توطئة لا بد منها: أعلم جيدا، عزيزي القارئ، أننا مازلنا على بعد أسابيع من شهر رمضان. رغم ذلك، يطيب لي أن أبارك لك اليوم حلوله على نحو استباقي، إذ أخشى أن أجد نفسي منشغلا بأمور أخرى في الوقت الفعلي لظهور هلاله فأتخلف عن القيام بواجب التهنئة. الاحتياط واجب.
مرة أخرى، ومع اقتراب نهاية شهر شعبان، سيكسر الفلكيون المغاربة عطالتهم وسيخرجون أدواتهم للانكباب على حساب ما تبقى من أيام وساعات على حلول شهر رمضان الكريم غير عابئين بالنقاش المحتدم واللاعلمي الذي عادة ما يجمع بين الفاهمين وأشباه الفاهمين بخصوص ما إذا كان صيامنا سينطلق هذه السنة مع صيام الحوثيين أم مع أهل الشيشان القوقازيين… إلى أن يأتي حسم اللغط الرائج بصدور بلاغ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الذي لم يطرأ على طريقة صياغته ومضمونه الأساسي أي تغيير مذ كان المغرب جزءا من المكسيك وكانت المكسيك جزءا من المغرب وكأن الأمر يتعلق بمطبوع جاهز بفراغات تستوجب الملء فقط.
ومرة أخرى، ستنهال علينا التهاني والتبريكات من الصادقين من الأحباب والأصدقاء والمعارف السطحيين وحتى من المنافقين منهم وخاصة عندما نكون من ذوي المناصب الدنيوية المؤثرة (!!!) وستعرف البطاقات والفيديوهات الإلكترونية الجاهزة رواجا استثنائيا في زمن تكاد تندثر فيه الإبداعات الإنشائية الشخصية.
ومرة أخرى، سنجد ضمن المهنئين المبشرين والمتفائلين من لن يدع الفرصة تمر دون تذكيرنا بعذاب القبر وسبل تفاديه.
ومرة أخرى، ستغلق الحانات أبوابها لإعطاء فرصة للسكارى للنظر إلى العالم من زاوية مختلفة ولو لمدة شهر واحد.
ومرة أخرى، ستكون هواتف الكثير من عيادات الأمراض المزمنة خارج الخدمة، وكل من يلح على استشارة طبيب معين طمعا في الحصول على رخصة الصيام، مهما كانت حقيقة وضعه الصحي ما عليه إلا أن يتوجه إلى عيادته شخصيا وبدون موعد مع الاستعداد لانتظار دوره حتى خارج العيادة ومع التسلح بالصبر وخاصة عندما يكون الخبير المراد استشارته يعاني هو نفسه من المرض نفسه!!
ومرة أخرى، سيستحيل النهار ليلا والليل نهارا في حياة الكثيرين ضدا على الطبيعة ونواميسها وفي تحايل مفضوح على جزء من مقاصد الركن الثاني من الإسلام وذلك حتى يمر هذا الشهر الفضيل بأقصى قدر ممكن من السلاسة وبأقل جهد ممكن.
ومرة أخرى، لن يهمنا التقويم الميلادي على امتداد شهر كامل وسينصب تركيزنا على التقويم الهجري في المقام الأول مع إيلاء أهمية خاصة لتوقيتي صلاتي الفجر والمغرب.
ومرة أخرى، سيتحول عالمنا إلى قاعة انتظار ضخمة تتوسطها ساعة حائطية كبرى تستقطب كل الأعين وتذكرنا باستمرار بعدد ساعات ودقائق الحرمان الغذائي المتبقية على حلول موعد الإفطار.
ومرة أخرى، ستستفيد النساء من هدنة نهارية تقيهن شرور المتحرشين المتربصين والعابرين.
ومرة أخرى، ستمتلئ المساجد عن آخرها لما فيه مصلحة “أصحاب الديسير” الذين يعرفون جيدا أوقات كل الصلوات وإن كانوا لا يصلون في الغالب.
ومرة أخرى، سيطفو إلى السطح الجدال السنوي حول مشروعية الإفطار العلني. ومرة أخرى، لن يحسم الجدال وسيتم تأجيل الخوض في الموضوع من جديد إلى رمضان الموالي.
ومرة أخرى، ستنتصب الرادارات الآدمية لرصد من يصوم بالفعل ومن يتظاهر بالصيام فقط، ومن يواظب على صلاة التراويح ومن يفضل متابعة جديد الدراما المغربية والعربية وذلك في أفق ترتيب الجزاءات “القانونية”.
ومرة أخرى، سيندم السياح النصارى على اختيار هذه الفترة بالذات من السنة لقضاء عطلتهم ببلد مسلم، إذ أن الأجواء العامة السائدة خلال النهار ستقلص حتما من درجة استمتاعهم بالتواصل مع الأهالي وبمؤهلات البلاد وخصوصياتها، بل منهم من سيجد صعوبة حتى في إفراغ متانته بالشارع العام بحكم الإغلاق الذي يطال كل المقاهي والمطاعم خلال هذا الشهر وبحكم الغياب شبه المطلق للمراحيض العمومية بمجموع التراب الوطني.
ومرة أخرى، ستستقبل مخافر الشرطة أفواجا محترمة من “المقطوعين” الذين يجدون أنفسهم أحيانا متورطين في جرائم مجانية لأتفه الأسباب.
ومرة أخرى، سيتخذ البعض من السفر عبر الطرق السيارة أو “البراق” أو الطائرة ذريعة للإفطار.
ومرة أخرى، ستتراجع الإنتاجية بكل القطاعات لأن البطن الجائع هو بطن ثائر بالضرورة وبلا أذنين ولا يهمه لا حجم الإنتاج ولا الأرقام المرتبطة بالصادرات والواردات ولا المنحى العام لمؤشري “مازي” و”مادكس”. (المغاربة لا يشبهون البشاعة الحادة بالجوع عبثا!!
ومرة أخرى، سيكون هناك من يذكرك بأن التطيب بالعطور حرام خلال ساعات الصيام وبأن تجاهل هذه الجزئية قد يحرمك من حور العين وفواكه الجنة ونبيذها.
ومرة أخرى، سيتفضل خبراء التغذية وثلة من الأطباء وأشباه الأطباء بتذكيرنا -عبر كل الوسائل المتاحة- بالطريقة المثلى لتحقيق توازن غذائي خلال هذا الشهر الاستثنائي، ومنهم بالطبع من سيحاول إقناعنا بأن تمرة واحدة ونصف “زلافة” من شوربة الخضر كافيان كوجبة إفطار، وبأن ربع رغيفة صغيرة ورأس سمكة كافيان كوجبة عشاء، وبأن ثلث “بطبوطة” وكأسا محترما من الشاي كافيان كوجبة سحور… مع وجوب الإكثار من شرب الماء.
ومرة أخرى، سيبدي المغاربة قدرة فائقة على الجمع بين طحن الأطعمة ومتابعة السيتكومات الرمضانية وحصص الكاميرا “المفروشة” وطوفان الوصلات الإشهارية التجارية، دون أن يكون لذلك أدنى تأثير لا على صفاء ذهنهم ولا على درجة استمتاعهم بما هو متاح من مأكولات ومشروبات ولا على سلاسة عمل أمعائهم.
ومرة أخرى، سيجتهد عدد من العاطلين والمتقاعدين في قتل الوقت، وقد يلتجئون إلى كل أنواع المبيدات الممكنة بما فيها النوم المطول والاستعمال العشوائي للمحمول والتلفزيون والسير وراء جنائز المجهولين والتجمهر حول حوادث السير وحضور جلسات المحاكم حتى وإن كانوا غير معنيين بها لا من قريب ولا من بعيد.
ومرة أخرى، ستتحول شوارعنا قبيل موعد الإفطار إلى حلبة لسباق السيارات والدراجات وكأن هناك آية قرآنية أو حديث نبوي أو فتوى دينية تفيد بإلزامية التسمر حول مائدة الأكل في الموعد المحدد لرفع أذان صلاة المغرب أو انطلاق صوت “الزواكة” وإلا اعتبر الصيام لاغيا.
ومرة أخرى، سيشهد التاريخ بأنه إذا كان الجزائريون أبطالا في الوفاء بركن الحج، وإذا كان الموريتانيون أبطالا في أداء ركن الصلاة، وإذا كان الليبيون أبطالا في إخراج الزكاة، وإذا كان التونسيون أبطالا في التفوه بالشهادتين، فإن المغاربة لا يغفرون لمن تسول له نفسه إفطار رمضان… ولو كان على مشرحة!!
ومرة أخرى، ستختلف مواضيع النهار التي ستعج بها مواقع التواصل الاجتماعي عن مواضيع الليل (بعد صلاة التراويح طبعا).
ومرة أخرى، ومع دنو نهاية الشهر الكريم، ستتناسل المعطيات الفلكية بخصوص اليوم المتوقع للاحتفال بعيد الفطر السعيد وسيحتدم النقاش من جديد بين من يعتقدون بأن عيدنا سيتزامن هذه السنة مع عيد الليبيين التابعين للمشير خليفة حفتر، وبين من يعتقدون بأن توقيت عيدنا لن يختلف عن توقيت عيد السودانيين التابعين للفريق أول عبد الفتاح البرهان… إلى أن يقطع بلاغ الجهة المعلومة الشك باليقين.
ومرة أخرى، سيظهر الزمار على شاشات القنوات التلفزيونية العمومية لدقيقة أو دقيقتين إيذانا بالعودة الوشيكة لإيقاع الحياة الأساسي، وسيشرع شلال بطاقات التهاني الجاهزة في التدفق، وسيعاد فتح الحانات، وستفرغ المساجد من “كليان” رمضان، ولن تجد “الحريرة” من يسأل عنها، وسيهمش التقويم الهجري تاركا مكانه للتقويم الميلادي العالمي… وستعود حليمة إلى عادتها القديمة.
ملحوظة ختامية: هذا المقال ما هو في الواقع سوى دعابة الغاية منها أخذ استراحة من الأخبار الواردة من غزة وما يرافقها من صور الدمار والقتل والتنكيل والتشرد والنحيب والدموع والأطراف المبتورة والدماء المراقة وصيحات النساء والأطفال (وحتى صيحات الرجال) المرسلة مباشرة إلى السماء دون المرور عبر “جامعة التنديد العربية” أو “مجلس الرعب الدولي”.
ألا يقولون بأن شر البلية ما يضحك؟
محمد كرم – هسبريس المغربية
كانت هذه تفاصيل خبر رسمياً.. رمضان يوم فاتح رمضان لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.
كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على كوش نيوز وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.