في نوفمبر من عام 2017 أثار الرئيس السوداني عمر البشير جدلاً واسعاً عندما أعلن دعمه لحاكم ولاية الجزيرة الوسطية، محمد طاهر إيلا، حال قرر الأخير الترشح لرئاسة البلاد في خطوة أحدثت ربكة في المشهد السياسي وقتها.
ومنذ ذلك الحين، بدت الأوساط السودانية مهتمة بالمستقبل السياسي لطاهر إيلا وتترقب لما تسفر عنه تعهدات الرئيس عمر البشير، قبل أن تنمو رغبة للجميع في التعرف على سيرة الرجل المنحدر من شرق البلاد.
وفي تطور لاحق، أصدر الرئيس السوداني مرسوماً جمهورياً، السبت، عين بموجبه محمد طاهر إيلا رئيسا للوزراء بعد أن أعفاه قبل ساعات من منصبه كوالي الجزيرة، الأمر الذي اعتبره كثيرون لا يخرج عن الوعود السابقة للبشير.
من هو "إيلا"؟
تُعّرف الأوساط السياسية السودانية إيلا بكاريزما سياسية كبيرة، ساعده التنقل في المناصب الدستورية والتنفيذية على ابتداع أسلوب خاص به في قيادة الشأن العام، يمزج بين الاستئثار بالقرار وخلق دوائر ضيقة من المقربين.
تلك الميزة -وفقا لمحللين- أكسبته أعداء كثيرين، بالقدر الذي جلبت له محبة آخرين، ولكن يبقى إشعال الخلافات والصراعات مع أعضاء حكومته الذين ينتمون لنفس حزبه "المؤتمر الوطني الحاكم" خلال مسيرته السابقة، القاسم المشترك في شخصيته.
ففي ولاية البحر الأحمر، شرقي البلاد، والتي ينحدر منها، تصارع مع أبناء جلدته وحزبه حد الخصام، ولولا تدخل البشير وقتها في الأمر لانزلقت الأوضاع في منعطف خطير.
وتكرر ذات السيناريو في ولاية الجزيرة التي تولى حكمها قبل 4 أعوام قضاها في حالة شد وجذب مع المجلس التشريعي الذي كان عصيا على التطويع، الأمر الذي دفع البشير للتدخل وفرض حالة الطوارئ بالولاية وحل المجلس المنتخب.
مسيرة "إيلا"
ولد محمد طاهر إيلا عام 1951 بمدينة جبيت في ولاية البحر الأحمر شرقي السودان، وينحدر من جهة الوالد إلى قبيلة الميراب "الموس حسيني" ومن الوالدة إلى قبيلة القرعيب "الاب قسماب" فكلاهما تمثلان "الهدندوة" كبرى قبائل قومية "البيجا".
خرج محمد طاهر إيلا من أسرة ميسورة الحال حيث كان والده طاهر من كبار التجار في المنطقة واشتهر بتنفيذ المشاريع الخدمية من خلال ما يعرف "بالعون الذاتي".
درس إيلا -وفقا لسيرته الذاتية تخرج في كلية الاقتصاد، وكان محظوظا في الولوج لسوق العمل العام، فعقب 3 أشهر فقط من تخرجه تم استيعابه في هيئة الموانئ البحرية ببورتسودان، قبل أن يتم ابتعاثه لإنجلترا لدراسة الماجستير.
وفي 1988 -قبل وصول البشير إلى السلطة بعام واحد- بزغ نجم إيلا، وقفز إلى تولي مهام تنفيذية كبرى، حيث تم تعيينه في فترة الديمقراطية الثالثة "حكم الصادق المهدي" وزيرا إقليميا في الإقليم الشرقي، ليعود مجددا مديرا لهيئة الموانئ البحرية سنة 1989 ويستمر بالمنصب لـ6 أعوام متتالية.
وبعدها انتقل إلى الخرطوم وقضى فيها نحو 10 سنوات شغل خلالها منصب وزير اتحادي، لوزارات التجارة الخارجية، النقل، الاتصالات في الفترة من 1995 حتى 2005.
في عام 2005، آثر محمد طاهر إيلا العودة إلى دياره واليا لولاية البحر الأحمر ليقضي في المنصب نحو 10 أعوام حتى عام 2015، وشهدت تلك الفترة خلافات حادة، حيث دخل في صراع عنيف مع معارضيه في السلطة، استدعت نقله وتعيينه واليا على ولاية الجزيرة وسط البلاد.
جدل حول "إيلا"
تتباين الآراء بشكل لافت حول محمد طاهر إيلا وطرق في إدارة الشأن العام، فالبعض يعتبره ناجحاً ورجلاً تنموياً في المقام الأول، مستدلين بإنجازاته التي حققها في ولايتي البحر الأحمر والجزيرة وسط البلاد، بينما ينتقده البعض ويصفونه بالإقصائي والمتفرد بالقرارات.
ويقول القيادي بحزب المؤتمر الوطني الحاكم فرعية البحر الأحمر، أحمد عيسى هيكول، إن "إيلا يتميز بالحسم والضبط ولا يسمح بالفوضى الإدارية وإنجازاته تسبق حديثه دوماً، لذلك يكره المسؤولين الذين يعملون تحته في الولاية لأن نهجه في تسيير العمل يتعارض مع مصالحهم المريضة".
ويرى هيكول أن الرئيس السوداني وفق تماماً في اختيار إيلا رئيسا للوزراء حيث سيسهم بخبرته السياسية والاقتصادية في إنعاش الوضع الاقتصادي من خلال حسم الفساد وتبني قرارات فاعلة، فهو يملك شجاعة تؤهله لمواجهة ما وصفه بـ"لوبيات الدولة العميقة".
وأضاف: "إيلا ليس إقصائياً لكنه قد يختلف مع المسؤولين الذين يعملون إلى جانبه لأنه يفكر بطريقة مختلفة عنهم في إدارة الشأن العام".
ويصف نائب رئيس القطاع السياسي للمؤتمر الوطني بولاية الجزيرة، الطاهر إيلا بأنه "رجل متواضع ومجتهد، جذبت له نجاحاته التنموية النقد والمواجهة من قبل أعداد النجاح"، مستدلاً بـ"اللوحة الزاهية" التي اكتست بها ولايتا الجزيرة والبحر الأحمر في عهده.
ويعتقد الطاهر أن انضباط إيلا في إدارة الشأن العام ومتابعته لسير المشروعات بنفسه، جعل أصحاب المصالح يناصبونه العداء، وينتقدونه باستمرار للنيل منه.
وأضاف "إيلا قائد ذو حنكة سياسية وتنفيذية عالية، ويعرف طرق التنمية والازدهار، وإن كان في زمن الشدة وضيق اليد".
لكن المحلل السياسي أسامة بابكر يرى أن إيلا رجل متفرد بالقرار ولا يعترف بالآخرين معه، ويفعل ما يقتنع به وإن كان خاطئاً انتصارا للذات مما جعله في حالة صراع مستمر طوال مسيرته العملية لا سيما في حكم الولايات.
وقال بابكرإن لم يعدل إيلا من طريقته في إدارة الشأن العام أثناء توليه منصب رئيس الوزراء فإنه سيعاني كثيراً لأنه سيشتعل الصراع بشكل أعنف في الحكومة وسيكون خصماً للحزب الحاكم الذي يواجه تحديات وضغط شعبي كبير".