مصر.. وإعادة هندسة الإقليم

يبنى تصوراته على خطأ من يظن أن منطقة الشرق الأوسط مجرد ساحة للصراع بين القوى الدولية فقط، بل إن الحقيقة الكاشفة أكبر من ذلك بكثير، وأقل ما يوصف به أنه إقليم غاية فى التعقيد، يموج بتحديات جمة، وحارت معه وسائل الإعلام والمنابر الدولية، التى طرحت مصطلح «الإقليم الجديد»؛ بما يعنى حقبة مختلفة من العلاقات الدولية والنظام الإقليمي، وإعادة تشكيل موازين القوى، وهو أمر قادت إليه التوترات المتصاعدة، التى توشك أن تصل إلى مرحلة حرب إقليمية شاملة، بما يخلفه ذلك من تحولات سياسية جذرية، وقضايا قومية، وأزمات إنسانية، وتحديات اقتصادية، تضاف إلى الديناميات الجيوسياسية المعقدة، وفى المقدمة منها القضية الفلسطينية، وما أطلق عليه «الربيع العربي».

وأدركت مصر، منذ اللحظة الأولى، خطورة ما اجتاح الإقليم قبل 13 عاما، واحتاطت له بكل حرص وحذر، وعلمت أن الحاجة ماسة إلى تحديث القوات المسلحة، وضمان الأمن والاستقرار، والحيطة من الانزلاق فى مستنقع وقعت فيه دول أخرى، ولا تزال هذه الدول تدفع الثمن، بل وتنتظر المصير المجهول، عندما تنتهى الحرب التى اندلعت شرارتها فى السابع من أكتوبر عام 2023، وعندما ينقشع غبار المعارك، وتتضح الرؤية بعد أكثر من عام لم تتوقف فيه أصوات المدافع، ولم تصف السماء من دخان كثيف.

وما من شك فى أن المنطقة تقع فى القلب من بؤرة الاهتمام العالمي، لما تمثله من أهمية كبيرة بالنسبة لأمن واقتصاد النظام الدولي، فكتب عليها الصراع الدائم، الذى قد يمر بتحول خطير وغير مسبوق، مثل ما يحدث الآن، والذى يؤكد ــ بما لا يدع مجالا للشك ــ أنه لا عودة إلى الوضع قبل انطلاق الحرب فى غزة ولبنان، وما يحدث فى البحر الأحمر، وما يتبادله الجانبان الإيرانى والكيان الإسرائيلى المحتل من ضربات، كل بطريقته، بل لعلى لا أبالغ إذا قلت إنه لا عودة إلى ما قبل عام 2011، وما تبعه من أزمات رجت المنطقة رجا، ولم ينج من فخاخها إلا مصر، بسياستها الخارجية المتزنة، وثبات موقفها، ودورها الذى لا ينكره أحد فى الإقليم، ومبادئها الواضحة من كل القضايا، والتمسك بها لرأب الصدع، وحقن الدماء، وإعلان الانحياز إلى السلام، والانتصار للبناء والتنمية والإعمار، ورفض الحرب، وما تجره من هدم وخراب، وما تسيله من دماء.

لا خلاف على أن الإقليم «يُعاد تشكيله»، وإن لم تتضح الصورة بالشكل الكافي، ولو كانت مصر غرقت فى المستنقع الذى تم جر دول أخرى إليه، لكانت الآن تنتظر موقفها، وما يتم فرضه عليها، ولكن كيف يحدث هذا، وفيها جيش وطنى، يملك من القادة والقوة والأدوات ما يحقق به مهمته السامية والمقدسة، وهى الدفاع عن الوطن ضد أى أخطار مهما يكن مصدرها، وبناء الدولة المصرية، وتلبية نداء الشعب متى ناداه واستجار به، وطلب منه التدخل، بالإضافة إلى شعب واعٍ لا تخدعه شعارات هنا أو هناك، ومؤسسات ذات كفاءة، قادرة على إدارة الدولة تحت أى ظروف.

إن إعادة ترتيب موازين القوى فى الإقليم ورسم خريطة سياسية جديدة للمنطقة، أصبحت أقرب للتطبيق من أى وقت مضى، وهى حقيقة وشيكة الحدوث، بصرف النظر عن أنه مطلب لجيش الاحتلال الذى يظهر مسئولوه فى المحافل الدولية، حاملين خرائط جديدة، وما يصدر عن الكيان من مطالبات تحقق مصالحهم، وما طرحه بنيامين نيتانياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، خلال كلمته الأخيرة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتطلعات التوسعية العابرة للحدود.

وأقولها ــ بكل صراحة ــ إن مصر لم تخرج فقط من دائرة الدول التى يحدد آخرون مصيرها والمفعول بها، ويفرضون عليها ما يطول المنطقة من تغييرات، ولكنها استمرت طرفا فاعلا ومؤثرا، وما كان هذا ليحدث لو لم تفلت مما دبره لها أهل الشر، لإسقاطها وإخراجها من المعادلة، لتستمر مصر الآن فى السعى الجاد إلى بناء سلام شامل فى المنطقة، ووضع حد للعنف والاقتتال، وما كانت أول المبادرين إلى عقد مؤتمر دولى للسلام، بما يحقق طموحات الفلسطينيين فى إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس، إضافة إلى دورها فى محاولة وقف اعتداءات جيش الاحتلال الإسرائيلى على قطاع غزة، وإدخال المساعدات الإنسانية للأهالى المحاصرين، الذين يموتون جوعا، وتنهش الأمراض فى أجساد من يفلتون من رصاص وتفجيرات مصاصى دماء يشنون حرب إبادة.

قالها الرئيس عبد الفتاح السيسى لزعماء العالم فى قمة القاهرة للسلام 2023: «إن العالم لا يجب أن يقبل استخدام الضغط الإنساني، للإجبار على التهجير، وقد أكدت مصر، وتجدد التشديد، على الرفض التام، للتهجير القسرى للفلسطينيين، ونزوحهم إلى الأراضى المصرية فى سيناء، إذ أن ذلك ليس إلا تصفية نهائية للقضية الفلسطينية وإنهاء لحلم الدولة الفلسطينية المستقلة، وإهدارا لكفاح الشعب الفلسطيني، والشعوب العربية والإسلامية، بل وجميع الأحرار فى العالم، على مدار 75 عاما، هى عمر القضية الفلسطينية».

إن مصر اليوم فى مكان مختلف تماما عما كان يريده لها أعداؤها، والخائفون من دورها وتأثيرها وثقلها، والمرتعشون من قوة قرارها فى الوقت المناسب، لإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، ومنع أى تهديد لأمنها القومي، وهو ما أكد عليه الرئيس السيسى، عندما قال: «أمن مصر القومى خط أحمر ولا تهاون فى حمايته»، وهى رسالة ما كانت مصر تبعثها، وهى فى موضع قوة، لولا الحفاظ على كيانها، ومقدراتها، وتماسك شعبها، ووعيه، ووقوفه خلف قيادته لتخطى ظروف، هى الأصعب منذ سنوات طويلة، كاد التيار أن يجرفنا بسببها فى طريق اللاعودة.

وأخلص من عرضى هذا، إلى أنه وإذا كان الكيان المحتل، الذى يصر على الحرب فى أكثر من جبهة بالمنطقة، لن يحقق ما يصبو إليه، وما رسمه فى الخرائط، وليس بالضرورة يمكن أن يكون هناك تغيير جغرافى للإقليم، إلا أنه لاشك سيطول المنطقة تغيير، إن لم يكن على المدى القصير، فهو على المدى الطويل، وما يهمنى فى هذا المقام أن مصر ستكون لها رؤيتها ودورها، بعد أن حافظت على مكانها فى معسكر الأقوياء، لا الضعفاء، الفاعلين لا المفعول بهم، ولن يجرؤ خصومها على النيل منها بفضل جيش قوى مخلص يزن الأمور بمقياس لا يخطئ المعايير، وقيادة وطنية مخلصة تعبر بمصر وشعبها إلى «الجمهورية الجديدة».

الإقليم «يُعاد تشكيله»، وإن لم تتضح الصورة بالشكل الكافي، ولو كانت مصر غرقت فى المستنقع الذى تم جر دول أخرى إليه، لكانت الآن تنتظر موقفها، وما يتم فرضه عليها، ولكن كيف يحدث هذا، وفيها جيش وطنى، يملك من القادة والقوة والأدوات، ما يحقق به مهمته السامية والمقدسة.

ماجد منير – بوابة الأهرام

كانت هذه تفاصيل خبر مصر.. وإعادة هندسة الإقليم لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.

كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على كوش نيوز وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.