الذكاء الاصطناعى: لماذا لا نستطيع «شد الفيشة»؟

يرى الكثيرون نوعًا من التهويل والمبالغة فى ذِكر مخاطر الذكاء الاصطناعى، ووصفها فى أحيان كثيرة بأنها «وجودية»، أى تُهدد وجود البشر وحضارتهم. ليس مفهومًا كيف لا يستطيع الإنسان السيطرة على شىء صممه وأنتجه. وحتى إن انطوى الذكاء الاصطناعى على خطرٍ وجودى كما يُقال، فبالإمكان دائمًا «شد الفيشة»، أى وضع حدٍ للتطور التكنولوجى فى هذا المضمار، والاكتفاء بما تحقق من فتوحاتٍ تكنولوجية حتى الآن.

لماذا لا نستطيع- ببساطة- «شد الفيشة»؟ ما السبب وراء كل هذا الهلع من تكنولوجيا هى، فى نهاية المطاف، حصيلة عقلٍ بشرى؟

الحقيقة أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى بالذات ليست كأى تكنولوجيا سابقة اخترعها البشر. هى تقوم فى الأساس، وبحكم التعريف، على القيام بمهام عقلية للإنسان. معنى ذلك أنها، وبخلاف أى تكنولوجيا أخرى، ليست مجرد أداة يُمكن التحكم فيها وتوجيهها على النحو الذى تحكم الإنسان من خلاله فى كافة أنواع التكنولوجيا السابقة، من الأدوات الحجرية وحتى البخار والكهرباء والكمبيوتر. ثمة جانب واضح للاستقلال الذاتى فى هذه التكنولوجيا الجديدة، بل إن هذا الجانب بالذات هو ما يجعلها متميزة عن غيرها، ومُحققة لنفعٍ غير مسبوق. غير أن هذه النزعة نحو «الاستقلال الذاتى»، خاصة فى اتخاذ القرار والحكم على الأشياء والقيام بالمهام، هى بالتحديد ما يُخيف بشأن الذكاء الاصطناعى، وما يجعل السيطرة عليه أمرًا صعبًا.

إن كان لهذه التكنولوجيا «استقلال ذاتى» فليس هناك ما يمنع أن تطور نفسها بنفسها بكتابة «أكواد» جديدة للنسخ القادمة، الأحدث والأقوى، من أنظمة الذكاء الاصطناعى. هذه العملية يُمكن أن تقود إلى تطوير متسارع لا يستطيع البشر التحكم فيه، حتى لو أرادوا ذلك. هذا احتمال قائم. يُعزز من فرص حدوثه أن برامج الذكاء الاصطناعى ليست قابلة للتنبؤ مثل التكنولوجيات السابقة. من الصعب على العلماء، حتى هؤلاء الذين شاركوا فى تصميم هذه النظم، أن يضعوا أيديهم على نحو دقيق على الطريقة التى تعمل بها هذه النظم وتصل من خلالها إلى قرار معين. لا يُمكن شرح ما يدور داخل «الشبكات العصبية الاصطناعية» حتى من قبل العلماء الذين صمموها. إنها تكنولوجيا تكاد تكون مبهمة للفهم البشرى، ومن ثمّ احتمالات خروجها عن التحكم لا يُمكن استبعادها.

طابع الاستقلالية الذاتية والغموض لا يُمثل سوى جزء من معضلة السيطرة على الذكاء الاصطناعى. ثمة عوامل أخرى أهم تجعل فرض هذه السيطرة أمرًا صعبًا، وتحديًا مُعضلًا للبشر فى المرحلة القادمة. أهم هذه العوامل، كما يُفصلها كتاب «The coming wave» لمصطفى سليمان، يتعلق بما ستفعله هذه التكنولوجيا نفسها فى الكيان السياسى الأهم فى عالم اليوم؛ أى الدولة. هو يتوقع أن تُضعف هذه التكنولوجيا الدولة بشدة بسبب انتشارها الواسع، وسهولة الحصول عليها فى المستقبل القريب، وما يُمثله ذلك من تعزيز هائل لقوة الجماعات الصغيرة، بل والأفراد. الحاجز أمام الحصول على تكنولوجيات لها تطبيقات عسكرية، من الدرون إلى الروبوتات القاتلة والأسلحة البيولوجية الفتاكة، سوف ينخفض بشدة. جماعات مُسلحة مثل حزب الله قد تكون هى نمط المستقبل. الشركات أيضًا ستكون فى وضع أقوى كثيرًا فى مواجهة الدول. الشركات، كما يقول، لن تسعى للنفاذ إلى الأسواق، ولكنها ستكون هى ذاتها الأسواق!

هذا يحدث بالفعل. نتفليكس لا تبيع الأفلام والمسلسلات فى شرائط فيديو أو (دى فى دى) كما كان الحال فى السابق، ولكنها تمتلك منصة تجعل الحصول على هذه الأفلام مثل الحصول على أى خدمة.. بالاشتراك. هذه هى موجة المستقبل. السلع ستتحول إلى خدمات، والشركات تُحقق وضعًا احتكاريًا هائلًا، بعد أن تصير هى ذاتها الأسواق. هذا ما نلاحظه بالفعل فى عمالقة التكنولوجيا اليوم مثل جوجل وأمازون وفيسبوك. هذه الشركات لا تخترق الأسواق.. بل هى ذاتها صارت السوق. وضعٌ كهذا من شأنه أن يجعل الشركات فى موقع قوة هائل، ربما يفوق الحكومات سطوةً. لن يكون من مصلحة هذه الشركات وضع حد للتقدم التكنولوجى، بالذات فى مجال الذكاء الاصطناعى.

الدولة هى الجهة التى نتطلع إليها لمواجهة أخطار الذكاء الاصطناعى قد تتعرض سطوتها للتآكل أمام الشركات الكبرى. الأخطر، أن قدرة الدول لوضع حد للتقدم التكنولوجى فى الذكاء الاصطناعى، وأمثاله من تكنولوجيا الموجة القادمة، وخاصة فى مجال التكنولوجيا الحيوية، تظل محل شك شديد. هذه التكنولوجيات منتشرة جدًا، وستنتشر أكثر فى المستقبل بعد أن تتراجع تكاليف الحصول عليها باستمرار. ستنتشر أكثر من أى شىء عرفه البشر فى تاريخهم (بعد أيام من ظهور ChatGPt فى نوفمبر 2022، تبناه 100 مليون مستخدم، ويُقال إن هذا هو أسرع انتشار لتكنولوجيا فى التاريخ). التكنولوجيا الحيوية يُمكن تنفيذها فى معامل صغيرة، خاصة بعد تعزيزها بالذكاء الاصطناعى. كيف يُمكن مراقبة تكنولوجيا منتشرة على هذا النحو؟ كيف يُمكن منع التسبب فى كارثة مثل أن تقع أسلحة بيولوجية فى يد فاعل سيئ النية، أو أن تتحكم جماعة إرهابية فى حشود من الدرون القاتلة التى يمكنها مهاجمة مدينة كاملة بتوجيه من شخص واحد؟ لكى تحول الدول دون وقوع هذه الكوارث التى يُمكن أن يتسبب فيها انتشار التكنولوجيا الجديدة، لابد أن تمنع الكوارث فى كل مكان. كارثة واحدة يُمكن أن تدمر كل شىء.

ثمة حل واحد أمام الدول هو أن تمتلك قوة هائلة وسطوة غير محدودة فى مراقبة كل شىء لمنع التقدم التكنولوجى. عليها مراقبة المعامل والجامعات والشركات والأفراد. دولة كهذه ستكون شمولية بما يفوق التصور. ستدهس الحريات الفردية وتقضى على الخصوصية. ولو افترضنا فى أن هذه الدول الشمولية الجديدة ستتمكن من وقف التطور التكنولوجى عند النقطة الحالية. هل سيكون هذا شيئًا جيدًا؟

ها هنا تكمن المعضلة الحقيقية. الحال أن الحفاظ على مستويات حياتنا الحالية، بكل ما تنطوى عليه من أسباب الرفاهية والتقدم الصحى، تفترض نموًا اقتصاديًا متواصلًا. تراجع النمو والدخول فى الركود معناه تدهور متسارع فى مستويات الحياة، بل- كما يُشير كتاب The coming wave- احتمال انهيار الحضارة ذاتها. هذا ما حدث عبر التاريخ. القاعدة أن الحضارات تنهار. كشف بحثٌ أُجرى على 60 حضارة عن أن متوسط عمر الحضارات هو 400 سنة. الانهيار سببه الأساسى الوصول إلى الحدود القصوى لاستغلال الإمكانيات والموارد، مع بطء أو تراجع التكنولوجيا. هذا قد يحدث للحضارة البشرية الحالية أيضًا.

تأمل عنصر الديموغرافيا. دول كثيرة مثل اليابان وإيطاليا وألمانيا وروسيا تشهد بالفعل تراجعًا سُكانيًا وزحف الشيخوخة على مجتمعاتها. هذا سيحدث للهند وتركيا وإندونيسيا فى 2050. الصين من أقل الدول فى معدلات الخصوبة. يُقدر ألا يتجاوز عدد سكانها بنهاية القرن 600 مليون. تراجع السكان فى سن العمل معناه عبء هائل على الاقتصاد لأن كبار السن يسحبون من الناتج ولا يساهمون فيه. الحل الوحيد هو أن يتم توظيف التكنولوجيا (الذكاء الاصطناعى والروبوتات) لسد النقص فى قوة العمل. هذه ضرورة وجودية لاستمرار الحضارة الحالية التى تقوم على النمو الاقتصادى المتواصل. الديموغرافيا مثالٌ واحد. ثمة أمثلة كثيرة تدفعنا دفعًا إلى تسريع الابتكارات التكنولوجية وليس وقفها أو وضع حدٍ لها من أجل الحفاظ على رفاهية البشر ومستويات حياتهم الحالية. البعض يرى أن مواجهة أزمة المناخ والاحترار العالمى مستحيل من دون اختراقات تكنولوجية. كيف ستتحقق هذه الاختراقات إن وضعنا حدًا للابتكار، وإن تخلينا عن التكنولوجيا الأهم فى هذا الزمان؟

المعضلة، والحال هذه، أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى مرغوبة بشدة، وخطيرة إلى حد مرعب. هى قد تكون منقذًا للبشر، وأحد أسباب فنائهم فى آن معاً. لهذه الأسباب كلها ليس الأمر ببساطة «شد الفيشة»!

جمال أبوالحسن – المصري اليوم

كانت هذه تفاصيل خبر الذكاء الاصطناعى: لماذا لا نستطيع «شد الفيشة»؟ لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.

كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على كوش نيوز وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.