلام والاستقرار الإقليميين“، وهو ما يتناقض بشكل صارخ مع القمة الثلاثية لعام 2019، حيث أكد البيان المشترك على أهمية ”نزع السلاح النووي بالكامل وإحلال السلام الدائم في شبه الجزيرة الكورية“ وفقًا لقرارات الأمم المتحدة.

وبينما تمضي كوريا الشمالية قدما في برامجها النووية والصاروخية، فإنها تعمل أيضا على تعميق تعاونها العسكري مع روسيا. ففي الصيف الماضي، قدمت كوريا الشمالية صواريخ وذخيرة لروسيا، استخدمتها الأخيرة لاحقا في غزو أوكرانيا. وهذا دليل واضح على أن التأثير الجيوسياسي المدمر والخطير لكوريا الشمالية يتوسع بشكل متزايد إلى ما هو أبعد من شرق آسيا. وبما أن بكين تتمتع بقدر من النفوذ في بيونغ يانغ، فإن هذا التطور يمكن أن يؤثر سلباً على سمعة الصين الدولية كقوة مسؤولة ما لم يتم إيجاد طريقة ما لكبح جماح كوريا الشمالية.

نتائج الاجتماعات دون المتوقع

كما أجرى رئيس الوزراء كيشيدا محادثات ثنائية مع رئيس مجلس الدولة ”لي“ على هامش القمة الثلاثية. ومع ذلك، لم يتم إحراز أي تقدم ملحوظ بشأن ”القضايا الثنائية المثيرة للقلق“ في العلاقات اليابانية الصينية، مثل الحظر المفروض على المنتجات البحرية اليابانية بعد قيام اليابان بتصريف المياه المعالجة بنظام معالجة السوائل المتقدم (ALPS) من محطة فوكوشيما دايتشي للطاقة النووية التابعة لشركة طوكيو للطاقة الكهربائية TEPCO. كما رفضت الصين التزحزح عن موقفها من عدة قضايا مثل الإزالة الفورية للعوامة الموضوعة في المنطقة الاقتصادية الخالصة لليابان بالقرب من جزر سينكاكو، والإفراج المبكر عن المواطنين اليابانيين المحتجزين في الصين.

ورغم أن القمة الثلاثية بدت وكأنها تبشر باستئناف ”العملية الثلاثية“، إلا أنها فشلت في نهاية المطاف في إزالة الانقسامات الرئيسية بشأن القضايا الأمنية والجيوسياسية، حيث أشارت بعض وسائل الإعلام إلى ”تأثير كامب ديفيد“ باعتبارها غيّرت ديناميكيات القمة الثلاثية مقارنة بعام 2019. ويبدو أن التعاون الوثيق بين الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية، سواء على المستوى الثنائي أو في صيغته الثلاثية الخاصة، يؤثر كثيراً على بكين.

تراقب الصين عن كثب الانتخابات الرئاسية الأمريكية المزمع عقدها الخريف القادم باحثةً عن أي فرصة لدق إسفين دبلوماسي بين الدول الثلاث لعرقلة التعاون فيما بينها. ومع تولي اليابان رئاسة القمة الثلاثية المقبلة، تواجه طوكيو معركة شاقة لبناء ”علاقة متبادلة المنفعة مبنية على المصالح الاستراتيجية المشتركة“ مع بكين دون الإخلال بسعيها الدائم إلى تعميق التعاون مع سيول وواشنطن.

(نشر النص الأصلي باللغة اليابانية بتاريخ 31 مايو/أيار 2024، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: من اليسار، رئيس الوزراء كيشيدا فوميئو، ورئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول، ورئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ يحضرون مؤتمرا صحفيا مشتركا في البيت الأزرق، أو تشيونغ وا داي، في سيول، كوريا الجنوبية، في 27 مايو/ أيار 2024. © جيجي برس)

كانت هذه تفاصيل خبر اليابان | المعادلة الصعبة.. كيف يمكن لليابان أن تحسّن علاقاتها مع الصين دون التأثير سلباً على تحالفها مع الولايات المتحدة؟ لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.

كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على نيبون وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.

أخبار متعلقة :