كثيرة هي التفاعلات التي صاحبت عرض حلقات مسلسل “الحشاشين” في رمضان 2024، ذلك أنه قدم للمشاهد المصري والعربي والإسلامي، قصة جماعة فاسدة ومفسدة ظهرت في فترة مهمة من تاريخنا الإسلامي، وظفت العقيدة والدين لتبرر لنفسها كل شيء، وبقناع التدين استباحت وأحلت لنفسها ما تشاء وما تريد، ورغم أن حكاية تلك الجماعة تعود إلى قرون بعيدة منذ القرن الحادي عشر للتأصيل لجذور فكرة التطرف والتشدد الديني، فإن صيغة الحوار الدرامي في هذا العمل بدا وكأننا نخاطب واقعا متطابقا “لحشاشين العصر” من جماعات وتنظيمات سارت على نفس الدرب المظلم، واستخدمت نفس الأدوات التي تعمي قلوب أتباعها وتسلب فكرهم وعقولهم لتقودهم حيث تشاء خدمة “لأهل الشر”.
لست هنا لسرد حكاية وتاريخ جماعة الباطنية التي أسسها حسن الصباح “جماعة الحشاشين” ومنهجها، أو الحديث عن صحة الروايات التي أرخت لتلك الجماعة وجرائم مؤسسها بالصيغة التي قدمها مسلسل الحشاشين، وإنما هي محاولة للاقتراب أكتر لفكر هذه الجماعة المارقة، ومدى نشاذ “دماغ الحشاشين” وأفكارهم، في ظل الحالة غير المسبوقة التي صاحبت عرض مسلسل الحشاشين في المجتمعات العربية والإسلامية، للحد الذي دفع الكثيرين خصوصا من الشباب للبحث والتقصي والقراءة في الأدبيات التاريخية التي تناولت تاريخ تلك الجماعة وأفكارها وحجج مؤسسها، رغم أنها لم تكن معلومة إلا لدى قلة من المتخصصين والباحثين، وهذه أولى نقاط نجاح وتأثير المسلسل.
في تقديري لم يكن هدف مؤسسة إعلامية وإنتاجية عملاقة بحجم الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية من إنتاج مسلسل الحشاشين فقط تقديم عمل تاريخي نادر بهذا الشكل الاحترافي تُظهر فيه قدراتها الإنتاجية، بل أعتقد أن الدافع تجاوز ذلك بتقديم عمل درامي وطني في الأساسي غايته الأساسية التوعية من أفكار أهل الشر الفاسدة، خصوصا للأجيال الجديدة، في إطار مشروع وطني وقومي لمكافحة الفكر المتطرف والمتشدد، واستخدمت في ذلك واحده من أقوى أدوات التأثير الناعمة وهي الدراما، وجمع العمل مجموعة من المبدعين، بداية من كاتب ملهم بحجم عبد الرحيم كمال، ومخرج الروائع بيتر ميمي، ونجوم العمل المبدعين كريم عبد العزيز وأحمد عيد، ومن الصناع من مديري التصوير والديكور والملابس، وبالتالي لم أنظر لمسلسل “الحشاشين” كونه عملا تاريخيا ولكنه مشروع درامي وطني سيبقى تأثيره وأثره حاضراً.
على صعيد الرسالة، استطاع المسلسل أن ينسج خيطا واضحا بين طريق التشدد والتطرف في الفكر وفي توظيف الدين لأغراض دنيا وسياسية، وبين طريق الإسلام المعتدل السمح الذي لا يختلف باختلاف الزمان والمكان، فكان نقطة الصراع بين الطريقين طريق التطرف الأسود وطريق الهداية المعتدل، وسعى صناع المسلسل لتوظيف الحبكة الدرامية في شكل مواجهة مستمرة بين الطريقين، حيث دائما ما كان صوت الإعتدال والسماحة حاضرا في مواجهة صوت “الشر” القادم من قلعة “الموت” قلعة حسن الصباح المتطرفة.. وهنا نتوقف بالتفنيد مع ما قدمه “الحشاشين” من مجموعة من المعاني والحجج المتطرفة التي استندت إليها جماعة الباطنية في أفكارها منذ قرون، وما زالت حاضرة في فكر “حشاشين العصر” من تنظيمات وجماعات سارت على نفس النهج:
1- التقية: والمقصود بها، التصنع والتظاهر بغير ما يعتقد الشخص، ولدى التنظيمات التي توظف العقيدة لأغراضها السياسية تمتد إلى فكرة الخداع والمكر والتربص وتحين الفرصة، وهذه كانت أولى المعاني التي قدمها مسلسل الحشاشين، عند تأسيس جماعة الباطنية سرا وتجنيد أعضائها، ما بين مؤسس الفكرة “حسن الصباح” ومساعده “زيد بن سيحون”، وفي سبيل ذلك ارتدى “حسن الصباح” قناعا يخفي حقيقته وحقيقة أفكاره، حينما عمل في البلاط السلجوقي كموظف ومستشار إداري عند السلطان ملكشاه وهو يناصبه العداء، حتى حانت لحظة المواجهة والإعلان عن جماعته بعد خيانته لصديقه الوزير نظام الملك، وصولا لسيطرة جماعته على قلعة “آلموت”، وبإسقاط خدعة “التقية” على واقعنا نجد أنها أداة حاضرة في الفكر الحركي لتنظيمات التطرف الحالية.
2- الحاكمية: وهي من المفاهيم التي تستند إليها التنظيمات المتطرفة في أفكارها، حيث تعتبر أن الحكم والسلطة لله والخلق ليس لهم إلا الطاعة المطلقة، ومن يحكم من البشر فهو كافر لأنه ينازع في خصائص الله، وفي حالة “الحشاشين” قدم “حسن الصباح” نفسه باعتباره يملك مفتاح الجنة، وأنه لا يتحدث إلا بإذن من الله، فنصّب نفسه إلهاً على تابعيه، وليس لهم إلا السمع والطاعة، وما دون ذلك فهو كافر يجب قتله، ونجح في سلب عقولهم بالطاعة العمياء حتى في مخالفة الشريعة، كتكفير المخالفين لعقيدتهم وقتلهم وحتى في استحلال شرب الخمر والمسكرات، رغم ما في ذلك من تحريف صريح لنصوص الشريعة الواردة في القرآن الكريم والسنة.
3- التكفير والقتل: بنهج الغاية بترر الوسيلة، مزج “حسن الصباح” بين العقيدة والدين وبين أفكاره وأهدافه، فاعتبر كل ما يقف أمام طريق فكرته الشاذة “الباطنية” كافر، واستحل قتله، فكانت البداية بفتوى قتل المؤذن الذي كان خطرا على دعوته في البداية، ثم شرع نهج الاغتيالات السياسية لإثارة الفتنة أو هدم الدولة، كما هو الحال مع اغتيال السلطان ملكشاه، أو الوزير نظام الملك، بهدف “قتل شخص واحد يهدم دولة”، حتى أنه أوهم من ينفذ تلك الاغتيالات بأنه اصطفاه بمفتاح الجنة لتنفيذ مهمته!!، أو حتى في فكرة قتل أتباعه لدعم سيطرته مثل قتل ابنه وصديقه ورفيق دعوته، وفي النهاية استطاع بجرائمه الشاذة إثارة الفتن والإرهاب لخصومه ومعارضيه، أو بمعنى أدق من يقف في طريق طموحه في السلطة.
4- العدو القريب: اختار “حسن الصباح” نهجا حركيا قائما على محاربة ما يسمى “بالعدو القريب” والمقصود به نظام الحكم في دولته، حينما اعتبر أن عدوه الأول هو “السلطان السلجوقي، قبل محاربة العدو البعيد “الصليبيين” في أوروبا، وهذا نهج سار على دربه كثير من التنظيمات الإرهابية، فهناك من يتبنى نهج الجهاد ضد “العدو القريب” مثل “داعش”، والمقصود به ضد حكام الدولة أو النظام داخل الدولة التي يعيشون فيها ثم يليه “العدو البعيد” والمقصود به الدول الأخرى التي لا تحتكم للشريعة مثل الغرب وأوروبا، وهناك من يتبنى العكس ليبدأ بالعدو البعيد كما هو الحال مع “القاعدة”.
وفي الوقت الذي جسد فيه المسلسل طريق التطرف المظلم في شخصية “حسن الصباح وجماعته”، كان صوت الاعتدال والوسطية حاضرا ليفند تلك الأفكار الشاذة طوال الوقت، بداية من صوت صديقه عمر الخيام، أو في المراجعات التي طالما قدمها الشيخ أبو حامد الغزالي، أو حتى على لسان أتباعه الذين اكتشفوا خدعته مثل زوجته وصديقه “زيد بن سيحون”، الذين واجهوا “ابن الصباح” بحقيقته، باعتبار أن فكرته شيطانية وأن الإسلام دين واحد ليله كنهاره.
أحمد أمبابي – روز اليوسف
كانت هذه تفاصيل خبر “دماغ الحشاشين” لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.
كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على كوش نيوز وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.