كتبت أسماء لمنور في الأربعاء 13 نوفمبر 2019 01:17 صباحاً - احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.إشتراك
الصين وإيران
بدأ كلامه مستغرقاً في استعراض قوة معسكره الإقليمية في اليمن أولاً، وقوة إيران المالية، على الرغم من العقوبات الدولية، مستحضراً اكتشافها حقلاً نفطياً جديداً. ثم دعا لبنان إلى العزوف عن الارتباط بالسوق الاقتصادية الغربية، والاستعاضة عنها بالسوق الصينية. ثم تحدث عن الفساد ونزّه حزبه عنه، ورفّع نفسه عن كل القوى التي يتشارك معها أو يحالفها منذ سنوات وسنوات.
المزيد من الأخبار
وفي معرض تبسيطه الأزمة الاقتصادية والسياسية العميقة التي يعيشها لبنان، سخّف نصرالله هذه الأزمة لجمهوره، فاعتبرها نتاج عقوبات أميركية تعتدي على سيادة لبنان في علاقاته التجارية والاستثمارية مع الدول الأخرى. أما وصفته السحرية لحل الأزمة وإنقاذ البلد، فهي الانفتاح على سوريا والعراق وإيران، من خلال حكومة وطنية سيادية، أي تقتصر على حزبه وحلفائه.
تناقض وتهافت
جاء كلامه كله مجرداً وتهويمياً، سواء في مكافحة الفساد (ناشد القضاة ليكونوا نزيهين وشجعاناً، مثل شهداء حزبه)، أو في السياسة وتشكيل الحكومة. وبما أنه يريد حكومة “سيادية” فلماذا إصراره على التمسك بالحريري؟ وهل يريد منه أن يشكل له الحكومة التي يريدها، أم الحكومة التي يراها مناسبة للبلد؟
لم يتحدث نصرالله عن الملف الحكومي، تاركاً المجال للاتصالات غير العلنية. هذا خير دليل على أن الحريري لم يقدّم بعد أي جواب حول قبوله تشكيل الحكومة، وفق الشكل الذي يوافق عليه حزب الله. وهذا يعني أن الحريري لم يحسم خياره في عدم تولي رئاسة الحكومة، ولكنه يريد إجراء اتصالات وانتظار أجواء إيجابية من بعض الدول للموافقة على منح الغطاء لهذه الحكومة.
حاجة حزب الله للحريري رئيساً للحكومة، أكبر دليل على أنه يريد غطاءً دولياً للبنان وحكومته. أما “الحكومة السيادية” في كلام نصرالله فمتروكة إلى حين رفض الحريري نهائياً السير بالصيغة التوافقية. وهذا يعني من منظور الحزب أن الحريري رضخ للضغوط الأميركية التي ستستمر بالمواجهة، فيدخلها حزب الله من بوابة تشكيل “حكومته السيادية”. وهنا قمة التناقض والتهافت: ضرورة الغطاء الدولي بواسطة الحريري، والدعوة إلى مواجهة أميركا وقراراتها الدولية.
وحصر نصرالله مطالب الشارع في مكافحة الفساد فقط. بل حولها كلها إلى مسألة قضاء ومصارف فقط. وهو في هذا حيّد السلطة السياسية من وجوب اتخاذ القرارات اللازمة المتلائمة مع مطالب الشارع. وكعادته الدائمة قدم نصرالله نفسه طرفاً راعياً لمكافحة الفساد، ولا علاقة له بالقوى السياسية ولا بوقف الاستثمارات، ملقياً التهم في ما يعيشه لبنان على الأميركيين.
تمجيد الحوثيين والحرب
في حديثه المطول عن اليمن العراق وسوريا وإيران والصين، أعطى نصرالله انطباعاً بأنه يهدد بضم لبنان إلى معسكره الميمون في الجغرافيا والعلاقات السياسية المطروحة، وفي ظل سوء علاقته بالمجتمع الدولي. وهو في هذا يتناسى أن لبنان مهم له ولإيران، لأنه ساحة لهما لابتزاز أميركا والغرب منه. ويتناسى أيضاً أن لبنان يدفع كلفة حزبه وكلفة الدولة اللبنانية المتآكلة. ومن يدفع الغرم هو الشعب اللبناني، بينما يفوز حزب الله بالغنم السياسي والاقتصادي. ولطالما تحدث نصرالله عن عدم تأثره العقوبات، من دون إقامته أي اعتبار أو حساب لقتال حزبه في دول عربية مختلفة، من سوريا إلى العراق واليمن التي أمضى ثلث ساعة من كلمته في تمجيد الجماعة الحوثية فيها وفي حبها للاستشهاد، مثل حزبه .
والأهم في تناقضات ما قاله نصرالله هو أن النفوذ الإيراني غير موجود في لبنان. ليقول في سياق آخر من كلمته أن إيران هي رأس المقاومة المطلوب قطع يدها. وهذا يعني ضمناً أنه وضع المقاومة كلها في صلب المشروع الإيراني، ونزع عنها لبنانيتها ومشروعيتها اللبنانية.
تحدث نصرالله عن اليمن والانتصارات التي تُسجل هناك باعتبارها انتصاراته. كما تحدث عن وضع إيران الداخلي، وعلاقاتها بالأميركيين والغرب. لكنه لم يتحدث عما يجري في العراق، علماً أن المعارضة العراقية ضد الحكومة التي توافقت عليها طهران وواشنطن. فما علاقة المتظاهرين بالأميركيين، إذاً؟ على ما يردد نصرالله؟ هو حاول تجنب الحديث عما يجري في العراق، مشيداً بالانتصارات الإيرانية في المنطقة. لكنه جاء على ذكر العراق فقط في حديثه عن افتتاح معبر البو كمال وتصدير المنتجات الزراعية اللبنانية إلى هناك. وعلى هذا النحو يحل لبنان أزمته المالية والاقتصادية!
وموقف نصرالله من الأميركيين والصينيين والحكومة المزعومة سيادية، هو تمهيد للمرحلة المقبلة، في حال حصلت تطورات غير إيجابية في ما يتعلق بالعلاقة مع الحريري، لتشكيل الحكومة الجديدة، ورسم خارطة طريقها. وهي ستكون حكومة ممانعة ومواجهة جديدة ضمن المحور الإيراني الذي استعرض نصرالله قوته من اليمن إلى سوريا والعراق.