اليابان | هل يقود إيشيبا شيغيرو تحولاً شاملاً في السياسة اليابانية؟

على مدار أربعة عقود، حافظت السياسة اليابانية على مسار ثابت تمثل في سيطرة الحزب الليبرالي الديمقراطي على السلطة، بغض النظر عن التحولات الاجتماعية والسياسية في البلاد. ولكن اليوم، تبدو اليابان على أعتاب تغيير سياسي كبير. مع تولي إيشيبا شيغيرو رئاسة الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم، وفي الوقت الذي يسعى فيه نودا يوشيهيكو لتوجيه الحزب الدستوري الديمقراطي المعارض نحو الوسط لتعزيز فرصه الانتخابية، تتسارع وتيرة التغيير في المشهد السياسي. في هذا الموضوع، نستعرض هذه التحولات السريعة، وعلاقتها بالتحديات الأمنية الإقليمية والضغوط الاقتصادية المتزايدة، لنفهم مستقبل السياسة في اليابان.

عودة سياسي يعتبر من الماضي

حتى وقت قريب، كان إيشيبا شيغيرو يعتبر من الساسة الذين عفا عليهم الزمن داخل الحزب الليبرالي الديمقراطي. وما كان إيشيبا ليحظى بفرصة للعودة إلى الساحة لولا الكشف عن فضيحة داخل الحزب الليبرالي الديمقراطي حيث تعمدت بعض الفصائل عدم الإفصاح عن عائدات حصلت عليها من فعاليات لجمع التبرعات ثم استخدمتها كرشاوى وعمولات، مما تسبب في أزمة كبيرة للحزب. في الوقت نفسه، عاد رئيس الوزراء السابق نودا يوشيهيكو إلى الساحة السياسية بعد الهزيمة الساحقة التي تعرض لها في الانتخابات المبكرة لمجلس النواب التي دعا إليها في عام 2012، وهي الهزيمة التي جعلته يتنحى عن منصبه كرئيس للحزب الديمقراطي الياباني المنحل الآن، وقد تم اختياره الآن كزعيم جديد للحزب الدستوري الديمقراطي. والواقع أن الصدام بين هذين الزعيمين في انتخابات مجلس النواب المقبلة سيؤدي إلى إعادة تشكيل السياسة اليابانية.

فبعد إقصاء المرشح المفضل، كويزومي شينجيرو، من سباق الزعامة، تغلب إيشيبا على منافسته تاكائيتشي ساناي في جولة الإعادة، مما جعله زعيماً للحزب الليبرالي الديمقراطي. فكيف ينبغي لنا أن ننظر إلى هذا التطور في الأحداث؟

رغم أن الفصائل لم تكن لها علاقة بتلك المنافسة على الزعامة، حيث أنها جرت بعد حل كل فصيل من فصائل الحزب الليبرالي الديمقراطي، باستثناء الفصيل الذي قاده رئيس الوزراء السابق آسو تارو، إلا أن بعض الفصائل صوتت على أساس ولائها لفصائلها وعلاقاتها الشخصية. وقد كان هذا متوقعاً إلى حد ما، فالسياسة في نهاية المطاف هي صراع على السلطة تختلط فيه المشاعر بالرغبة. وبعد أن تابعت التسلسل الهرمي الداخلي للحزب الليبرالي الديمقراطي على مدى السنوات العشر الماضية، كان رد فعلي الصادق هو: ”حسناً فعلت يا إيشيبا أن تمكنت من العودة والفوز بالتصويت الحاسم“.

لكن المراقب للموقف من بعيد سيحظى بمنظور مختلف قليلاً، وسيدرك أن ما يحدث ليس بجديد بل إنه مجرد تكرار لما يمكن تسميته بمنطق البندول المميز للحزب الليبرالي الديمقراطي. وهذا البندول هو استراتيجية مكّنت الحزب الليبرالي الديمقراطي من التشبث بالسلطة من خلال تغيير زعيمه بشكل دوري، مثل ثقل يتأرجح من اليسار إلى اليمين.

لقد كان إيشيبا على علاقة سيئة مع اثنين من مراكز القوى داخل الحزب فضلاً عن كون كل منهما رئيس وزراء سابق، وهما شينزو آبي وآسو تارو، مما وضعه في خانة المعارضة داخل الحكومة منذ منتصف ولاية آبي. واضطر فصيل إيشيبا نفسه، Suigetsukai، الذي أطلقه في عام 2015، إلى التفكك فعليًا في نهاية عام 2021 تحت ضغط من آبي. وداخل الحزب الليبرالي الديمقراطي، كان يُنظر إلى إيشيبا على أنه شخص من الماضي. في ظل هيكل السلطة الذي ترأسه آبي أولاً، ثم خليفة آبي، سوغا يوشيهيدي، وأخيراً كيشيدا فوميئو، وهو سياسي آخر لم يفلت قط من نفوذ آبي، لقد تم تهميش إيشيبا لمدة عشر سنوات لذا فإن توليه منصب رئيس الوزراء يعد بمثابة بندول يتأرجح من الهامش إلى قلب الأحداث. إن اختيار إيشيبا يعني تغييراً فعلياً في الحكومة.

لطالما كان إيشيبا يصف الأشياء كما يراها، ليس فقط فيما يتعلق بفضيحة التبرعات الأخيرة، بل وأيضاً مع قضايا سياسية أخرى، غير مبالٍ باستهجان حزبه له. ولهذا السبب، لم تكن سمعته داخل الحزب الليبرالي الديمقراطي جيدة. لكنه من ناحية أخرى كان يتمتع بشعبية بين الناخبين وكان دائماً في صدارة قائمة رئيس الوزراء المفضل بالنسبة للناخبين، وهو الأمر الذي ساعده في أن يصبح زعيماً ليثبت ببساطة أنه لا يمكن التكهن أبداً بما قد يحدث في عالم السياسة.

في الوقت نفسه، فإن انتخاب الزعيم الجديد يعكس أيضاً إصرار الحزب الليبرالي الديمقراطي الذي يتلخص هدفه الرئيسي في البقاء في السلطة. وأعتقد أن هذا يشكل دليلاً على ما يمكن أن نطلق عليه الحكمة أو حتى غريزة البقاء التي يتسم بها حزب قادر على التكيف إلى حد كبير، وهو الحزب الذي سيفعل أي شيء من أجل ضمان بقائه، حتى أنه انضم إلى الحزب الاشتراكي الياباني في عام 1994.

إلا أن هناك تساؤلات كبرى حول مدى قدرة الحكومة التي يقودها إيشيبا على العمل. فمع تفكك الفصائل الحزبية، اختفت الهياكل القديمة ولم يعد هناك مركز واضح للسلطة، فأصبح من غير الواضح كيف سيجمع رئيس الوزراء الجديد أعضاء البرلمان المتناثرين. والواقع أن الحزب الليبرالي الديمقراطي، الذي سيُتم عامه الثمانين في العام المقبل، على وشك أن يصبح تجربة عظيمة في التاريخ السياسي، وسوف يضطر إلى إيجاد الإجابة على هذا السؤال في المستقبل القريب.

السعي إلى تشكيل حكومة وسطية

تحت شعارات ”هذه عشية حكومة جديدة“، و”ليس في عهدي“، يأمل زعيم الحزب الدستوري الديمقراطي نودا يوشيهيكو في إحياء حلمه القديم بفوز الحزب الديمقراطي الياباني على الحزب الليبرالي الديمقراطي في انتخابات عام 2009. والواقع أن استراتيجية الحزب الدستوري الديمقراطي واضحة. فمن حيث التسلسل من اليسار (الليبرالي) إلى اليمين (المحافظ)، يريد الحزب الدستوري الديمقراطي الانتقال من موقفه الليبرالي الحالي إلى الوسط. من خلال الانتقال من اليسار المؤيد للحزب الشيوعي إلى اليمين المؤيد للحزب الليبرالي الديمقراطي، كما يسعى الحزب الديمقراطي الياباني للوصول إلى تلك المكانة على الطيف السياسي التي يشغلها أكبر عدد من الناخبين، ويهدف إلى الفوز بأصوات الناخبين الأقل ولاءً للحزب الليبرالي الديمقراطي الذين ابتعدوا عن الحزب بعد فضيحة التبرعات، والمحافظين المعتدلين والوسطيين غير الملتزمين.

وقد تم تأكيد هذا النهج أكاديميًا. فقد افترض عالم السياسة الأمريكي أنتوني داونز (1930-2021) أن عددًا قليلاً جدًا من الناخبين يشغلون الهامش، وأن معظم الناخبين يشغلون مركز الطيف السياسي. وتنص نظريته على أنه إذا أراد حزب سياسي تعظيم الدعم، فإنه يحتاج إلى الانتقال إلى المركز، حيث يوجد أكبر عدد من الأصوات. لذلك، إذا أراد الحزب الديمقراطي الياباني الوصول إلى السلطة، فعليه أن ينتقل بالكامل إلى اليمين (المحافظ).

لكن في السباق على الزعامة، تفوق نودا على منافسه إيدانو يوكيو بتسعة أصوات فقط من زملائه في البرلمان. وفي الانتخابات الأخيرة، يُنسب نجاح الحزب الدستوري الديمقراطي في العديد من الدوائر إلى الدعم الذي حصل عليه من الحزب الشيوعي الياباني. لا يمكن إنكار أن الحزب الدستوري الديمقراطي ليبرالي بقوة ويميل إلى اليسار. وعندما أعلن الحزب عن زعيمه الجديد، في خطوة محسوبة لجعل الحزب أقرب إلى الوسط، سرعان ما طالته انتقادات من الليبراليين. ولما كان من غير المرجح أن يقبل أعضاء البرلمان الذين يتبنون مثل هذه العقلية المعارضة نظرية داون، فإن نودا يهدف أيضاً إلى تشكيل تحالفات مع أحزاب معارضة أخرى. ومن المرجح أن يستفيد الحزب الليبرالي الديمقراطي من انقسام المعارضة. بالتالي يأمل الحزب الدستوري الديمقراطي في وضع مرشحي المعارضة وجهاً لوجه ضد أعضاء الائتلاف الحاكم في المقاعد الانتخابية، إلى أقصى حد ممكن.

كثيراً ما يشبه نودا المعارضة بالنحل الياباني، والحكومة بمفترسها الطبيعي، أي الدبور العملاق، حيث يقول: ”في القتال الفردي، سوف يأكل الدبور النحلة. ولكن إذا عمل النحل معاً لتشكيل “كرة نحل” ​​قاتلة، حيث تقوم كل نحلة بهز عضلات صدرها لتوليد الحرارة، يمكن لمجموعة من النحل “طهي” دبور واحد حياً. إذ أن درجة الحرارة في مركز كرة النحل تصل إلى 47 أو 48 درجة مئوية، والدبابير لا يمكنها تحمل درجات حرارة تزيد عن 45 درجة، في حين يمكن للنحل الياباني تحمل درجات حرارة تقترب من 50 درجة مئوية. وبينما يسفر هجوم الدبابير عن موت اثني عشر نحلة أو نحو ذلك، فإن باقي النحل يبقى على قيد الحياة“. والمقصود هنا أن ننتظر لنرى ما إذا كانت أحزاب المعارضة، مثل النحل الياباني، ستكون قادرة على توحيد قواها لهزيمة الائتلاف الحاكم بين الحزب الليبرالي الديمقراطي وحزب كوميتو. وهل سيتمكن الحزب الدستوري الديمقراطي من التوصل إلى اتفاق مع حزب استعادة اليابان بشأن الدوائر الانتخابية التي يترشح فيها كل من الحزبين، أم سيلجأ إلى العمل بشكل أوثق مع الحزب الديمقراطي من أجل الشعب، حيث يواجه كلا الحزبين تحدياتهما الداخلية الخاصة، ولا ينوي أي من حزب استعادة اليابان أو الحزب الديمقراطي من أجل الشعب التعاون مع الحزب الدستوري الديمقراطي. في الوقت نفسه، يتحرك الشيوعيون لتقديم مرشحين يتنافسون بشكل مباشر مع الحزب الديمقراطي من أجل الشعب.

لا شك أن الحزب الدستوري الديمقراطي يريد الفوز بفترة ولاية أخرى في الحكومة، وسوف يحتاج أيضاً إلى تحقيق توافق داخلي بشأن قضايا الأمن القومي. وحالياً فإن الحزب محكوم عليه بقضاء حياته في جبهة المعارضة، تماماً كما كان الحال مع الاشتراكيين في الأيام الخوالي. ومثل ما تنبأ الأستاذ بجامعة طوكيو ساكايا شيرو، فإن نسخة جديدة من ”نظام 1955“، في إشارة إلى العام الذي تولى فيه الحزب الليبرالي الديمقراطي السلطة واحتفظ بها بثبات لمدة أربعة عقود تقريباً، مستمرة حتى يومنا هذا، وقد بدأت بإدارة آبي شينزو التي استمرت لفترة طويلة من 2012 إلى 2020. إن محاولة نودا تفكيك هذا النظام والاستيلاء على السلطة تهدد بتسريع أزمة يمكن أن تقسم حزبه.

شكل السياسة بعد عام 2024

بطريقة ما، كان ميل نودا تجاه الوسط المحافظ هو ما أدى إلى اختيار إيشيبا، الذي كان يُنظر إليه على أنه صوت المعارضة داخل الحكومة الذي يحظى بأرضية مشتركة مع المحافظين المعتدلين. وكان هذا نابعاً من الشعور بأن تاكائيتشي ساناي، الذي كان يتبنى معتقدات محافظة متشددة، ربما فاتته فرصة الوصول إلى الوسط. وبالتالي فإن اختيار إيشيبا صاحب الميول المعتدلة سوف يقلّص من نفوذ نودا. إن الجمع بين إيشيبا ونودا يقلل من تواجد الحزب الليبرالي الديمقراطي والحزب الدستوري الديمقراطي في دائرة الضوء. وإذا أدى هذا إلى معركة سياسية على المركز، فسوف يكون هذا بداية الطريق نحو نهج سياسي جديد لعام 2024.

في الماضي، كان الحزب الدستوري الديمقراطي يميل إلى الليبرالية، في حين ظل المحافظون موالين للحزب الليبرالي الديمقراطي، مما يعني أن الأخير لم يكن مضطرًا للقلق كثيرًا بشأن هذا التوازن. ولكن في المستقبل، إذا فشل الحزب الليبرالي الديمقراطي في الفوز بأصوات المحافظين المعتدلين والوسطيين، فمن المؤكد أنه سوف يعاني على الصعيد الانتخابي.

جدير بالذكر أن الحزب الليبرالي الديمقراطي يضم فصيلًا محافظًا معينًا يتبنى آراء قوية إزاء قيام رؤساء الوزراء بزيارات رسمية لضريح ياسوكوني، وما إذا كان ينبغي للأزواج أن يتمتعوا بالحق في استخدام أسماء منفصلة بعد الزواج، وشرعية الإمبراطورات. في الوقت نفسه، هناك أيضًا أعضاء في البرلمان من الحزب الدستوري الديمقراطي يتشاركون أرضية مشتركة مع الحزب الشيوعي الياباني بشأن قضايا مراجعة الدستور والأمن القومي. ومن ثم فإن كلا الحزبين منقسمان بشدة بسبب هذه الصراعات في القيم والفلسفات.

إن العلوم السياسية تخبرنا أنه في نظام الحزبين، إذا تم توزيع الانتماءات السياسية للناخبين على طول منحنى على شكل جرس، فإن السياسة سوف تميل نحو الوسط. ومع ذلك، أعتقد أنه بسبب التطرف من قبل وسائل الإعلام الاجتماعية وإضعاف جبهة الوسط، أصبح الناخبون مستقطبين، بحيث أصبحنا على شفا ما يمكن تشبيهه بثلاث قمم جبلية يسكنها الليبراليون التقدميون، والوسطيون المعتدلون، والمحافظون المتشددون على التوالي. وإذا كان الأمر كذلك، فإن التنافسات السياسية، بما في ذلك تلك التي تدور داخل الأحزاب، سوف تصبح أكثر وضوحا، وستفقد الحكومة قدرتها على تعزيز التماسك الاجتماعي، مما يتسبب في حدوث اضطرابات.

إننا عند نقطة تحول في السياسة اليابانية، كما أننا على وشك معرفة ما إذا كان تغيير القيادة الحزبية والانتخابات العامة المقبلة سوف يبشران بميلاد نهج سياسي جديد، أم سيؤديان إلى الصراع والانقسام.

(ملاحظات: تم اقتباس المناقشة حول المواقف السياسية للأحزاب من كتابي الصادر عام 2008 بعنوان Seiji o miru me nijūshi no keikensoku (قواعد التعليقات السياسية الأربع والعشرون). أما المناقشة حول آليات دفاع النحل فهي مستندة إلى عمودي المنشور في قسم كاكوشين في الطبعة الصباحية من صحيفة نيكي الصادرة في 25 مارس/ آذار 2024).

(نُشر النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: من اليسار، تاكائيتشي ساناي، وكيشيدا فوميئو، وإيشيبا شيغيرو يضمون أياديهم في حدث أقيم لأعضاء البرلمان احتفالاً بانتخاب زعيم جديد في 27 سبتمبر/ أيلول 2024، في مقر الحزب الليبرالي الديمقراطي، ناغاتاشو، طوكيو. © جيجي برس)

كانت هذه تفاصيل خبر اليابان | هل يقود إيشيبا شيغيرو تحولاً شاملاً في السياسة اليابانية؟ لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.

كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على نيبون وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.

أخبار متعلقة :