عندما يحاولون رسم صورة جيل من الأجيال، فإنهم يعتمدون على مرتكزات رئيسية مثل الحروب التى نشبت فى زمنه، والتيارات الفلسفية التى كانت منتشرة، والتجديد الثقافى، لكن لا يشير أحد إلى الأغانى التى خلقت وجدان ذلك الجيل، وهزت مشاعره بصفتها مكونًا رئيسيًا. عاش جيل الستينيات حربى ٥٦، ونكسة ٦٧، وقادته رايات وكتب الفلسفة الوجودية، والماركسية، والوضعية المنطقية، لكن أى أغانٍ أقامت وجدان الجيل وكان يرددها بوعى أو دون وعى، فساهمت فى ظهوره وحياته بالشكل الذى كان؟.
ثم أى أماكن تلك التى ارتبطت بوجوده وحركته؟ بل وأى عطور؟. فى جيلنا كان هناك عطر مفضل للبنات اسمه «فيرى»، زجاجة صغيرة بطول إصبع اليد إنتاج الشبراويشى، من أجمل العطور، وللرجال كان هناك كولونيا خمس خمسات، وكانت أماكن الغرام محدودة، فهى إما جنينة الأسماك، أو حديقة الأورمان، أو سينما مترو وسينما ميامى، فى المقاهى عرفنا: الاكسلسيور، وكنت ألتقى فيه نجيب سرور، الله يرحمه، يفيض بالشكوى، وكان هناك مقهى «إيزائيفتش» فى ميدان التحرير، وكافيه ريش، وفى الأماكن التى صنعت ذلك الجيل كان هناك ميدان التحرير، ملهم الشعراء والأدباء. وبوعى أو بغير وعى صاغت الأغنيات أحلام ذلك الجيل، ومواقفه، وبلورت شعوره الواضح بأن قضية فلسطين قضية أمن قومى مصرى، فكنا نسمع ونردد فيروز وهى تهتف: «الآن الآن وليس غدًا أجراس العودة فلتقرع»، وعبدالحليم وهو ينشد: «ابنك يقول لك يا بطل هات لى انتصار»، وأم كلثوم وهى تطلق جيوشًا وطائرات ودبابات من صوتها حين تغنى:
«أصبح عندى الآن بندقية»، ثم الجميلة العذبة نجاح سلام وهى تترنم «يا أغلى اسم فى الوجود.. يا مصر». هذه هى الأغانى التى شكلت الوعى إلى جانب التيارات الفلسفية، والحروب، وثورة طلاب فرنسا، والتضامن الجارف مع فيتنام ضد أمريكا. لكن الوعى الذى يستقر فى الذهن ليس هو الشعور، الشعور أعمق، وأبعد، وقد كانت الأغنيات هى باعثة الشعور، بينما قامت الكتب بتحريك الفكرة. وأظن أنه لا بد عند رسم صورة جيل ما، أن نرى الأماكن التى عشقها، والعطور التى أحبها، والأفلام التى تركت أثرًا فيه. أذكر من الأفلام «صوت الموسيقى» الذى أحدث ضجة، وفيلم «الخادم» المذهل، ثم فيلم رائع اسمه «الملاك الأزرق»، وكانت تلك الأفلام مثار نقاش متصل بين أدباء الجيل الشباب.
أظن أن التأريخ لجيل ما لا بد أن يتضمن أكثر مما يكتب عنه، لا بد أن يشتمل على العطور، ورنين حركة الترمواى الذى كان واختفى، وحتى الملابس لا بد أن تكون جزءًا من ذلك التاريخ. لا أدرى الآن وأنا أنظر إلى الجيل الحالى، أى أغانٍ يردد؟ أى ألحان تخلق كينونته؟ ولا أدرى للأسف كيف يتشكل وجدانه وعلى ماذا ينمو ويزدهر؟. لقد غنينا ذات يوم «يا أغلى اسم فى الوجود»، وغنينا: «يا حمام البر سقف على كتف الحر وقف».. لكن ماذا يغنى الشباب الآن؟. وأتساءل: هل ما زالت أغنياتنا قادرة على تحريك الوجدان؟ هل أننا تخلفنا وسبقونا هُم بخطوات واسعة إلى المستقبل؟ أم أنه الزمن الذى يسيل ويحيل كل جديد إلى قديم؟
د. أحمد الخميسي – جريدة الدستور
كانت هذه تفاصيل خبر كنا نغنى ذات يوم لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.
كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على كوش نيوز وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.