ما نُبصره من معالم خُذلانِنا لغزّة يتجاوز انعدام الحيلة، وأجدُه أكبر مما يتراءى للنّاظر للوهلة الأولى. وفي ذلك تفصيلٌ ضروريّ.
مرّت علينا سنواتٌ، كُنّا نُبصر من معارفنا آنذاك من يلغي احتفالاتِه، أو يؤجّلُها، إذا علم أنّ قريبًا تُوفِيَ له جارٍ. كان ذلك الفعل طبيعيًّا لدرجة أنّ من يشذّ عنه يكون مطعونًا في مروءتِه، إذ لم يراع حُرمة الجيرة وأخوّة العقيدة.
أستذكر تلك العقود بأسى، إذ أجدُني أجهدُ في محاولة إقناع أولياء الأمور بالاكتفاء بحفلات الزّفاف لبنيهم، دون الحاجة للموسيقى..والعجيب أنّ أولئك الآباء من جيلي، فليس غريبًا عليهم ذلك الصنيع، ولا هو خافٍ عليهم ما نُبصره على الهواء من مَحرقة إخوانِنا في غزّة، أو الميادين الأخرى التي ما انفكّت تتّسع إليها رُقعة التقتيل والتجويع.بيد أنّ ما تسمعه من أعذارٍ بشأن «ضرورة الاحتفال» و»انعدام البدائل»، يُشير إلى مقدار التحوّل النفسيّ في ذواتنا، إذ بتنا بحاجة للنقاش لإثبات صواب هذا الرأي ودحض حُججهم الواهية.
لقد نجح أعداء أمّتنا بامتيازٍ في ضربِ ثوابتِها على مدار العقود الماضية، فانقلبت المعايير التي نحتكم إليها رأسًا على عقِب، فأضحى المُتّفق عليه مُختلَفًا فيه، وأمسى الثابتُ مُجرّد بديل، وبات المُنكر مقبولًا أو قابلًا للأخذ والردّ.
هذا التحوّل في النفس المسلمة هو أساس حالة العجزِ شبه المُطلق، الذي تعيشه الأمّة من أقصاها إلى أقصاها. ذلك أنّ الميزانَ الجَوّانيّ إذا اختلّ، فإنّ البوصلة البَرّانيّة لابدّ أن تضطرب، بحيث يصعب على المرء التعرّف على وجهته.
وليتنا كُنّا ممّن حبسه العُذر عن النفرة أو النصرة في سبيل اللهِ، ولكنّ عذرنا أقبح من ذنبنا، وذنبنا ليس عجزنا، بل فشلنا في توفير أسباب النُّصرة التي نزعم رغبتنا فيها. فأيسر طريقة للتعرّف على نجاحِ أحدنا في اختبار غزّة، هي قياس أدائه في مُقابل المعيار النبويّ الكريم، الذي ينصُّ على نُصرَة الأخِ {ظَالِمًا، أَو مَظلُومًا} بالنظر إلى أنّ المسلمين في توادّهم وتراحمهم {كَمَثَلِ الجَسَدِ الوَاحِدِ}. وما نطلبه الآن دون هذا القدر من التداعي بالسّهر والحُمّى للعضو الذي يُمثّل القلب من الأمّة، فقد انخفض سقف أهدافنا، حتى بات المقصود هو الحدّ الأدنى من استشعار الألم فحسب، والحرص على ألّا نكون سببًا فيه أو في زيادته، لا أكثر.
وإذا كان ثَمَّ وقتٌ ينبغي لنا محاسبة أنفسنا بهذا الشأن، فهو بالتأكيد الآن، إذ من الواجب التحقّق من مصداقية زعم عموم النّاس انعدام قدرتهم على النُّصرة، ما خلا الدعاء. ذلك أن أوجهها كثيرة جدًّا، لو شاء كلُّ واحدٍ منّا مجاهدة شهواتِ نفسِه وخشيته من كلام النّاس!
ما ذكرتُه في أمر حفلات الأعراس، انطلق من شعور طبيعيٍّ لدى سابقينا بأنّ إيمانهم لا يتمّ حتّى يُحبّوا لإخوانِهم ما يُحبّون لأنفسهم. وإذا كان هذا الأمرُ طبيعيًّا في حالة وفاة شخصيّة، فإنّه أجدر بالتحوّل إلى فرضٍ لا مناص عنه في وضع الإبادة المُمنهجة.
أقول: إنّ الاستجابة لنداء هذه اللحظة التاريخيّة مُمكنٌ لو صدقنا الرغبة وعقدنا العزمَ على التأييد الفاعلِ لمقاومة العدوان، لا مُجرّد «التضامن الإلكترونيّ» بالضغط على زِرِّ الإعجاب! وما حالة التذبذب في شأن المقاطعة إلّا مَعلَمٌ آخر من انعدام الجدّية في المناصرة ابتداءً.
أما إذا وجدتَ نفسَك راغبًا عن ذلك، فلعلّك تحتاج تدبُّرَ قولِه تعالى عمّن تخلّفوا عن غزوة تبوك {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَٰكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ}.
وعندها، نحتاج أن نُراجع حقيقة إيمانِنا، لأنَّنا إذ حُرمنا التوفيق الربّانيّ لمناصرة إخوانِنا والتعرّف على مظانّ ما نكون به في حاجتِهم، فلا نخذلهم ولا نُسلمهم، فعلينا أن نسأل أنفسنا: هل كره اللهُ انبعاثنا، حتى يكون التثبيط هو نصيبنا من طوفان الأقصى، وما ينتج عنه من وعدِ التحرير المُرتقب؟
تُرى، هل سنبصر عمّا قريبٍ من يحمل الراية، ويبتدر هذه السُّنّة الحسنة ليكون له أجرها وأجر من عمل بها؟ كُلّي رجاء أن يخيب ظنّي في سوء ظنّي!
وإلّا، فكيف لنا أن نعلم إنْ كُنّا فائزين في اختبار غزّة العظيم، أو فاشلين فيه؟
خالد المحمود – الشرق القطرية
كانت هذه تفاصيل خبر أنتم الفائزون ونحن الفاشلون لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.
كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على كوش نيوز وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.