للأمم المتحدة دور حيوي تلعبه على الساحة الدولية في أوقات السلم والحرب، لكن كثراً من الناس يخلطون ما بين أداء الدول الأعضاء ومواقفها وانحيازاها وبين أداء المنظمة، لذلك انتهزنا فرصة زيارة أوسكار فرنانديز تارانكو، الأمين العام المساعد للأمم المتحدة لشؤون تنسيق التنمية، إلى طوكيو لمناقشته في هذا الأمر وأمور أخرى تتعلق بدور اليابان داخل المنظمة والتحديات التي تواجه المنظمة في ظل الحربين الدائرتين في غزة وأوكرانيا.
تقرير حول حجم التقدم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة
المحاور: مرحبًا بك في طوكيو، وأهنئك على منصبك الجديد كأمين عام مساعد لشؤون تنسيق التنمية. أنت تتعامل مع التنمية، وتحديداً مع أهداف التنمية المستدامة، التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بقضايا تغير المناخ. فما النتائج التي تتوقع أن تتمخض عنها اجتماعات مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي 2023 الجارية حالياً؟
أوسكار فرنانديز تارانكو: تتجه أنظار العالم الآن نحو المناقشات الجارية في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP28) في دبي، وذلك لمعرفة كيف يمكننا معالجة قضايا تغير المناخ المتسارعة وتيرته. لقد بات العالم بأسره يلمس التغيرات الجذرية التي تحدث في حياتنا، مثل العواصف الكبرى، ودرجات الحرارة الحارقة في الصيف، والفيضانات المتكررة، والجفاف الشديد، وحرائق الغابات. إن تغير المناخ يؤثر علينا جميعا، من أقل البلدان نموا إلى البلدان النامية والمتقدمة أيضا. لذلك فنحن بحاجة إلى اتخاذ إجراءات جماعية.
من وجهة نظر العلم فقد تأخرنا كثيرًا في معالجة تداعيات تغير المناخ. ونأمل أن يتم التوصل إلى اتفاق بشأن اتخاذ إجراءات سريعة للتكيف مع الآثار الناجمة عن تغير المناخ والتخفيف من حدتها، فضلاً عن المضي قدماً في إنشاء صندوق الخسائر والأضرار الذي تم الاتفاق عليه في الاجتماع الأخير لمؤتمر COP.
أهم ما في الأمر هو مدى السرعة التي يمكننا بها تحويل الوعود إلى أفعال. لم يفت الأوان بعد، لكن الوقت يداهمنا. ويأمل العالم أن يتم وضع سياسات وضخ استثمارات قادرة على الحد من الانبعاثات بشكل كبير. كما يأمل أيضاً أن تتمكن دول مثل اليابان، الرائدة في مجال الابتكار التكنولوجي، من تحويل ثروتها العلمية والمعرفية إلى طاقة وحلول بناءة.
هناك أيضًا مسألة العدالة المناخية، فكيف يمكننا تحقيق الطاقة النظيفة للجميع؟ إن التحول العالمي إلى مصادر الطاقة المتجددة أمر لا مفر منه، ولكن كلما أسرعنا في ذلك، كلما زادت فرصة ترك عالم أفضل للأجيال القادمة. إذا أردنا معالجة الجوع والفقر في العالم، أو تحقيق أهداف التنمية المستدامة، فيتعين علينا أن نتعامل مع تغير المناخ باعتباره سبباً رئيسياً في انعدام الاستقرار، أو بمعنى آخر، أن نتعامل معه كتهديد وجودي.
المحاور: لا شك أن معالجة تغير المناخ هي جزء من أهداف التنمية المستدامة. فإلى أين وصلنا في هذا الشأن؟ وهل نحن على المسار الصحيح؟
فرنانديز تارانكو: حسنًا، تشكل أهداف التنمية المستدامة في اليابان جزءًا مهمًا من السياسة، فضلاً عن المناهج التعليمية. وينبغي الإشارة إلى أن هذه الأهداف ليست مجرد أجندة للأمم المتحدة، بل إنها أجندة للدول الأعضاء تحركها سياسات كل دولة. لكننا بحاجة إلى التركيز على حقيقة أن بناء أهداف التنمية المستدامة مهم في معالجة الاحتياجات الحقيقية للعالم مثل الفقر، وتغير المناخ، وإنهاء الإقصاء. فالفكرة الأساسية هي عدم إقصاء أحد من المشاركة والحرص على إشراك النساء على قدم المساواة مع الرجال، وإعطاء صوت للشباب.
إن التزام الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بهذا الأمر مهم للغاية لا سيما في هذا الوقت العاصف بالتوترات العالمية. لكن لأكون صريحاً، لا أعتقد أننا في وضع جيد جدًا، فقد حققنا حوالي 15 بالمائة فقط من الأهداف، على الرغم من أنه كان ينبغي أن نكون قد قطعنا منتصف الطريق الآن. نحن بحاجة إلى الشجاعة والتصميم السياسي والعمل الحقيقي المبني على الحلول العلمية. ولكننا نحتاج أيضا إلى التأكد من أن الأمم المتحدة الذكية والفعالة قادرة على الاستمرار في إيصال رسالة الأمل إلى جميع الأطراف الفاعلة. لدينا جدول أعمال ملهم لأنه يلزمنا جميعا بتغيير الطريقة التي نؤدي بها أعمالنا، كيف لا ونحن نعمل في مجال التفاعل مع الناس.
الشمولية وإنهاء الصراع
المحاور: في مجال الأهداف الإنمائية للألفية، حققت الصين والهند تقدماً كبيراً في الحد من الفقر. بالنسبة لأهداف التنمية المستدامة، من يقود الطريق الآن؟
فرنانديز تارانكو: نحن نشهد تقدماً ملحوظاً بين القوى الناشئة في الجنوب العالمي - الهند، لكن يتعين علينا أيضًا الإشادة بدول مثل إندونيسيا والبرازيل، فتلك الدول لا تحاول النمو اقتصاديًا فحسب، بل إنها تسعى إلى تحويل اقتصاداتها لتكون قادرة على معالجة تأثير تغير المناخ.
بالطبع أهداف التنمية المستدامة أكثر تعقيدا من الأهداف الإنمائية للألفية السابقة. وهي عبارة عن أجندة متكاملة تتناول التعليم، والفقر، وتمكين المرأة، والحكم السليم. مفهوم التنمية الشاملة والمستدامة مفهوم بالغ الأهمية لا يقتصر على مجرد التنمية. وفي الواقع، كلما رأينا المزيد من الشمولية، كلما تمكنا من تحقيق التنمية بشكل أسرع. وعلى نحو متزايد، تلعب الأمم المتحدة دورا تيسيريا من خلال جمع الجهات الفاعلة على طاولة المفاوضات، من القطاع الخاص والمؤسسات، والمجتمع المدني والسلطات المحلية والوطنية.
هذه هي الديناميكية التي نشارك فيها. لدينا أفكار حول ما يجب تغييره في الحوكمة العالمية، وعن أهمية إصلاح هيئات مثل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أو البنك الدولي، فكل تلك الهيئات تنتمي إلى الفترة التاريخية التي تلت عام 1945 مباشرة، ولم تعد قادرة على الاستجابة لقضايا هذا العصر مثل تهديدات السلم العالمي، أو التهديدات المناخية، أو من يُجبرون على النزوح بسبب الصراعات، أو الكوارث المناخية، أو نقص الفرص.
المحاور: في آتون الصراعين الدائرين في أوكرانيا وغزة. هل ينصرف اهتمام العالم وموارده إلى تلك الصراعات مبتعداً عن احتياجات التنمية؟ وهل ترى نهاية محتملة لهذه الصراعات؟
فرنانديز تارانكو: نحن نمر بلحظة من الانقسامات الجيوسياسية، لكن ميثاق الأمم المتحدة يظل وثيقة تأسيسية قيّمة لأنها تلتزم بالمعايير والحقوق الدولية. أعتقد أن ضوء الأمل الذي نبحث عنه جميعاً هو الأمم المتحدة. ورغم انقسام الدول الأعضاء، فإن الأمم المتحدة تظل المؤسسة الوحيدة القادرة على جمع كل هذه الدول على طاولة واحدة.
لكن الأمم المتحدة موجودة لضمان احترام الدول الأعضاء لهذه المبادئ والالتزام بالاتفاقيات التي وقعت عليها بنفسها. لقد اتفقنا على وجه التحديد على حماية أرواح المدنيين من ويلات الحرب، وتنطبق هذه المبادئ على جميع الأطراف المتورطة في أي جانب من جوانب النزاع. وعلينا أن نبقى محايدين ونركز على حقيقة أن هذه الحقوق ملك للجميع.
ضرورة إصلاح الأمم المتحدة
المحاور: يبدو أن أهمية الأمم المتحدة ودور الأمين العام تحظى بتقدير أفضل في الدول الأوروبية، وحتى في الولايات المتحدة. وأظهر استطلاع أجراه مركز بيو للأبحاث هذا الصيف أن معدلات تأييد الأمم المتحدة تتراوح بين 60% إلى 80% في أوروبا و58% في الولايات المتحدة. ولكن في اليابان، فإن الأرقام أقل بكثير، حوالي 40%، وإن كانت هذه النسبة أعلى من 29% التي رُصدت قبل بضع سنوات - حيث يميل الناس إلى المساواة بين دور الأمم المتحدة ومجلس الأمن، الذي يبدو مختلاً وظيفياً في نظر الكثيرين. هناك آمال في اليابان لإصلاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وربما للحصول على عضوية شبه دائمة لليابان. فما هي احتمالات حدوث هذا؟
فرنانديز تارانكو: أعتقد أن الأمم المتحدة أعادت إلى الواجهة بعض عناصر الإصلاح. ولكن باعتبارها هيئة حكومية دولية، تتقدم الأمم المتحدة بشكل بنّاء نحو القضايا عندما لا تركز على واحدة منها فقط ــ كأجندة التنمية، أو الاستجابات الإنسانية، أو السلام والأمن، أو حقوق الإنسان ــ بل تنظر إليها باعتبارها بناءً متكاملا. وبطبيعة الحال، يمكننا أن نتولى مشاريع صغيرة ونحقق بعض التقدم، ولكن مستوى التوسع الذي نحتاج إليه اليوم يتطلب اتباع أسلوب مختلف للقيام بالأمور.
وكما هو الحال مع أي مؤسسة، فإن إصلاح مجلس الأمن لابد أن يتم على النحو الذي يجعله أكثر شمولاً وتمثيلاً واستجابة. لكن مع الأسف أصبح المجلس متأخرا في هذه المجالات الثلاثة، وأصبحت القضايا التي يعجز المجلس عن حلها تذهب بشكل متزايد إلى الجمعية العامة.
إن قمة المستقبل التي من المقرر أن تُعقد في العام المقبل سوف تشكل فرصة مهمة لإصلاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فضلاً عن مؤسسات بريتون وودز، التي تأسست أيضاً بعد فترة وجيزة من نهاية الحرب العالمية الثانية، ولكن أصبحت هي الأخرى عاجزة عن تلبية احتياجات اللحظة.
في معظم أنحاء العالم، يُنظر إلى الأمم المتحدة نظرة متدنية للغاية. ولكن هذا لا يرجع إلى عدم وجود قيمة لما تفعله الأمم المتحدة، أي الوكالات والبرامج التي تقوم بأعمال لإنقاذ حياة الناس وحماية حقوق الإنسان. بل إن هذا التقييم السلبي موجّه في الأساس إلى ”الدولة العضو في الأمم المتحدة“ والتي يُنظر إليها على أنها الأمم المتحدة. لا شك أن كلاهما جسد واحد لا ينفصل، ولكن لا يمكن للأمم المتحدة، باعتبارها هيئة، إلا أن تقدم خيارات ورؤى للتغيير المحتمل، لكن الأمر في النهاية متروك لأعضاء مثل اليابان لسد الخلافات التي يمكن أن تصيب مجلس الأمن بالشلل الوظيفي.
المحاور: أعتقد أن اليابان لا تزال تطمح إلى لعب دور عالمي أكبر، لكن الشعب الياباني يشعر بالقلق بشأن المستقبل لا سيما مع تقلص عدد سكانه وانكماش الاقتصاد. لذا فهناك مخاوف بشأن المكانة الدولية التي تتمتع بها اليابان. في رأيك، هل لا تزال اليابان تعتبر لاعباً مهماً في الأمم المتحدة؟
فرنانديز تارانكو: إن تركيز اليابان في فترة ما بعد الحرب على إحلال السلام ودعمها المستمر للأمم المتحدة يظهر التزامها الواضح بمبدأ التعددية. وباعتبارها مؤسسة تحاول تبادل المعرفة وخبرات التنمية والتكنولوجيا، تنظر الأمم المتحدة إلى اليابان باعتبارها زعيما رئيسيا في قضايا مثل تغير المناخ، فعالم اليوم يحتاج إلى الكرم والتضامن الذي طالما قدمته اليابان.
وسوف تلعب اليابان دورًا مهمًا في المضي قدمًا نحو تنفيذ أجندة جدوى التنمية العالمية. إنها مسألة تولّي القيادة، سواء كان ذلك في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أو الجمعية العامة، أو المجلس الاقتصادي والاجتماعي.
مساهمات اليابان في الأمم المتحدة مهمة للغاية. لكن الكثير من مساهماتها في الميزانية تذهب إلى عمليات حفظ السلام والبعثات السياسية الخاصة. نحن نعمل على التأكد من عدم حدوث ما يستدعي إلى القيام بأنشطة حفظ السلام هذه، وهنا يصبح من الممكن توجيه هذه الاستثمارات إلى قطاع التنمية مما يجعلها أكثر فائدة على المدى الطويل، حيث أن المبالغ الصغيرة الموجهة للتنمية يمكنها أن تقضي على الحاجة إلى الآليات الباهظة التكلفة اللازمة لبناء عمليات حفظ السلام في وقت لاحق.
في الوقت الحالي، لا يتم تمويل نظام تنسيق التنمية بالكامل. وبدون دعم نظام المنسقين المقيمين التابع للأمم المتحدة، والموارد المرنة لنظام الأمم المتحدة الإنمائي، سيكون من الصعب للغاية أن تصبح الأمم المتحدة أكثر تماسكا، وأكثر كفاءة، وأكثر استراتيجية على المستوى القطري. تعد اليابان رائداً رئيسياً في العديد من جوانب تعزيز التعددية وأهداف التنمية المستدامة، فضلاً عن تعزيز الحوار من أجل إحلال السلام العالمي، ومنع حدوث الصراعات، وتسهيل تحقيق التنمية.
ومن خلال نهج الأمن البشري والتنمية الشاملة، نحاول معالجة الدوافع التي تؤدي إلى اندلاع الصراعات وعدم الاستقرار قبل أن تصبح مشكلة متفاقمة. ولهذا السبب فإن التركيز، عند وضع أي ميزانية وعند اتخاذ أي قرار، على التنمية وعلى تحسين الظروف الأساسية للناس - أي التطلع إلى القضاء على الجوع، والقضاء على الفقر، وتوفير سبل العيش والفرص العادلة - أمر في غاية الأهمية.
(نشر النص الأصلي باللغة الإنكليزية بناءً على مقابلة أجريت في 7 ديسمبر/كانون الأول 2023 في مكتب Nippon.com في طوكيو. المحاور هو أكاساكا كيوتاكا رئيس مؤسسة Nippon للاتصالات. جميع الصور من Nippon.com)
كانت هذه تفاصيل خبر اليابان | هل باتت هيئات عريقة كمجلس الأمن والبنك الدولي عاجزة عن لعب دور فعال في الأزمات العالمية بحيث أصبح إدخال إصلاحات عليها أمراً حتمياً لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.
كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على نيبون وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.
أخبار متعلقة :