الرياص - اسماء السيد - "الخليج 365" من بغداد: تكتسب مشاركة رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، في مؤتمر ميونيخ للأمن أهمية خاصة في هذا التوقيت بالغ الحساسية في الشرق الأوسط وسط تقلبات جيوسياسية حادة، ومقاربات سياسية مختلفة تخط ملامح جديدة للمنطقة في أعقاب سقوط نظام الأسد في سوريا، والجدل العالمي المصاحب لمقترحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول تهجير الغزيين من قطاع غزة، وسط رفض عربي قاطع، وقمة عربية طارئة قيد الإعداد.
وتؤكد تحركات السوداني واجتماعاته على هامش المؤتمر والزيارة المهمة التي اجراها الى جمهورية التشيك قبل التوجه الى المؤتمر، ان هناك نسقا واضحا لسياسة رئيس الوزراء العراقي على صعيدين أساسيين، أولهما تحفيز العلاقات التجارية والاقتصادية مع عدد من الشركاء الدوليين وخاصة الشركات العالمية في مجالات الزراعة والطاقة والتكنولوجيا، ومعها توثيق العلاقات العسكرية مع لاعب بارز كالتشيك، وثانيهما تأكيد الحضور العراقي في المشهد الدولي المهتم بمناقشة مستقبل سوريا وعلاقتها بمحيطها والمجتمع الدولي خلال المؤتمر.
وتاتي مشاركة السوداني في المؤتمر في ظل ، تحديات أمنية واضحة تفرضها تحولات هذا المشهد، خاصة ما يتعلق بمعسكرات الاعتقال ومخيمات الاعاشة الخاصة بزعماء وافراد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في الشمال السوري التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية "قسد". فمنذ اليوم الأول لسقوط نظام الأسد في دمشق، أعلن العراق مخاوفه الصريحة من التهديدات الأمنية المرتبطة بفقدان السيطرة على هذه المعسكرات والمخيمات البالغ عددها نحو 12 مركزا ومخيما، وعلى رأسها مخيم الهول. كما نوه الى معضلة حصول افرادها على أسلحة من قوات الجيش السوري التي فرت من هذه المناطق من مواجهة فصائل هيئة تحرير الشام.
وتمثل هذه الإشكالية تهديدا واضحا للحدود العراقية، وهو الأمر الذي أشار اليه السوداني ووزير الخارجية العراقي غير ذات مرة في تصريحات او خلال الاجتماعات مع المسئولين الدوليين لمناقشة هذا الملف، وتبعاته على الوجود العسكري الأمريكي في العراق، والالتزام الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، ومنع عودته الى العراق مرة أخرى، الامر الذي قد يشكل تهديدا للمنطقة بأسرها.
ومع الاهتمام الواضح بسوريا في مؤتمر ميونيخ للأمن، تبزغ أهمية مشاركة السوداني في هذا المحفل وخاصة في وجود وزير خارجية الحكومة السورية الانتقالية، ووزير خارجية المملكة العربية السعودية، ومشاركتهما في الحلقة النقاشية المخصصة لاستشراف مستقبل سوريا الجديد وتأثيره على دول المنطقة بشكل عام، ودول الجوار بشكل خاص.
ويتسق حضور السوداني مع سياسته المعلنة بانه سيعمل مع الشركاء العرب والدوليين لدعم عملية سياسية شاملة جامعة في سوريا، مع عزم على مواجهة أي تهديد قد يؤثر على سيادة العراق وسلامة أراضيه مثل تهديد عودة داعش، خاصة مع وقف التمويل الأمريكي للمعسكرات في سوريا، بالإضافة الى عناصر ميليشيات متشددة كانت تواجه فصائل هيئة تحرير الشام، وتحاول الفرار من سوريا.
وتعتبر الزيارة التي قام بها السوداني لجمهورية التشيك قبل توجهه لمؤتمر ميونيخ للأمن بيوم واحد مهمة في خطة رئيس الوزراء لتنويع مصادر سلاح الجيش العراقي، وتعزيز قدراته الدفاعية، وتوثيق التعاون مع شريك مهم مثل جمهورية التشيك عبر اتفاقيات عسكرية واقتصادية تتكامل مع اتفاقيات أخرى ابرمها في لندن خلال زيارته لبريطانيا في شهر يناير الماضي لتعزيز الأمن المائي في العراق عبر مشروعات لتحلية المياه في البصرة، وتحسين جودة ري الأراضي الزراعية.
وعلى هامش مؤتمر ميونيخ، تعد المباحثات الناجحة التي اجراها مع نائب رئيس الوزراء الإيطالي، ومستشار الأمن القومي البريطاني، ومجموعة من الشركات العالمية على رأسها مجموعة "اندرا" الاسبانية المتخصصة في خدمات تكنولوجيا المعلومات، و"كلاس" الألمانية المتخصصة في المعدات الزراعية، دليلا واضحا على تكامل الملفات السياسية والاقتصادية على اجندة رئيس الوزراء الذي يسعى لاستغلال زياراته الدولية لجذب استثمارات لمختلف القطاعات العراقية، فضلا عن تحديث قطاعات مثل الزراعة والري وتكنولوجيا المعلومات التي تعتبر قاطرة الاقتصاديات الناشئة.
كما تشير هذه الاتفاقيات والاجتماعات الى خطة واضحة لمواجهة التحديات الاقتصادية التي تواجه العراق عبر الانفتاح على الدول والشركات ذات الباع الطويل في تقديم خدمات ومنتجات تتسم بالموثوقية والاعتمادية، وهي النقطة التي تؤسس لاستدامة الحلول التي تتطلبها القطاعات المختلفة في العراق، وتعد استراتيجية واضحة لتنويع المصادر التي يعتمد عليها العراق في احتياجاته العسكرية والاقتصادية، بما يعزز الشفافية والتنافسية من جهة، ويمنح بغداد ثقلا اكبر في المجتمع الدولي من خلال علاقات اكثر تشابكا تعتمد على التعاون والمنفعة المتبادلة في ظل تغيرات جيوسياسية حادة، وتقلبات في العلاقات الدولية.
وبينما تمر المنطقة بمنعطفات كبيرة سواء على مستوى سوريا او لبنان او مستقبل غزة او المقترحات الأمريكية المتعلقة بتهجير سكان غزة ذهب السوداني لمؤتمر الأمن في ميونيخ متشحا بسياساته المعهودة وهي التركيز على نهضة العراق وأمنه بهدوء وثبات.