التفكير الواضح فى ظل مشهد الحرب الاعتيادى

نستهل العام الجديد وكل ملفات الصراع فى المنطقة تندرج تحت عنوان ازدادت اشتعالًا كالحالة الفلسطينية الممتدة منذ أكثر من سبعة عقود، أو شبه متجمدة مؤقتًا كالحالة الليبية، وفى الواقع ان أخطر ما يواجه العالم العربى اليوم أن تتواصل الأيام والشهور على مشهد الحروب والأزمات العديدة وكأنه أمر عادى على الجميع التعايش معه، والمعضلة الأسوأ بالنسبة لنا فى مصر أننا مُحاطون بهذه الأزمات على طول حدودنا البرية كلها بلا استثناء. والآن نقترب من بداية الشهر الرابع على الحرب الوحشية فى غزة، ويتواصل نزيف الدماء الفلسطينية، وكأن شيئًا لا يحدث.

وفى الجنوب يتدهور الموقف أكثر فى السودان العزيز، وقد تراجعت الآمال فى تسوية سياسية أو حسم عسكرى، وتتعقد كل يوم معاناة الشعب السودانى، الذى تهجر ونزح فى بلاده وخارجها، وتمتد المواجهات العسكرية كل فترة منذ بداية هذه الحرب منذ حوالى ثمانية أشهر إلى مناطق جديدة داخل السودان مهددة بانعكاسات خطيرة تهدد تماسك هذا البلد العزيز وبالغ الأهمية لمصر من كل الأوجه.

ومن ناحية ثالثة، يتكرس الجمود الليبى، ويزداد رسوخًا واستعصاءً على الحل، ويتواصل الانقسام والاستقطاب، والأخطر تواصل تركيا توطيد نفوذها فى الغرب الليبى بما سيكون لهذا من آثار مستقبلية لا يمكن الاستهانة بها.
والمعنى واضح أن مصر مُحاطَة بتهديدات مباشرة فى كل دول جوارها، ولو أضفنا إلى ذلك موضوع التعنت الإثيوبى فى قضية سد النهضة وتنظيم مياه النيل بشكل عادل ومنصف لقدرنا حجم التهديدات أمام الدولة المصرية، وفى الخلفية كلها حالة صراعات المنطقة وآثار كل هذا عربيًّا ومصريًّا. وهنا أود أن أسجل بعض الملاحظات القليلة بشأن هذا المشهد فى مجمله.

أولاها أن هناك معضلة أهمية كل ملف، وضرورة التنبه لما قد يسبب الانشغال الحتمى بهذه الجبهات، بحسب درجة اشتعالها، على حساب الملفات الأخرى، وهذا أمر طبيعى، ففى النهاية صناع القرار وقادة الرأى وحتى الباحثين ينتقل اهتمامهم، أو بالأدق يتشتت اهتمامهم بين الملفات المشتعلة، ولعلى أطرح نموذجًا بسيطًا لهذا، ولكنه قد يكون معبرًا ممثلًا فى حالة باحث فى الشؤون الليبية أو السودانية، ولكنه يشعر كإنسان بالانزعاج والغضب والارتباك فى متابعته الملفات بسبب حجم الدمار والجرائم التى ترتكبها إسرائيل فى غزة. والمشكلة تتعقد عندما ننظر إلى سلاسل عملية صنع القرار، وتتصاعد بحيث يكون الأمر معقدًا للغاية عند منظومة صنع القرار العليا، ولعل ارتباك منظومة صنع القرار الأمريكية- وهى دولة عظمى لا نظير لتكوينها المؤسَّساتى- فى الملف الأوكرانى بسبب الانشغال بملف غزة يوضح مدى تعقد الأمر فى هذا البُعد. وهنا يصبح الإشكال هو أن يكون الانشغال بملف شديد السخونة على حساب ملف آخر أقل سخونة بعض الشىء، ورغم الأهمية الاستراتيجية الكبرى للقضيتين.

ثانيتها أن هذه المعضلة تثير، بل تفرض ضرورة الانتباه لمسألة التخطيط الاستراتيجى فى السياسة الخارجية، وحين نبدأ من هذه النقطة يتداعى على الفور أحد أهم مبادئ التخطيط، وهو مبدأ الأولويات أو ما يسمى أحيانًا فقه الأولويات، وهو ما يعنى أن التعامل مع الأزمات سيكون وفقًا لمدى أولويتها لدى الدولة، هنا تنفرد مصر بين الدول العربية الأخرى بأن 3 من هذه الأزمات، وهى غزة والسودان وليبيا، تمثل تهديدًا لأمنها القومى وكل حدودها البرية، وأن الأكثر اشتعالًا فى المنطقة الآن هى غزة والسودان، ليوضح هذا مدى خطورة العبء بهذا الصدد. ولكن التخطيط الاستراتيجى يقدم لنا حلولًا بهذا الصدد من خلال تنويع الأدوات وتوظيفها بشكل مرن للتعامل مع تحدى تداخل الأولويات، المهم أن يكون واضحًا ألّا تُترك أزمة ما طاغية، ومُهمِّشة لأخرى، وخاصة لو كانت الاثنتان ضمن أولويات الدولة. كما يبرز بُعد آخر من أبعاد مفهوم التخطيط الاستراتيجى، وهو مفهوم التفكير الواضح، الذى يجب أن يقاوم الضغوط الناجمة عن تأثير الأزمة، فما بالنا لو تعددت الأزمات.

أما الملاحظة الثالثة، التى تستحق التنبه، فهى النتائج الاجتماعية لظاهرة الحروب المستمرة والعنف الذى لا يتوقف على الصحة النفسية للمتابعين، وحتى انعكاس هذا على صانعى القرار والتنفيذيين، وبشكل أكبر على صغار السن فى كافة المجتمعات العربية. والحقيقة أن هذا البُعد يتعلق بالمجتمع والأفراد، الذين يستيقظون منذ أكثر من عشر سنوات على أنباء الحرب والقتل ومشاهد العنف، والتى تعاظمت بمستويات غير مسبوقة بشكل خاص فى حالة العدوان الإسرائيلى الشرس على الشعب الفلسطينى فى غزة وفى الضفة كذلك، فضلًا عن مشاهد العنف والخراب فى السودان فى فترة زمنية وجيزة لم تشهدها حالات الصراع الأخرى فى المنطقة خلال العقد السابق، ولست بحاجة للتنويه فيما يتعلق بمشاهد غزة بشكل محدد وتأثير هذا مجتمعيًّا ونفسيًّا مصريًّا وعربيًّا، وهنا يجب التنبه لما يمكن أن يسببه هذا، وأرجو ألّا يتوهم أحد أنه يمكن حجب الصورة، فهذا الحجب فى ذاته قد تكون له انعكاسات أخطر وتساؤلات حول المصداقية والاعتبارات التى تكون خلف حجب المعلومات، فضلًا عن استحالة هذا عمليًّا، وبالتالى فهذا الأمر يحتاج إلى اهتمام من علماء النفس والاجتماع وكذا المؤسسات الثقافية والدينية.

السفير محمد بدر الدين زايد – المصري اليوم

كانت هذه تفاصيل خبر التفكير الواضح فى ظل مشهد الحرب الاعتيادى لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.

كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على كوش نيوز وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.