تتناول رواية كاكوتا ميتسويو نظرة مخيفة ومقلقة على القيم والهوية في عالم تملئه الشائعات والأخبار المزيفة.
واحدة من الموضوعات الرئيسية التي تتناولها رواية كاكوتا ميتسويو الأخيرة ”هاكوبونى أو موياسو“ (حرق السفينة أو الملاذ الآمن) هي طبيعة الشائعات والأقاويل وصعوبة التأكد من صحتها والتحقق منها.
في البداية، يتم التطرق إلى الموضوع بخفة وبساطة، وكأنه طبق جانبي في قائمة طعام مطعم، لكنه تدريجيًا يبدأ في اكتساب وزنًا وأهمية. وبحلول النهاية، وجدت أن التحليل الدقيق لهذه الأسئلة التي يطرحها الكتاب بدأ يزعزع ثقتي في قدرتي على التمييز بين الحقيقة والكذب. كان هناك شيء مقلق ومزعج في الطريقة التي تسللت بها القصة ومواضيعها إلى أعماق ذهني.
وفي بعض الأحيان، كنت أشعر أن قراءة هذه الرواية كالصدمة القوية في أعماقي الداخلية؛ النهاية تركتني في حالة من الذهول المرعب إزاء براعة المؤلفة في نسج أحداث القصة بطريقة خادعة، حيث تمكنت من التلاعب بمشاعر قرائها وزرع الشك في نظرتهم ومعتقداتهم حول العالم.
الأساطير الحضرية والمعتقدات الشعبية
تدور أحداث القصة حول شخصيتين رئيسيتين. إحداهما صبي ولد في جبال محافظة توتّوري في أوائل الستينيات. والأخرى امرأة تتخرج من المدرسة الثانوية في طوكيو في نفس الوقت تقريبًا وتبدأ العمل في شركة لصناعة الحلويات. في الجزء الأول من الرواية، تتطور حياتهما بشكل منفصل، يتم الوصف بالتناوب بينهما في حلقات تعيد لحظات معينة من تلك الأيام في أعوام (تستخدم المؤلفة طريقة الفلاش باك لإعادة لحظات مهمة في حياة الشخصيتين): 1967، 1976، 1980...
على سبيل المثال، كان الأخ الأكبر لصبي توتّوري مهووسًا لفترة بجهاز الراديو، وأنا شخصيًا أستطيع أن أتذكر تلك الآلات السوداء، وتلك الضوضاء المميزة التي سمعتها ذات مرة تصدر من غرفة نوم ابن عمي.
تشعر بطلة الرواية بأنها تحت الضغط الاجتماعي للزواج والاستقالة من وظيفتها والتفرغ للحياة الأسرية قبل فوات الأوان، قد يستدعي شعورها بالارتياح عند تحقيق هذا الطموح المتواضع ذكريات حلوة ومرّة لدى القراء الذين عاشوا في عصر كان فيه دور المرأة في سوق العمل محدودًا قبل سن قوانين المساواة وتكافؤ الفرص في العمل.
تدور أحداث الرواية حول أحداث من التاريخ الحديث - مخاوف الأمهات غير المنطقية بشأن تطعيم الأطفال، وطلاب المدارس الثانوية الذين يجربون الشعوذة على غرار لوحة الويجا ويقنعون أنفسهم بأنهم قد أصيبوا باللعنة، ومناقشات جادة حول نبوءات نوستراداموس، ومشكلة الألفية، والعديد من الأساطير الحضرية الأخرى والمعتقدات الشعبية شبه المنسية التي ستدفع العديد من القراء إلى موجة من الاعتراف، سواء كانوا في سن كافية لتذكر هذه الأحداث أم لا.
إن الجزء الأول من الكتاب أكثر استرخاءً بكثير من الجزء الثاني. ويرجع أحد الأسباب وراء ذلك إلى أننا نعيش بالفعل في ”المستقبل“ من منظور الأحداث والظواهر الموصوفة. فنحن نعلم أن ”ملك الإرهاب العظيم في إشارة للمسيح الدجال“ لم ينزل على العالم (كما تنبأ نوستراداموس) وأن خطأ الألفية لم يتسبب في تعطل أجهزة الحاسوب في العالم ولم يطلق العنان لكارثة عالمية. نحن نعلم أن القرن الحادي والعشرين بدأ دون وقوع حوادث كبيرة وأن نهاية العالم لم تحدث...
نحن نشاهد من موقعنا الآمن في المنطقة الآمنة من المستقبل ونشهد كيف تتأرجح حياة البطلين بسبب الشائعات والمعلومات غير الموثوقة.
قصة تجذبك إلى أعماقها
الجزء الثاني يقفز بأكثر من عقد إلى المستقبل، إلى عام 2016، في هذا الجزء تكون الكارثة الطبيعية قد حدثت بالفعل عندما دمر التسونامي المدن الساحلية في توهوكو في مارس/آذار عام 2011، ولكن قبل حدوث جائحة كوفيد-19 الذي لا يزال في المستقبل.
هنا تتقاطع حياة البطلين لأول مرة. فتلميذنا من توتّوري يعمل الآن في مبنى البلدية المحلي، ويتطوع في مؤسسة خيرية تدير كافيتريا تقدم وجبات بأسعار معقولة للأطفال من الأسر ذات الدخل المنخفض. وتظهر المرأة، التي تبلغ من العمر الآن 60 عامًا وتعيش بمفردها منذ وفاة زوجها، في الكافيتريا ذات يوم كواحدة من الطهاة الذين يساعدون في الطهي. ولم يحدث شيء دراماتيكي نتيجة لهذا اللقاء - على الأقل ليس في البداية.
وبينما يستقر كل منهما في دوره، تتقاطع حياتهما تدريجيًا بشكل متكرر من خلال نقطة الالتقاء المشتركة. ويعيش كل منهما بمفرده لأسباب مختلفة ــ الطلاق، أو الحزن، أو الأطفال الذين كبروا وتركوا المنزل. وتستمر الحياة على هذا المنوال.
ثم يتم الإعلان عن متحور جديد من فيروس كورونا في الصين. تختفي الأقنعة الجراحية من على الرفوف، وتطلب الحكومة من الناس البقاء في منازلهم، وفي النهاية يتم تطوير اللقاحات وتبدأ برامج تلقي اللقاح.
في الجزء الأول من الكتاب، سيقرأ معظم القراء من موقعهم المتميز في ”منطقة الأمان“ في المستقبل، وينظرون باستمتاع إلى الشائعات والأساطير الحضرية التي حدثت في الماضي، مطمئنين بمعرفتهم كيف ستنتهي هذه الأمور. ولكن في الجزء الثاني، تتحرك القصة خطوة أقرب إلى الوقت الحاضر – 2017، 2018... وبينما نتابع القصة، نبدأ في الشعور بأن واقعنا على وشك أن يبتلعه فم القصة الدائري الشبيه بالدوامة.
تُبلغ الناس عن الحانات التي تظل مفتوحة خلال حالة الطوارئ، على الرغم من القيود المفروضة على تقديم الكحول، والنزاع بين مؤيدي اللقاحات والمعارضين لها، وكميات هائلة من المعلومات تغمر وسائل التواصل الاجتماعي... هذه أحداث قريبة جدًا من لحظتنا الحالية لدرجة أن إحساسي بالرواية تغير تمامًا عندما وصلت إلى هذا الجزء من القصة. أدركت أنني لم أعد أعرف على وجه اليقين أي الأجزاء كانت صحيحة وأيها كانت خاطئة؛ أي الأجزاء يمكنني السخرية منها بأمان وأيها كانت أكثر جدية. فجأة بدأت أرى الرواية بأكملها بطريقة مختلفة تمامًا.
”أعلم أن الجميع يعتقدون أنهم يستطيعون خداع امرأة عجوز مثلي بسهولة“. بطلة الرواية تردد هذه الكلمات في كثير من الأحيان. تبدأ في الشك في أن الحكومة تجبر كبار السن على تلقي اللقاحات ضد إرادتهم، وأن هناك مؤامرة لإخراج الناس من منازلهم بإخبارهم بضرورة الإخلاء بسبب إعصار قادم. تصبح متشككة في الأشخاص من حولها، غير متيقنة بمن يمكنها أن تثق به.
ماذا يعني أن يخدع شخص ما؟ قد أشعر يقينًا بأنني أفكر بنفسي وأتخذ قراراتي بنفسي، ولكن ماذا لو كنت أتعرض للخداع طوال الوقت، ولم ألاحظ ذلك؟ فجأة، تبدو القيم والمعتقدات التي اعتقدت أنها تخصني تتزعزع وتتغير.
لقد ظننت عندما بدأت قراءة الرواية أنني أقرأ قصة عن شخصين وهميين، وأنني أقرأها من أجل التسلية فقط. ولكن بعد فترة بدأت أشعر بإحساس مربك بأنني أنا أيضاً أُجتذب إلى القصة وكأنني جزء منها: وكأنها قصة تحكي تفاصيل حياتي أنا. لم أعد أشعر بالثقة في قدرتي على التمييز بين الحقيقة والخيال، ومعرفة ما هو صحيح وما هو كاذب. بدأت أشك في كل ما فعلته في الماضي ــ وتساءلت: هل اتخذت القرار الصحيح؟ أحيانًا كنت أشعر برغبة عارمة في الصراخ.
ما هو الخط الفاصل بين الحقيقة والكذب؟
لقد أصبح مصطلح ”الأخبار الكاذبة المزيفة“ مصطلحًا شائعًا في الخطاب اليومي.
لقد سهلت التقنيات الحديثة مثل وسائل التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي انتشار الديماغوجية والشائعات والخداع، مما جعل الخط الفاصل بين الحقيقة والكذب غير واضح أكثر من أي وقت مضى.
ولكن برغم أن هذه التقنيات لم تكن موجودة في الماضي، فإن الوضع الأساسي الذي نعيشه ربما لم يتغير كثيرًا. فالشائعات (أو ما نعتبره شائعات) تنتشر، ويكافح الناس للتمييز بين الحقيقة والكذب، ويقتنع بعض الناس بالشائعات الكاذبة ويبدئون في الترويج لها والتصرف بغير عقلانية. والمفترض أن نفس النمط الأساسي للسلوك البشري كان موجودًا منذ العصور القديمة.
هل هناك حقًا فرق كبير بين نوستراداموس والشائعات التي انتشرت حول فيروس كورونا؟
كتاب كهذا يجعلنا ندرك أنه على الرغم من ثقتنا الزائفة بأننا نستطيع بسهولة كشف الأكاذيب التي ضللت الناس في الأزمان السابقة، إلا أننا في الواقع نكافح أيضًا لمعرفة ما هو حقيقي وما هو كاذب.
إذا حدث شيء ما الآن، فكيف سيكون رد فعلك؟ هذا هو نوع السؤال الذي يطرحه الكتاب على القراء مع اقتراب الحبكة من نهايتها في الجزء الثاني.
هل الأشياء التي نؤمن بها حقيقة أم كذب؟ ما الذي يمكننا أن نتمسك به خلال رحلة الحياة؟ مثلي، قد يشعر العديد من القراء بفقدان الثقة في إجاباتهم على هذه الأسئلة المزعجة عند الوصول إلى الصفحة الأخيرة.
(المقالة الأصلية نشرت باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: غلاف هاكوبونى أو موياسو. بإذن من شينتشوشا.
هاكوبونى أو موياسو
بقلم المؤلفة كاكوتا متسويو
نشرت من قبل دار النشر شينتشوشا في فبراير عام 2024
الرقم الدولي للكتاب: 978-4-10-434608-0
كانت هذه تفاصيل خبر اليابان | ما هي الحقيقة حول ”حرق السفينة“؟ لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.
كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على نيبون وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.
أخبار متعلقة :