الرياض - كتب موسى القحطاني - منذ تولي الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، الحكم في دولة الكويت بدا واضحاً سعي الأمير الجديد إلى انتهاج فلسفة جديدة في الحكم في بلاده، إذ حرص على إرساء قواعد تطبيق القانون ومحاربة الفساد بأنواعه كافة، فضلاً عن إصلاح التركيبة السكانية وعلى رأسها الهوية الوطنية.
وبأدائه لليمن الدستورية قبل عام من الآن، في جلسة خاصة أمام مجلس الأمة شهدت البلاد تطوراً مضطرداً في جميع المجالات، تنفيذا للتوجيهات الأميرية السامية التي صاغت خريطة طريق الإصلاح الشامل في الأصعدة كافة.
وشدد الشيخ مشعل في خطابه الشهير على أهمية "المتابعة والمراقبة المسؤولة والمساءلة الموضوعية والمحاسبة الجادة في إطار الدستور والقانون لمواجهة الإهمال والتقصير والعبث بمصالح الوطن والمواطنين".
وبعد أدائه للنطق السامي، وجه الشيخ مشعل انتقادات حادة للسلطتين التشريعية والتنفيذية آنذاك، قائلا: "لم نلمس تغيير أو تصحيح المسار" في إشارة إلى الخطاب الأميري الذي ألقاه في 22 يونيو 2022 ودعا فيه إلى "تصحيح المسار"، وجرى بعده حلّ مجلس الأمة في أغسطس 2022، وإجراء انتخابات جديدة.
اختلال ميزان العدالة
في هذا الاطار يؤكد الباحث الاستراتيجي الدكتور عيسى العميري أن "النطق السامي للشيخ مشعل كان يمثل بوصلة طريق للكويت الجديدة، كما أنه حمل عدة رسائل واضحة، فيها جرأة الطرح والشفافية والمباشرة ما يكفي، موضحاً أن الأمير شارك شعبه في ذلك الخطاب قلقه من اختلال ميزان العدالة، فضلا عن قلقه على حقوق الوطن والموطنين والمخاطر التي قد تواجه دولة الرفاه والهوية الوطنية".
عيسى العميري
ويضيف: التوجيهات الأميرية التي أطلقها الأمير خلال الـ 12 شهرا الماضية، وشملت مختلف الجوانب الاقتصادية والتنموية والسياسية والدبلوماسية والأمنية والاجتماعية والعلمية دفعت إلى تعزيز قدرة البلاد على مواجهة التحديات المستقبلية وإطلاق العنان للتنمية المستدامة بغية تحقيق تطلعات الشعب وطموحاته"، ويشير العميري إلى أن حل مجلس الأمة في 1 مايو 2023 يأتي في إطار الخطة الإصلاحية لأمير البلاد ووقف العبث في مقدرات البلاد.
تعزيز العلاقات مع الخليج
أما على الصعيد الخليجي فحرص الأمير على تعزيز العلاقات قوية مع دول مجلس التعاون ويؤكد العميري هنا على أهمية التلاحم الخليجي في التحديات المشتركة، "استهل الأمير عهده بزيارات دولة إلى عدد من الدول الخليجية بدأها في المملكة العربية السعودية، وهو ما يأتي ترسيخا لمبادئ الأخوة وتعزيزا للتعاون في كافة المجالات"، طبقاً لحديث المحلل السياسي الدكتور عيسى العميري.
ويضيف العميري: أجرى الأمير مع القيادة السعودية مباحثات تعزز العلاقات الوثيقة بين البلدين، وشملت العديد من الملفات السياسية والاقتصادية والسياحية، أبرزها ملف حقل الدرة المتوافق عليه سعودياً وكويتياً في مواجهة الأطماع الإيرانية، مروراً بمشروع الربط الحديدي بين البلدين وصولاً إلى التكامل الاقتصادي في العديد من المشاريع التنموية والحيوية.
ويستطرد الدكتور عيسى قائلا: إن الزيارات التي قام بها أمير الكويت إلى دول الجوار، توجه رسائل واضحة بشأن الدور الذي يريد الشيخ مشعل لبلاده القيام به، "فهو يدرك تماما البعد الإقليمي وأهمية الشراكات مع الأشقاء في مواجهة التحديات مجتمعين لا فرادى"، مستذكرا هنا زيارة أمير الكويت والشراكة الاقتصادية الهامة مع سلطنة عمان وافتتاح محطة الدقم لتكرير البترول الهامة والتي تعبر عن شراكة اقتصادية كويتية عمانية تتطلع الكويت في عهد الشيخ مشعل على تكرارها مع دول شقيقة أخرى وفي مجالات مختلفة.
ويشير العميري إلى أن على الصعيد الدولي، فإن استقبال الأمير للقيادات العالمية مثل انعكاسا لمكانة الكويت كدولة داعمة للسلام والاستقرار العالمي.
ويضيف: كما أن هناك قضايا عديدة اهتم بها الأمير منها الحرب على غزة ومعالجة الوضع فيها والتوتر في منطقة البحر الأحمر والدول المجاورة ولا ننسى في هذا الإطار الدور الإنساني للأمير في دعم الكويت المستمر وبطائرات محملة بالأغذية والمساعدات إلى الأشقاء سواء في غزة أو لبنان أو السودان، لتشكل هذه المساعدات جسورا من الدعم الكويتي وتعبيرا صادقا بالإحساس بالمسؤولية تجاه الإخوة العرب والمحيط العربي ونصرة لأبنائه من المتضررين جراء الحروب والنزاعات التي تمر بها مناطقهم.
آفاق جديدة للتنمية
وفي موازاة ذلك قاد الشيخ مشعل في بلاده إلى آفاق جديدة من التنمية وهو ما برز مع انطلاق عدد كبير من المشاريع التنموية الكبرى في وقت تشهد فيه البلاد إقرارا لعدد من القوانيين ذات الصلة بالشأنين الاقتصادي والاجتماعي.
وفي هذا الإطار يرى العميري، وهو الباحث الذي انتهى أخيراً من تأليف أول كتاب يسرد إنجازات أمير الكويت في عام، وذلك بمناسبة مرور عام على تقلد الشيخ مشعل الحكم في بلاده، وحمل عنوان: عهد المجد والوفاء: إن عهد الشيخ مشعل، هو عهد متجدد يحمل عناوين عديدة على جميع الأصعدة المحلية والخليجية والدولية، والكلام هنا للعميري.
ويضيف: في هذا الكتاب حرصت على تسليط الضوء على تلك المسيرة، "فعلى الصعيد المحلي، جاءت أولويات الشيخ مشعل في المحافظة على الهوية الوطنية كذلك رفع المستوى المعيشي للأفراد، فضلا عن المحافظة على القيم والتي من ضمنها الكشف عن المزورين، وتسليط الضوء على من انتحل صفة المواطنة".
في المقابل حرص الأمير، والكلام للعميري على التوجيه بتبني الكفاءات الوطنية في كافة المجالات، وبذل كافة الجهود لوضع اسم الكويت عاليا في مصاف الدول الرائدة والمتقدمة.
الحملات الأمنية
في سياق مختلف، شهدت الكويت في غضون الأشهر الاثني عشرة الماضية، اهتماما بالجوانب الأمنية ومكافحة الفساد، وركزت الحملات الأمنية الاستباقية المكثفة على محاربة الجريمة بكافة أشكالها، إذ يوضح عيسى العميري أن التوجيهات الأميرية لوزارة الداخلية جاءت لتؤكد أهمية وضع مصلحة الوطن وحفظ أمنه واستقراره فوق كل اعتبار والحزم في تطبيق القانون على الجميع دون استثناء واليقظة والجاهزية الدائمة وتطوير العمل الأمني ورفع كفاءة وجاهزية رجال الأمن وتقديم خدمات مميزة للمواطنين والمقيمين.
عام من الإنجازات
أما السياسي والنقابي، سلمان الجوعانه، فقال: بمناسبة مرور عام على تولي أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح مقاليد الحكم، نستذكر أهم الإنجازات التي حققها في هذه الفترة القصيرة في العام الأول باتخاذه قرارات سيادية فاعلة تساهم في تحقيق رؤية الكويت 2035 وتنمية مرفقات الدولة والحفاظ على أمنها وتعزيز مفهوم الهوية الوطنية.
سلمان الجوعانه
ويضيف الجوعانه: تلك الإنجازات كان لها أثر كبير على كل المستويات سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وتعليمياً ورياضياً وتنموياً، إذ كان الاهتمام واضحاً في دعم الشباب والتعليم والصحة باعتبار كل ذلك من الركائز الأساسية في بناء مجتمع متقدم.
وعدد الجوعانه جانبا من هذه الإنجازات باستضافة القمة الخليجية الـ45، واستضافة بطولة كأس الخليج الـ 26 وافتتاح أكبر مصفاة نفط بالعالم "محطة الزور"، وافتتاح جامعة عبدالله السالم، إصلاح الطرق والبنى التحتية، خطة القضاء على البطالة، وتنشيط الجانب السياحي وإصلاح قانون العمل وضمان حقوق العمالة الوافدة.
الهوية الكويتية
وبفعل خبرته الطويلة التي اكتسبها في أثناء معاصرته لأمراء دولة الكويت السابقين، والحديث هنا للجوعانه: استطاع الشيخ مشعل معالجة الكثير من القضايا والملفات الشائكة وبسط يد القانون على الجميع وفرض هيبة الأمن والحفاظ على الإرث الوطني والهوية الوطنية الكويتية.
وأولت التوجيهات الأميرية أهمية كبيرة في دعم الشباب وتمكينهم، وفقا للجوعانة : "نعم حرص الأمير على تعزيز دور المرأة وتوفير لها البيئة المناسبة للتطوير والعمل، كما لم يقف الدعم الأميري عند ذلك، بل إن التوجيهات الأميرية طالت ذوي الهمم، وذلك من خلال توجيه مؤسسات الدولة المعنية بتبني سياسات شاملة لدعمهم وتمكينهم ودمجهم في المجتمع.
رؤية اقتصادية
وعلى الصعيد التنموي، يرى الباحث الاقتصادي عبدالعزيز الشداد، بأن التوجيهات الأميرية التي تلقتها الحكومة في أكثر من مناسبة، ساهمت وبما لا يدع مجالا للشك في إعادة دوران عجلة التنمية متمثلة في الإسراع بتنفيذ المشاريع التنموية الاستراتيجية التي طال انتظارها.
عبد العزيز الشداد
ويضيف الشداد: إن تحديد الأولويات ومعالجة الملفات العالقة والقضايا المتعلقة بالبنية التحتية أعاد الكويت إلى الطريق الصحيح، ولا ننسى في هذا الإطار بحسب الشداد ما يتعلق في تطوير الرعاية الصحية والسكنية والمنظومة التعليمية.
في المقابل ركزت توجيهات الشيخ مشعل على أهمية توسيع دور المحافظات وتقديم الدعم الكامل للمحافظين ومنحهم دورا أكبر للمشاركة في دفع عجلة التنمية في البلاد وإشراك أهالي المحافظات في مكونات المشاريع المستقبلية.
"نعم لهذه الخطوة كان ولا يزال الأثر الطيب في خدمة المواطنين".. والحديث هنا للشداد عبر تلقي الأفكار وعرض المشاريع عليهم.
اقتصاديا، دعت التوجيهات الأميرية إلى تطوير القطاعات الاقتصادية والاستثمارية وصولا إلى اقتصاد مستدام وتحسين بيئة الأعمال وتعزيز دور الاستثمار الأجنبي وتحويله إلى قوة دافعة رئيسية للنمو الاقتصادي، إضافة إلى تعميق الشراكات الاقتصادية الدولية والانفتاح على استقطاب كبريات الشركات العالمية وتسويق الفرص الاستثمارية.
ويوضح الشداد في هذا الإطار: لا ننسى هنا توجيهات الأمير بالاستعانة بأصحاب الفكر للوصول إلى القرارات الحكيمة والمهنية التي تقود إلى النجاح، مستذكراً الجولات الميدانية التي يحرص الوزراء على القيام بها باستمرار.
وهو ما انعكس على تطوير الأداء الحكومي لتحقيق كل الإنجازات والأهداف وتعزيز الكفاءة والشفافية وتحديث الأنظمة والقوانين وتعيين القياديين من ذوي الخبرة والكفاءة، علاوة على التحول الرقمي والشفافية والقضاء على المحسوبية ومحاسبة المقصرين وضمان العدالة في كافة أشكالها وملاحقة الفاسدين.
وتبنى الشيخ مشعل مشروعا إصلاحيا اقتصاديا يقوم على معالجة الاختلالات الهيكلية المزمنة في المالية العامة، ليوقف بموجبها الهدر بالميزانية العامة ورفع كفاءة الإنفاق العام مع مراعاة المحافظة على المال العام.
ويستذكر هنا الخبير الاقتصادي عبدالعزيز الشداد، نتائج زيارة الأمير إلى الصين العام الماضي والتي كان لها بالغ الأثر في تسريع تنفيذ مذكرات التفاهم الموقعة مع الحكومة الصينية بشأن المشاريع الكبرى مثل مشروع ميناء مبارك الكبير الاستراتيجي.
ويؤكد الشداد أن الكويت خلال الأشهر الماضية استطاعت مواجهة العديد من التحديات الاقتصادية ففي الوقت الذي يعاني فيه العالم من ارتفاع معدلات التضخم إلا إن الكويت تمكنت من المحافظة على تباطؤ التضخم محليا نظرا إلى ما يتمتع به اقتصادها من دعم حكومي.
وتشير بيانات بنك الكويت المركزي في هذا السياق إلى تباطؤ معدل التضخم من نحو 71ر4 في المئة في أبريل 2022 ليصل إلى نحو 44ر2 في المئة خلال شهر أكتوبر الماضي ليبلغ متوسط معدل التضخم نحو 3 في المئة خلال الفترة من يناير إلى أكتوبر 2024 مقابل نحو 64ر3 في المئة خلال عام 2023 فضلا عن استمرار الاستقرار النسبي في سعر صرف الدينار الكويتي مقابل العملات الرئيسية.
وفيما يتعلق بالجانب التكنولوجي أعلنت الهيئة العامة للاتصالات وتقنية المعلومات في يوليو الماضي بدء المراحل الأولى لتأسيس المدينة التكنولوجية في مدينة (جابر الأحمد) التي تعد خطوة مهمة نحو تطوير مستدام للمنطقة المخصصة لتأسيس المدينة التكنولوجية لجعلها مركزا متقدما للابتكار والاستثمار في تكنولوجيا المعلومات.
وفي القطاع النفطي دشن أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد في مايو الماضي التشغيل الكامل لمشروع مصفاة الزور، الذي يعد أحد أبرز المشاريع التنموية في تاريخ القطاع النفطي بالبلاد وواحدا من أكبر مشاريع التكرير على مستوى العالم.
وتبلغ الطاقة التكريرية للمصفاة 615 ألف برميل يوميا وتتميز بمرونة عالية في عمليات التكرير فهي مصممة لاستقبال النفوط الكويتية على اختلاف وتفاوت مواصفاتها ما يجعلها منفذا حيويا استراتيجيا لتصريف النفوط الثقيلة مع القدرة على إنتاج مشتقات نفطية عالية الجودة.
كما شهد شهر يوليو الماضي إعلان شركة نفط الكويت عن اكتشاف كميات تجارية ضخمة من النفط الخفيف والغاز المصاحب في حقل النوخذة البحري الذي يقع شرق جزيرة فيلكا بالمياه الاقتصادية الكويتية.
ويمثل ذلك الاكتشاف نقطة تحول مهمة في استكشاف الموارد الهيدروكربونية في المنطقة البحرية للبلاد إذ تبلغ المساحة الأولية المقدرة للحقل نحو 96 كيلومترا مربعا وقد يصل الإنتاج اليومي من البئر (نوخذة 1) من طبقة المناقيش الجيولوجية إلى نحو 8ر2 مليون برميل من النفط الخفيف وسبعة ملايين متر مكعب من الغاز المصاحب.
وبحسب شركة نفط الكويت فإن التقديرات الأولية لمخزون الموارد الهيدروكربونية الموجودة في الطبقة تقدر بنحو 1ر2 مليار برميل من النفط الخفيف ونحو 1ر5 تريليون قدم مكعبة قياسية من الغاز أي ما يعادل 2ر3 مليار برميل نفط مكافئ بما يعادل إنتاج دولة الكويت مدة ثلاث سنوات.
وعلى صعيد معدلات تدفقات الاستثمارات الأجنبية فقد ارتفع حجم الاستثمار المباشر تراكميا منذ مطلع يناير 2015 حتى نهاية مارس 2024 لنحو 7ر1 مليار دينار كويتي (نحو 55ر5 مليار دولار) بينها 9ر206 مليون دينار كويتي (نحو 675 مليون دولار) استثمارات واردة خلال السنة المالية 2023 / 2024.
وشهدت الأشهر الماضية تحركات كويتية حثيثة لاقتناص الفرص الاستثمارية وتعزيز الوجود في بعض الأسواق لتعزيز آفاق التعاون مع الشركات العالمية في المشاريع المشتركة فضلا عن استقطاب كبريات الشركات العالمية إلى البلاد.
أخبار متعلقة :