في العام 2011م، أنشأ أحد الدعاة النّاشطين على شبكة الأنترنت، حسابا على موقع “تويتر = X حاليا”، أسماه “تغريدات المتوفَّين”، جمع فيه الكلمات الأخيرة التي نشرها بعض المغرّدين على هذه الشبكة قبل أن يرحلوا عن الدّنيا.. كانت فكرة حسنة لاقت قبولا واسعا في أوساط الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي؛ هذه المواقع التي انقسم النّاس حيالها بين محسن استغلّها في نشر الخير والفضيلة، وبين مسيء جعلها وسيلة للّهو والعبث وإشاعة الانحلال والميوعة.
حساباتٌ للصّالحين.. وأخرى للمحرومين
يقول مؤسّس حساب “تغريدات المتوفَّين” إنّ الفكرة تبادرت إلى ذهنه عندما وجد حسابًا لفتاة مسلمة متوفّاة مليء بالمواعظ والموادّ النّافعة، فأنشأ هذه الصّفحة التي لاقت استحسانا وتفاعلا كبيرين من قبل المغرّدين، ليبلغ عدد الحسابات المضافة إلى حدّ الآن أكثر من 4 آلاف حساب حسابٍ، لأكثر من 4 آلاف متوفّى ومتوفّاة، من الصّالحين والصّالحات، رحلوا عن هذه الحياة، وتركوا كتاباتهم على “تويتر” لتكون ذخرا لهم بعد الممات.
مواقف مؤثّرة كثيرة وقف عليها مؤسّس الحساب منذ إنشائه قبل 13 سنة، يتحدّث عنها فيقول: “خلال السّنوات الماضية مرّت بي مواقف مؤثّرة كثيرة تُلين القلوب وتُدمع العيون، وأكثرها إيلاما عندما يصلني حسابٌ لمغرّد أو مغرّدة فيه صور وتغريدات محرّمة، يطالب والده أو والدته أو إخوته بحذف الصّور والكلمات السيّئة من الحساب.. وذات مرّة جاءني اتّصال من والدة إحدى المغرّدات الرّاحلات تقول وهي تبكي: أرجوك، بالله عليك. حساب ابنتي فيه صور محرّمة انظر لها حلا لعلّها الآن تعذّب في قبرها بسبب هذه الصّور”.
تأمّل أخي المؤمن.. ما أضعف الإنسان حينما ينتهي أجله في هذه الحياة ويرحل إلى دار لا يملك فيها شيئا من أمره، لا يستطيع أن يمحو أخطاءه وخطاياه وسيّئاته التي اقترفها حينما كان يسعى في هذه الدّنيا.. عشرات السّنين وهو يتكلّم ويكتب، ويلهو ويلعب، وقد أنساه الشّيطان أنّ المنية ربّما تأتيه في أيّ لحظة، فتنزل بساحته على حين غفلة، ويرحل تاركا خلفه أقوالا وكتابات تتدفّق عليه آثامها في قبره، ويتمنّى أن لو يعود إلى الدّنيا ساعةً واحدة ليتخلّص منها، ولكن هيهات!
كم من متحسّر الآن في قبره على كلمات كتبها هنا أو هناك، انتشرت بين النّاس، وكانت سببا في غفلة وضياع كثير من شباب هذه الأمّة؛ مات فنسيه أهله وأصدقاؤه وخلاّنه، لكنّ كتاباته ومنشوراته لا زالت تروّج بين النّاس، ولا زال الغافلون والطائشون يتداولونها بينهم، ((لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُون)).
كلمات وتغريدات.. لشباب عرفوا حقيقة الحياة
يسرد مؤسس حساب “تغريدات المتوفّين” بعض المواقف التي أثّرت فيه، ويذكر منها قصّة مغرّدة تُدعى “أروى السويد”، تُوفيت قبل زواجها بثلاثة أيام، وكانت في آخر تغريداتها تطلب العفو والصّفح من متابعيها، وقبلها تحدّثت عن صلاة الفجر فكتبت في وقت الفجر تقول: “عُشّاق الفجر أقوامٌ أحبّوا ربّهُم فأحبّهُم، واشتاقوا إليه فاشتاق إليهم.. صلاةُ الفجر خيرُ بدايةٍ ليومنا.. صلّوا وتذوّقوا جنّة الدُّنيا”، وبعدها كتبت تتحدث عن الجنّة فقالت: “جّنّاتُ عَدْنٍ التِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْب، وعدَ بالغيب فطارت أرواحنا لها شوقًا.. فكيف لو رأيناها عِيانًا؟ كيف لو سكنّاها زمانًا؟”. تتحدّث عن الجنّة لكأنّما ستدخلها بعد أيام وهي التي لم تكن تعلم أنّها ستكون عمّا قريب على موعد مع الرّحيل إلى دار القرار، وقبل ذلك كانت تدعو لموتى المسلمين، وكان من تغريداتها أنّها كتبت تقول: “اللهمّ ارحم من فارق ديارنا وأصبح القبر داره، اللهمّ آنس وحشتهم ونوّر قبورهم واغفر ذنوبهم، اللهمّ وابنِ لنا ولهم بيوتا في الجنة”.. هي لم تكن تعلم حين كتبت هذه الكلمات أنّها ستكون بعد أيام قليلة، من هؤلاء الذين دعت لهم بهذه الدعوات، التي نحسبها صادقة وسيُجيبها الحنان المنّان في حقّها بإذنه ومنّه وكرمه.
هكذا يوفِّق اللهُ للخير من سعى في رضاه، وجعل الجنّة غايته ومناه.. هذه هي الحياة الحقيقية التي يجد معها المؤمن طعم الرّاحة والطّمأنينة، وتجد معها المؤمنة السّعادة الحقيقية التي بحثت عنها كثير من النّساء في حياة المظاهر والمفاخر فما وجدن غير الضّيق والقلق والاضطراب.
فما أسعد الإنسان حينما يعرف وجهته، ويسلك الطّريق الصّحيح، ويوفّقه ربّه فلا يعمل ولا يقول ولا يكتب إلا خيرا، وإذا ما قَبض روحه إليه، ترك له في هذه الدّنيا أثرا يوصل إليه الحسنات في قبره، ويوفِّق من عباده الأحياء من يدعو له وينشر خيره!
يواصل مؤسّس حساب “تغريدات المتوفّين” حديثه عن المواقف المؤثّرة التي عرضت له، فيذكر قصّة المغرّدة “همس” التي لم تتجاوز العشرين من عمرها، أصيبت أمّها بفشل كِلوي.. أصرّت على أن تتبرّع بكليتها لوالدتها المريضة، أجريت لها العملية، وأُخذت كليتها، لكنّ حالها انتكست ودخلت في غيبوبة لمدّة شهر، ثمّ ارتاحت وانتقلت روحها لبارئها وخالقها. قبل أيام من وفاتها، كتبت على حسابها تغريدة تتحدّث فيها عن الحجاب، فقالت تخاطب كلّ مؤمنة بالله واليوم الآخر: “أختي.. الحجاب ليس لذوقك أو ذوقي، هو شريعة منزّلة من السّماء تماما كالصّلاة وبقية العبادات، تُرى هل أخضعت صلاتك يوما لذوقك؟”. وكتبتْ تتحدّث عن الدّعاء في جوف الليل فقالت: “لا تدنّس اللّيل بالخطايا ولا تعكّر صفوه بالآثام.. وارفع يديك لربٍ يناديك: هل من سائل فأعطيه، هل من داع فأستجيب له، هل من مستغفر فأغفر له”.
مغرّد آخر يدعى “حمد”، قبل رحيله بأيام كتب تغريدة يقول فيها: “إنْ رحلتُ أضيفوا حسابي لتغريدات المتوفَّين”، هو طبعا لم يكن يدري أنّ بين كتابة هذه الكلمات وبين وفاته أيامًا قلائل، وأنّ حسابه سيضاف فعلا إلى حسابات المتوفّين، ليكون ذخرا له بإذن الله إلى يوم الدين.
وماذا بعد؟
هكذا كانت تغريدات بعض الشّباب وبعض الفتيات ممّن وفّقوا لمعرفة حقيقة هذه الحياة، فماذا فعلنا وماذا قلنا وماذا كتبنا نحن؟ نعم أخي المؤمن.. سنوات وسنوات وأنت تدخل الأنترنت، ماذا كتبت فيه تدّخره لرحيلك عن هذه الحياة؟ إذا كنت لا تكتب، فهل تذكّرت أنّ هناك من يكتب بدلا عنك، هناك من يكتب كلّ صغيرة وكبيرة ممّا تشاهده وتسمعه وتقرؤه: ((مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))، ويوم القيامة عندما تأخذ صحيفتك ستجد كلّ شيئا مدونا ومكتوبا، فتحار لدقته فتقول: ((مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا)).—
سلطان بركاني – الشروق الجزائرية
كانت هذه تفاصيل خبر ما تنشره على حسابك.. سيُنشر في صحيفتك لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.
كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على كوش نيوز وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.