غيوم فوق إسطنبول

توشك تركيا أن تطوي حقبة كاملة من تاريخها الحديث وتبدأ أخرى من دون أن يكون واضحاً إلى أين تمضي؟ وأي مستقبل ينتظرها في إقليم مشتعل بالنيران؟

بدت الانتخابات البلدية بأجوائها ونتائجها ورسائلها إلى المستقبل المنظور أقرب إلى كشافات تزيح بعض غيوم المستقبل، لا الغيوم كلها، التي تخيم فوق إسطنبول منذ فترة غير قصيرة.

أطلت مجدداً التساؤلات نفسها، التي صاحبت الانتخابات الرئاسية الأخيرة وحصد نتائجها رجب طيب أردوغان رئيساً وحزبه «العدالة والتنمية» الأكثرية البرلمانية.

فارقت النتائج الانتخابية هذه المرة أية توقعات وتكهنات مسبقة بأن يكتسحها أردوغان، كما العادة حيث لم يخسر أي استحقاق انتخابي على مدى 22 عاماً.

إنه التصويت العقابي على خلفية الأزمة الاقتصادية والحرب على غزة؛ حيث استحكمت الأولى وتعرضت سياساته في الثانية إلى تساؤلات شعبية واسعة.

في مايو/أيار 2023، قبل عام تقريباً، اكتسبت الانتخابات الرئاسية أهميتها من اختبارين رئيسيين.

الأول، وقع الزلزال وخسائره المهولة على الرأي العام ونظرته إلى مدى مسؤولية الرئيس أردوغان في توفير إجراءات سلامة المباني، التي تهدمت وكفاءة إدارته للأزمة في ظل الترويع العام، الذي ضرب البلاد.

الثاني، تراجع الأحوال الاقتصادية وتصدع قيمة الليرة التركية بعد سنوات من الانتعاش والآمال الواسعة بأن يكون القرن الحادي والعشرين قرناً تركياً في الإقليم.

فتحت الملفات الإقليمية كلها أمام الرأي العام، وجرت تحت ضغط انتقادات المعارضة محاولات تصويب للبوصلات السياسية والاستراتيجية بالانفتاح على مصر، من دون إغلاق جميع ملفات التنازع وأخطرها غاز البحر المتوسط، وانفتاح مماثل على الخليج بدواعي تنشيط الاقتصاد المعتل، وتخفيض درجة التوتر في الإقليم.

كانت تلك استدارة استراتيجية لافتة لكنها لم تصل إلى مداها.

في 7 أكتوبر/تشرين الأول من نفس عام الانتخابات الرئاسية وجد أردوغان نفسه أمام مأزق محكم، كيف يتصرف؟.. وإلى أي مدى يمكنه أن يمضي في تحدي القوة الأمريكية التي تدعم بصورة شبه مطلقة إسرائيل في عدوانها على غزة؟

مال إلى إبقاء كل سياسة على حالها، ارتفعت لغة الخطاب من دون أن تراوح مداها اللفظي، لا تقلصت العلاقات الدبلوماسية والتجارية ولا انخفضت معدلات التعاون في الصناعات العسكرية.

لم يكن هناك موقف واحد يتجاوز الكلام السياسي العام، ويثبت الحضور التركي في الصراع على مصير القضية الفلسطينية، التي تحظى تقليدياً بدعم شعبي كاسح.

ثم جاءت تطورات الحرب الأوكرانية لتقوّض إلى حد كبير أدوار إسطنبول في الوساطة بين الأطراف المتحاربة.

في منتصف الطريق بدا كل شيء معلقاً، التحالف الافتراضي مع روسيا وإيران، والدور التركي في الأزمات السورية والعراقية والليبية، والصراع على الغاز في الشرق المتوسط.

بصورة أو أخرى انقضت فترة السماح التي منحت للرئيس التركي عند تجديد ولايته، وطرحت الأسئلة الكبرى نفسها مجدداً على إسطنبول وسط غيوم كثيفة تكاد لا تبين صورة مستقبل ذلك البلد الجوهري في معادلات الإقليم والصراع عليه.

بقوة الحقائق تقدّمت تركيا لملء الفراغ في مشرق العالم العربي إثر احتلال العراق عام 1993، فالتاريخ لا يعرف الفراغ. بنفس الوقت تقدّمت إيران بوسائل أخرى لملء ذلك الفراغ.

كان ذلك بعد عام واحد من بداية حقبة أردوغان. في سنواتها الأولى بدت إسطنبول مدينة عصرية منفتحة على عالمها لا تتنكر لتاريخها، وتتحدث عن المزاوجة بين إرث العلمانية والثقافة الإسلامية، ولديها آمال واسعة في بناء قوة اقتصادية كبيرة وتحسين مستويات شعبها.

تزاوجت الأوضاع الداخلية الملائمة والأحوال الإقليمية المتغيرة في بناء قوة دفع لدور تركي جديد يعتمد على قوتها الناعمة قبل أي شيء آخر، غير أن الرهانات على «العثمانية الجديدة» سرعان ما تقوضت.

هذه حقبة انقضت بكل رهاناتها وإخفاقاتها. التغيير حادث لا محالة، مع أردوغان أو من دونه.

السؤال الحقيقي: بأي قدر.. وفي أي اتجاه؟ كان ذلك سؤال الانتخابات الرئاسية وما بعد زلازل الطبيعة.

ثم عاد ليطرح نفسه في الانتخابات البلدية وما بعد زلازل الحرب على غزة.

بحسه البراغماتي قام أردوغان باستدارة استراتيجية عملت على توفيق الأوضاع والمصالح وفق الحسابات المتغيرة بتخفيف التوتر مع مصر إلى أقصى حد ممكن، ومد خيوط التعاون الاقتصادي مع دول الخليج بقدر ما هو متاح.

أربكت الحرب على غزة كل الحسابات، وبدت فوهات البراكين مفتوحة على كافة الجبهات وكل الدول من دون استثناء.

لم تكن تلك الحرب عنواناً أول في الانتخابات البلدية، لكنها كانت حاضرة في التفاعلات والنتائج، التي داهمت أردوغان وحزبه والمعارضة نفسها.

لم يقدر الحزب الحاكم على حصد أية بلدية كبرى، أو استعادة أية بلديات فاز بها حزب «الشعب الجمهوري» في عام 2019.

كانت إعادة انتخاب «أكرم إمام أوغلو» في إسطنبول خسارة كبيرة لأردوغان، ورسالة إلى المستقبل المنظور، إنه قد يكون الرئيس التركي في أول انتخابات رئاسية مقبلة.

باعتراف أردوغان نفسه فإن الهزيمة الانتخابية «نقطة تحول». بتعبير آخر فإنها تؤشر على قرب طيّ صفحة أردوغان في السياسة التركية من دون أن يكون واضحاً المرسى الذي قد تستقر عنده.. إنها غيوم المستقبل.

عبدالله السناوي – صحيفة الخليج

كانت هذه تفاصيل خبر غيوم فوق إسطنبول لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.

كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على كوش نيوز وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.