الرياص - اسماء السيد - "الخليج 365" من إسطنبول: تتجه الأنظار إلى منتصف شباط (فبراير) الجاري، حيث من المتوقع أن يوجه زعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، نداءً جديدًا لأعضاء حزبه يدعوهم فيه إلى التخلي عن السلاح، في خطوة قد تعيد الحديث عن احتمالات إحياء عملية السلام بين الحزب والدولة التركية.
هذه التطورات تأتي بعد لقاء أجراه نواب من حزب المساواة وديمقراطية الشعوب "ديم" الكردي مع أوجلان في سجنه الانفرادي بجزيرة إمرلي، وسط تساؤلات حول مدى إمكانية تجاوب الحزب مع أي مبادرة جديدة للسلام، في ظل الانقسامات الداخلية والتأثيرات الإقليمية المعقدة.
محاولات سابقة لم تنجح
شهد النزاع بين تركيا وحزب العمال الكردستاني محاولات متكررة لإنهاء العنف عبر مبادرات سلام مختلفة، لكن جميعها باءت بالفشل لأسباب متعددة. في آذار (مارس) 1993، أعلن الحزب وقفًا لإطلاق النار من جانب واحد بعد وساطة الرئيس التركي آنذاك، تورغت أوزال، في خطوة بدت أنها قد تفتح الباب أمام حل سياسي. إلا أن وفاة أوزال المفاجئة في نيسان من العام نفسه أدت إلى انهيار هذه المبادرة سريعًا، لتعود المواجهات المسلحة من جديد.
في عام 1999، وبعد اعتقال عبد الله أوجلان، أطلق الحزب هدنة أخرى استمرت حتى حزيران (يونيو) 2004، حيث تجددت الاشتباكات المسلحة وسط خلافات بين الجانبين حول شروط الحل السياسي. ثم جاءت محاولة أخرى عبر مفاوضات سرية جرت في تموز (يوليو) 2010 بالعاصمة النرويجية أوسلو، إلا أنها لم تحقق أي اختراق يُذكر، ما أدى إلى استمرار الصراع.
في الفترة بين عامي 2012 و2013، أجرت الحكومة التركية محادثات مباشرة مع أوجلان داخل سجنه في جزيرة إمرلي، وهي المفاوضات التي دفعت زعيم الحزب إلى دعوة أنصاره لوقف القتال. لكن مع تصاعد التوترات الأمنية وتزايد العمليات العسكرية، انهارت الهدنة في تموز 2015، مما أدى إلى اندلاع موجة جديدة من المواجهات بين الطرفين، لتُغلق بذلك نافذة أخرى كان يُعتقد أنها قد تقود إلى سلام دائم.
هل يملك أوجلان التأثير الكامل على الحزب؟
على الرغم من كونه الزعيم التاريخي للحزب، إلا أن السيطرة الفعلية على أجنحته العسكرية ليست بيده وحده. فبحسب باكير أتاجان، مدير مركز إسطنبول للفكر والدراسات الاستراتيجية، فإن حزب العمال الكردستاني يتألف من أجنحة متفرقة، بعضها يتبع أجندات إقليمية مختلفة، خاصة الجناح الموالي لإيران.
ويشير أتاجان إلى أن الجناح الإيراني داخل الحزب ينشط في العراق وسوريا وإيران وتركيا، ويخضع لقيادات مرتبطة بطهران، مما يجعله أقل عرضة للتأثر بتوجيهات أوجلان، وأحد أبرز المعارضين لأي مبادرة سلام مع تركيا.
مواقف متباينة داخل الحزب
بينما قد تتجاوب بعض أجنحة الحزب مع أي نداء من أوجلان، يرى مراقبون أن الجناح المتمركز في جبال قنديل ومناطق شمال العراق وسوريا وإيران وأوروبا، والذي يشكل نحو 30% من أجنحة الحزب العسكرية، قد يكون أقل استعدادًا لإلقاء السلاح.
وفي هذا السياق، يقول المراقب السياسي محمد بنجويني، المقرب من حزب العمال الكردستاني لـ"الحرة"، إن "الحزب لا ينقسم إلى أجنحة ذات ولاءات مختلفة، بل يضم تيارات تحمل آراء متباينة حول قضايا مصيرية، وهذا أمر طبيعي في أي تنظيم سياسي كبير".
ويؤكد بنجويني أن المشكلة الأساسية تكمن في غياب الضمانات الدولية، متسائلًا: "كيف يمكن لقادة الحزب التخلي عن سلاحهم دون مقابل؟ يجب أن تقدم تركيا ضمانات واضحة تضمن سلامة مقاتلي الحزب، وضمان حل عادل للقضية الكردية، تحت إشراف الأمم المتحدة ودول كبرى مثل الولايات المتحدة".
الدعم الإقليمي وتأثيره على مستقبل الحزب
بحسب تقرير نشرته صحيفة "يني شفق" التركية في نيسان (أبريل) 2023، فإن إيران قدمت دعمًا عسكريًا لحزب العمال الكردستاني، يشمل أكثر من 50 طائرة مسيرة انتحارية، إلى جانب أنظمة دفاع جوي متطورة مثل صواريخ "358" الحرارية المضادة للطائرات المسيرة التركية.
من جانبه، يؤكد محمد زنكنة، عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني، أن إيران تدعم جناح "جميل بايك"، أحد قادة الحزب، الذي يرفض أي مبادرة سلام مع تركيا، مقابل تيار آخر منفتح على أي حل سياسي.
ويرى زنكنة أن الجناح الإيراني داخل الحزب يتمركز في جبال قنديل وأجزاء واسعة من كردستان العراق، بما في ذلك أربيل ودهوك وسنجار وسهل نينوى، كما يمتلك استثمارات واسعة في أوروبا، ما يجعله قادرًا على التمويل الذاتي دون الحاجة إلى قرار مركزي من قيادة الحزب.
تأثير العلاقات التركية - الكردية على المشهد
التوتر بين تركيا وبعض الأحزاب الكردية في العراق انعكس على قرارات اقتصادية، مثل تعليق الخطوط الجوية التركية رحلاتها إلى مطار السليمانية في نيسان (أبريل) 2023، بسبب ما وصفته أنقرة بـ"تغلغل حزب العمال الكردستاني" في منشآت المطار.
هذا الحظر تسبب في خسائر مالية تُقدّر بنحو 35 مليون دولار شهريًا، وفقًا لمسؤولي المطار، ما يعكس التأثير المتزايد للخلافات السياسية على الأوضاع الاقتصادية في المنطقة.
هل يمكن تحقيق سلام دائم؟
المراقب السياسي فائق كولبي يرى أن التوصل إلى حل دائم للصراع بين حزب العمال الكردستاني وتركيا يتطلب أكثر من مجرد نداء من أوجلان، مشددًا على أن "أي عملية سلام حقيقية يجب أن تترافق مع إصلاحات دستورية تعترف بحقوق القوميات غير التركية، وتوفر ضمانات دولية تضمن استقرار الأوضاع".
أما على المستوى الميداني، فإن التحدي الأكبر يظل مرتبطًا بتوحيد قرار الحزب، وإمكانية التوصل إلى توافق داخلي بين قياداته حول أي مبادرة مستقبلية.