لقد شهد القرن الحادي والعشرون ظهور قوتين عظمتين يزيد تعداد سكانهما عن مليار نسمة هما الصين والهند. ورغم التنافس القائم بينهما في العديد من القضايا الجيوسياسية، إلا أنهما تفاجئان العالم بتشكيل جبهة موحدة في عدة محافل دولية كما حدث في قمة المناخ عام 2021. ويرى الكثير من المحللين أن التوافق بين البلدين يبشر بإعادة تشكيل ميزان القوى العالمية.
صعود عملاقين عالميين
ربما كان التطور الأكبر في الجغرافيا السياسية العالمية خلال القرن الحادي والعشرين هو بزوغ فجر الصين والهند. في عام 2023، أصبحت الهند أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان حيث يبلغ عدد سكانها 1.429 مليار نسمة، متجاوزة الصين التي يبلغ عدد سكانها 1.426 مليار نسمة، وبهذا يمثل البلدان معًا حوالي 35% من سكان العالم.
كما شهد كلا البلدين نمواً اقتصادياً كبيراً خلال القرن الحالي. وقد شهدت الصين النجاح الأكثر استمراراً، والذي يعود تاريخه إلى سياسات ”الإصلاح والانفتاح“ التي انتهجتها في أواخر السبعينيات. وبفضل انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2002، تمكنت الصين من تجاوز اليابان في عام 2010 لتصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد عامين فقط من استضافة الألعاب الأوليمبية الصيفية في عام 2008. أما الهند فقد بدأت في تحرير اقتصادها في عام 1991 متأخرة إلى حد ما عن الصين، لكن بحلول منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين بدأت أيضًا تتمتع بمعدلات نمو اقتصادي عالية، كما أصبحت خامس أكبر اقتصاد في العالم في عام 2022.
وبناءً على هذا النمو الاقتصادي والتحديث، عززت الدولتان أيضًا قوتهما العسكرية. فمن حيث الإنفاق العسكري، يصنف معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، الصين في المرتبة الثانية (بإنفاق يصل إلى حوالي 292 مليار دولار) والهند في المرتبة الرابعة (بإنفاق يصل إلى حوالي 81 مليار دولار)، وذلك اعتبارا من عام 2022.
وسوف يشكل صعود الهند والصين في حد ذاته قصتين مهمتين. وهنا يجب أيضًا النظر في العلاقة بين هاتين القوتين الناشئتين وانعكاساتها على الجغرافيا السياسية العالمية. فمن المؤكد أن العلاقات الثنائية شابتها التوترات الحدودية والتنافس على النفوذ في وسط وجنوب آسيا، ولكن العلاقة تنطوي على ما هو أكثر من المواجهة. فيما يلي، سنلقي نظرة على تاريخ العلاقات الهندية الصينية والتأثير الذي يمكن أن تحدثه هذه العلاقة على الشؤون العالمية مستقبلاً.
تعميق التعاون الاقتصادي رغم التوترات الحدودية
في أعقاب الحرب العالمية الثانية، حصلت الهند على استقلالها عن بريطانيا في عام 1947، في حين أنشأ الحزب الشيوعي الصيني جمهورية الصين الشعبية في عام 1949. وفي البداية أقامت الهند والصين علاقات ودية وتطلعية تقوم على رؤية التضامن مع الدول الأخرى في إنهاء الاستعمار في كل من آسيا وأفريقيا، إلا أن هذا التفاؤل لم يدم طويلا.
حيث توترت العلاقات في أعقاب انتفاضة التبت في عام 1959، عندما منح الزعماء الهنود الدالاي لاما الرابع عشر حق اللجوء إلى الهند، حيث أسس هناك حكومة الظل التبتية. وبعد ثلاث سنوات، فوجئت نيودلهي بضم الصين للأراضي المتنازع عليها في شمال شرق الهند بشكل مفاجئ، مما أدى إلى هزيمة عسكرية للهند. بعد ذلك ظلت العلاقات الثنائية باردة طوال الفترة المتبقية من الحرب الباردة.
ومع انتهاء الحرب الباردة في الثمانينيات، استؤنفت محادثات الحدود على المستوى الإداري. ثم قام رئيس الوزراء راجيف غاندي بزيارة الصين في عام 1988، في أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء هندي منذ 34 عامًا. وكانت هذه التطورات هي الأساس للتقدم الذي تم إحرازه في قضايا الحدود والتحسن العام في العلاقات خلال التسعينيات. لكن الهند انحرفت عن هذا المسار مؤقتاً عندما أجرت تجربة نووية في عام 1998، واستشهد رئيس الوزراء أتال بيهاري فاجبايي بالصين باعتبارها تهديداً في رسالة بعث بها إلى الرئيس الأميركي بيل كلينتون. ولكن في عام 2003 قام رئيس الوزراء فاجبايي بزيارة الصين، ولاحت في الأفق بوادر التسوية مع تعيين ممثل خاص رفيع المستوى لمناقشة القضايا الحدودية. تلا ذلك اعتراف الصين بحيازة الهند الفعلية لمنطقة سيكيم، في حين اعترفت الهند بأن منطقة التبت ذاتية الحكم تشكل جزءاً أصيلاً من الأراضي الصينية. وقد أدى هذا إلى وضع الأساس ”للشراكة التعاونية الاستراتيجية من أجل السلام والرخاء“ بين بكين ونيودلهي، والتي تم الإعلان عنها أثناء زيارة رئيس مجلس الدولة الصيني ون جيا باو للهند في عام 2005.
رغم ذلك، بدأت القوات الصينية بالتوغل في الأراضي التي تسيطر عليها الهند في عام 2008 وتم نشر ذلك على نطاق واسع في وسائل الإعلام الهندية، ووقعت مواجهة عسكرية في عام 2013، مما أدى إلى إشعال شعور بالحذر تجاه الصين. بعد تنصيبه رئيسا لوزراء الهند، دعا ناريندرا مودي الرئيس الصيني شي جينبينغ لزيارة الهند في عام 2014 ، واتفق الزعيمان الجديدان على تعزيز العلاقات الثنائية، إلا أن المواجهات تواصلت بين الجيشين في المناطق الحدودية. وفي عام 2017، وقعت مواجهة دوكلام في بوتان بين الجيشين عندما حاولت القوات الصينية بناء طريق في الأراضي التي تطالب بها بوتان. ثم اندلع الصراع في عام 2020 في وادي غالوان في منطقة لداخ شمال غرب الهند عندما اعترضت الصين على أنشطة بناء الطرق التي تقوم بها الهند على طول خط السيطرة الفعلية، وأسفرت الاشتباكات المسلحة عن مقتل جنديين.
لكن هذه التوترات الحدودية لم تؤثر سلباً على العلاقات الاقتصادية بين الصين والهند، فقد تضاعف إجمالي حجم التجارة الثنائية ثلاث مرات في غضون 15 عاما، من 38 مليار دولار في عام 2007 إلى 113.8 مليار دولار في عام 2022. ومنذ عام 2013، نجحت الصين في الوقوف على قدم المساواة مع الولايات المتحدة باعتبارها أكبر شريك تجاري للهند.
ومع ذلك، فإن هذه العلاقة الاقتصادية تعد أحادية الجانب إلى حد ما، حيث تستورد الهند من جمهورية الصين الشعبية أكثر مما تصدره. كما اتسع العجز التجاري بنفس معدل نمو التجارة الكلية. وردا على ذلك، فرضت الهند قيودا على الشركات الصينية الراغبة في الاستثمار. كما حظرت تطبيق TikTok وتطبيقات الهواتف الذكية الصينية الأخرى بسبب مخاوف أمنية.
البيئة الجيوسياسية في الهند والصين
إن مخاوف نيودلهي تمتد إلى ما هو أبعد من النفوذ الاقتصادي الصيني على الهند: فقد أدى نفوذ الصين المتزايد في جنوب آسيا ومنطقة المحيط الهندي إلى إثارة الشكوك حول الدوافع الجيوسياسية للصين. فعلى سبيل المثال، تمثل مبادرة الحزام والطريق التي أعلن عنها شي جينبينغ في عام 2013 رؤية الصين للتنمية الإقليمية القائمة على التعاون المالي وتنفيذ مشاريع البنية التحتية واسعة النطاق في البلدان المحيطة بالهند. ولعل أكثر ما يثير قلق نيودلهي هو تعاون الصين مع باكستان. لقد خاضت باكستان والهند ثلاثة حروب منذ الاستقلال، لكن بكين اقتربت بشكل متزايد من إسلام أباد من خلال تنفيذ الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني. ويربط الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني منطقة شينجيانغ الأويغورية ذاتية الحكم في الصين مع مدينة جوادار الساحلية المطلة على بحر العرب، كما يمر عبر منطقة كشمير الخاضعة لسيطرة باكستان، والتي تطالب الهند بالسيادة عليها.
وللهند أيضًا مبادراتها التنموية الإقليمية الخاصة بها. حيث عقدت مبادرة خليج البنغال للتعاون الفني والاقتصادي المتعدد القطاعات قمتها الأولى في عام 2004، وهي تضم الآن بنجلاديش، وبوتان، والهند، وميانمار، ونيبال، وسريلانكا، وتايلاند. كما عقدت رابطة حافة المحيط الهندي، التي تضم 23 دولة ساحلية على المحيط الهندي من جنوب أفريقيا إلى أستراليا، قمتها الأولى في عام 2017. ومع ذلك، لم تجد نيودلهي البيئة الجيوسياسية الإقليمية مواتية على الدوام.
على سبيل المثال، كانت سياسة ”التوجه نحو الشرق“ التي تنتهجها الهند تهدف إلى تعميق العلاقات الاقتصادية مع جنوب شرق آسيا من خلال البنية الأساسية للاتصال، لكن انقلاب ميانمار عام 2021 أجبرها على إعادة التفكير في هذه السياسة رغم أن الميناء المدعوم من اليابان في ماتاباري – وهو أول ميناء بحري عميق في بنجلاديش - يجذب الآن انتباه نيودلهي. وإلى الغرب من الهند، كانت هناك خطة واعدة من شأنها تسهيل وصول الهند إلى أفغانستان وآسيا الوسطى وتجاوز باكستان، وكانت الخطة تنطوي على تطوير ممر نقل متعدد الوسائط يركز على ميناء تشابهار في شرق إيران (بالقرب من ميناء جوادار في باكستان). وبينما بدأ الميناء في استقبال البضائع الهندية في عام 2017، تعيد إيران والهند الآن التفاوض بشأن مشروع الاتصال الأوسع بسبب عودة نظام طالبان إلى السلطة في عام 2021.
في الوقت نفسه، لم تهمل الهند علاقاتها مع القوى العظمى التقليدية. وقد تسارع التعاون الاستراتيجي بين الهند ودول ”الرباعية“ الأخرى، وهي اليابان والولايات المتحدة وأستراليا، منذ عام 2017. كما أعربت الهند عن دعمها لرؤية منطقة المحيطين الهندي والهادئ الحرة والمفتوحة التي اقترحتها اليابان وتبنتها العديد من الدول الأخرى في المنطقة لمواجهة الإصرار الصيني.
تعاون بنّاء في المحافل الدولية
وعلى الرغم من كل هذه المناورات الجيوسياسية والتوترات الثنائية، لم تنقطع العلاقات بين نيودلهي والصين مطلقاً، حيث تظل الهند عضوًا ملتزمًا في الأطر الإقليمية والعالمية متعددة الأطراف التي تقودها بكين. وفي عام 2005، أصبحت الهند عضوا مراقبا في منظمة شنغهاي للتعاون، التي تضم روسيا والصين ودول آسيا الوسطى. (أصبحت عضوا كامل العضوية في منظمة شنغهاي للتعاون في عام 2017)، كما انضمت الهند إلى الصين في المنظمة الحكومية الدولية لمجموعة البريكس التي بدأت في عقد مؤتمرات القمة في عام 2009. وكانت الهند أيضا عضوا مؤسسا للبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية الذي تأسس في عام 2015.
وعلى مستوى الحوكمة العالمية أيضاً، تتميز العلاقات الصينية الهندية بمزيج من المنافسة والتعاون. على سبيل المثال، تريد الهند الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وفي حين تدعم الولايات المتحدة وروسيا والمملكة المتحدة وفرنسا موقف نيودلهي، أحجمت الصين عن دعمها. يتمتع الأعضاء الدائمون الحاليون في مجلس الأمن الدولي بحق النقض على جميع المقترحات، وإذا أصبحت الهند أو الدول الكبرى الأخرى مثل البرازيل واليابان وألمانيا أعضاء دائمين، فمن المرجح أن يتم إجراء إصلاحات جذرية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وهذا من شأنه أن يضعف الامتيازات المؤسسية التي تتمتع بها الصين ونفوذها النسبي في الأمم المتحدة.
نظراً لهذه الظروف، فإن تركيز الهند على مجموعة العشرين وما بذلته من مجهودات غير عادية لرئاستها في عام 2023 أمر جدير بالملاحظة. فهو يعكس تصميم الهند على تقديم نوع معين من قيمة القيادة العالمية، على سبيل المثال، الهند قادرة على الانخراط بشكل بناء مع كل من البلدان المتقدمة الكبرى والاقتصادات الناشئة والجمع بينهما.
تقليديا، نصّبت الصين نفسها زعيماً ”للجنوب العالمي“ للاقتصادات النامية والناشئة غير الغربية. ومع ذلك، استضافت الهند ”قمة صوت الجنوب العالمي“ الافتراضية في يناير/كانون الثاني 2023. وبما أن الهند كانت رئيسة مجموعة العشرين في عام 2023 واستضافت نيودلهي القمة، فقد وضعت الحكومة الهندية نفسها كقناة موصّلة لأصوات دول الجنوب العالمي من أجل أخذها في الاعتبار في إجراءات مجموعة العشرين. وفي قمة سبتمبر/ أيلول، اقترحت الهند انضمام الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين ونجحت في تحقيق ذلك، بالإضافة إلى صياغة الإعلان المشترك لمجموعة العشرين الذي يعكس اهتمامات الجنوب العالمي بشأن قضايا الغذاء والطاقة. ثم عقدت الهند قمة افتراضية ثانية لقمة الجنوب العالمي في نوفمبر/ تشرين الثاني.
على الرغم من أن الصين لم تعقد قمة مماثلة، فقد حضر رئيس مجلس الدولة لي تشيانج قمة ”مجموعة الـ 77 + الصين“ في كوبا في أعقاب قمة مجموعة العشرين مباشرة. وهنا أكد الجانب الصيني على إنجازاته السابقة في مجال التعاون التنموي مع أكثر من 160 دولة. ثم انعقد منتدى الحزام والطريق الثالث للتعاون الدولي في أكتوبر/تشرين الأول في بكين، مما سمح للرئيس شي جينبينغ بإعادة التأكيد على رغبة بكين في العمل مع الدول الأخرى لتحقيق التحديث والتنمية الاقتصادية.
ورغم أنه قد يكون هناك منافسة على الزعامة والنفوذ، فإن جاذبية الهند والصين بالنسبة للدول غير الغربية تعتمد على رغبة مماثلة في مساعدة الدول الناشئة الأخرى في صعودها. كما أن الهند والصين ”تقاتلان في خندق واحد“ في بعض المحافل العالمية. ففي عام 2021، عندما تمت مناقشة تغير المناخ والبنية التحتية للطاقة التي تعمل بالفحم في مؤتمر الأطراف السادس والعشرين في غلاسكو، شكلت الهند والصين في الواقع جبهة دبلوماسية موحدة. وفي حين دفعت بريطانيا، الدولة المضيفة للمؤتمر، وبقية أوروبا إلى ”التخلص التدريجي الكامل“ من توليد الطاقة بحرق الفحم، نجحت الهند والصين في قصر المناقشة على ”التخفيض التدريجي“.
هذا مؤشر واضح على أن ميزان القوى في العالم يتغير، ومن المرجح أن تجد الهند والصين في المستقبل قضية مشتركة في مجالات أخرى من الشئون العالمية. وإذا كان الأمر كذلك، فسوف يمارسون تأثيراً كبيراً على اتجاه الحوكمة العالمية والنتائج الجيوسياسية في المستقبل.
(نشر النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: الرئيس الصيني شي جينبينغ، على اليسار، ورئيس الوزراء الهندي مودي، على اليمين، يحضران مؤتمرا صحفيا في قمة البريكس. وفي الوسط رامابوسا رئيس جنوب أفريقيا. جوهانسبرغ، 24 أغسطس/آب 2023. © سبوتنيك/كيودو)
كانت هذه تفاصيل خبر اليابان | العلاقات الهندية الصينية في الميزان.. تنافس جيوسياسي وتوافق حول أغلب القضايا العالمية لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.
كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على نيبون وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.
أخبار متعلقة :