بدأت اليابان في أغسطس/آب الماضي بتصريف مياه معالجة من محطة فوكوشيما دايئيتشي المعطوبة للطاقة النووية في المحيط. وفي هذه المقالة يحدثنا البرلماني هوسونو غوشي، والذي ساعد في قيادة الاستجابة الطارئة لليابان في أعقاب الحادث النووي عام 2011، يحدثنا بصراحة عن قراراته وتداعياتها، بالإضافة إلى عمله في الترويج لنهج قائم على العلم لتصريف المياه الملوثة بعد معالجتها.
هوسويا يوئيتشي: السيد هوسونو، لعبت في أعقاب زلزال وتسونامي توهوكو مارس/آذار عام 2011 دورا قياديا رئيسيا في استجابة الحكومة للكارثة التي وقعت في محطة فوكوشيما دايئيتشي للطاقة النووية، أولا باعتبارك مستشارا خاصا لرئيس الوزراء ”كان ناؤتو“ ثم بعد ذلك كوزير للبيئة ووزير دولة مكلف بالشؤون النووية الطارئة. أنا على دراية أنك شاركت أيضا في قرار الحكومة – بعد عقد من الزمان – بتصريف مياه معالجة من المحطة في المحيط. وقد دافعت منذ ذلك الحين بلا كلل عن الخطة وسلامتها حتى أنك نشرت مانغا حول هذا الموضوع على مدونتك. ما الذي يدفعك لمواصلة الانخراط في تلك القضية المثيرة للجدل؟
هوسونو غوشي: كنت المسؤول السياسي المعني بتعامل البلاد مع الحادث النووي الذي وقع في محطة فوكوشيما دايئيتشي. لم يكن لدينا خيار آخر أثناء الحالة الطارئة سوى رش المياه داخل مباني المفاعلات لتبريدها. وبما أن تصريف المياه المعالجة في المحيط هو امتداد لتلك الخطوات، فأنا أشعر أنها مسؤوليتي مثل أي شخص آخر.
شرعت في التحدث علنا عن الحاجة إلى بدء تصريف المياه المعالجة في المحيط منذ عام 2020، لكن الأمر استغرق سنوات من الحكومة لاتخاذ الإجراءات اللازمة. وقد أجريت الكثير من المشاورات خلال تلك الفترة مع مختلف الأطراف، بما في ذلك هيئة الرقابة النووية ووكالة الموارد الطبيعية والطاقة وسكان محافظة فوكوشيما.
تبعات غير مقصودة
هوسويا: هل فكرت في مشكلة المياه الملوثة عندما كنت تقود جهود الاستجابة الطارئة للحادث النووي الذي وقع في ربيع عام 2011؟
هوسونو: ركزتُ في البداية بالكامل على مشكلة تأمين إمدادات المياه اللازمة وتبريد المفاعلات. بصراحة، لم يكن هناك وقت في تلك المرحلة للقلق بشأن ما سنفعله بتلك المياه بعد ذلك.
ولكن في وقت ما حوالي نهاية شهر مارس/آذار، اكتشف تسرب مياه شديدة التلوث من أحد المباني وتدفقها إلى المحيط. وتمكنوا في النهاية من سده بالزجاج السائل، لكن الانتقادات الدولية كانت شديدة جدا. ولا تزال الصدمة جراء تلك التجربة تلازمني حتى يومنا الحالي. وقد بدا الأمر في تلك المرحلة من الأزمة وكأن أنظار أغلب دول العالم تتجه نحو اليابان، ولكن بوسعك أن ترى كيف يمكن أن يتغير المزاج.
وقررنا في ذلك الوقت تقريبا استخدام حفر التخزين الموجودة أسفل الوحدتين 5 و 6 لمباني المفاعلات من أجل تخزين – بصورة مؤقتة – بعض المياه الملوثة المجموعة، ولكن كان يتعين علينا للقيام بذلك أولا ضخ المياه (الأقل تلوثا) التي كانت موجودة بالفعل في الحفر وتصريفها في المحيط. وقد تعرضنا أيضا لانتقادات شديدة جراء ذلك. وهذان الأمران جعلاني أدرك بشكل تام مدى خطورة مشكلة المياه الملوثة.
وفي وقت لاحق من شهر أبريل/نيسان أو مايو/أيار عندما أصبح تبريد المفاعلات تحت السيطرة إلى حد ما، كنت قادرا على التركيز على التحدي المتمثل في إزالة التلوث من المياه الملوثة بالمواد المشعة. قدمت الولايات المتحدة وفرنسا جميع أنواع المعدات المتطورة، ولكن أيا منها لم يُفلح حقا في المهمة. ونجحنا في نهاية المطاف بإقناع شركة توشيبا بتولي مسؤولية معالجة المياه. وتكللت تلك الجهود بتطوير نظام إزالة المواد متعددة النويدات المعروف باسم ALPS (نظام متقدم لمعالجة السوائل). واستمروا في إجراء تحسينات على النظام حتى أواخر عام 2013، حيث تمكن النظام من إزالة جميع النويدات المشعة باستثناء التريتيوم. في النهاية، أعتقد أن الأمر تطلب من شركة يابانية تحمل المسؤولية الفعلية في معالجة هذه المشكلة.
تابعت سير العملية عن كثب، وبمجرد أن أصبحت تعمل بشكل صحيح، شعرت أن تصريف المياه في المحيط يجب أن يبدأ بأقرب ما يمكن. لكن الحكومة كانت غير راغبة في التحرك. واستغرق الأمر سنوات قبل أن تعطي حكومة رئيس الوزراء سوغا يوشيهيدي الضوء الأخضر لبدء عملية التصريف.(*١)
التركيز على السلامة والشفافية
هوسويا: تتفق أغلب الحكومات الأجنبية – باستثناء بكين – على أن تصريف المياه المعالجة بنظام ALPS آمن. ولكن لا بد أنه كان هناك قدر كبير من القلق من أن يؤدي أي قرار بتصريف المياه الملوثة بالإشعاع إلى ردة فعل دولية ضخمة.
هوسونو: بالطبع كان هناك قلق. ولهذا السبب كنت أؤكد باستمرار على ضرورة ضمان سلامة عملية تصريف المياه المعالجة والحفاظ على شفافية تامة. حرصت اليابان بشكل كبير على ذلك خلال السنوات القليلة الماضية. وعلى الرغم من وجود بعض الانتقادات، إلا أنني أشعر أن الدافع وراءها كان سياسيا وليس أدلة علمية. أعتقد أنه من المهم مواجهة تلك الهجمات، وإلا فإن المعلومات الخاطئة ستستمر في الانتشار.
هوسونو غوشي.
لقد كان رئيس الوزراء سوغا هو من اتخذ القرار النهائي بتصريف المياه الملوثة، ولم أكن موجودا آنذاك. ولكن أتيحت لي فرص قليلة جدا للتحدث مباشرة مع سوغا حول قضية تصريف المياه، والتي كان يعتبرها ضمن اختصاصات إدارتي منذ أن كان وزير شؤون مجلس الوزراء. وكان المسؤول عن وكالة الطاقة قد تم استبداله 3 أو 4 مرات على مر السنين. أرفع قبعتي احتراما لسوغا بسبب اتخاذه قرارا محفوفا بالمخاطر السياسية.
يتساءل البعض لماذا لا يمكننا ترك المياه المعالجة في صهاريج التخزين، حيث يبدو أن ذلك طريقة فعالة. لم تُصمم صهاريج التخزين أبدا لتكون دائمة، لذلك هناك خطر حدوث أضرار ناجمة عن الأعاصير وأمواج التسونامي ومخاطر أخرى. بالإضافة إلى ذلك، وصلت الأمور إلى مرحلة يجب فيها بناء صهاريج إضافية على جانب فوتابا، وهذا من شأنه أن يؤثر على عمليات تفكيك المفاعل. وكان القرار لا يحتمل التأجيل حقا لفترة أطول.
مواجهة المعلومات المضللة
هوسويا: انتقدتَ بعضَ وسائل الإعلام بسبب التغطية التي لا تستند إلى أدلة علمية والتي بالغت في أخطار المياه المعالجة. كيف تشعر حيال المسؤولية الصحفية لوسائل الإعلام تجاه هذه القضية؟
هوسونو: هناك سبب محدد جعلني أبدأ الحديث عن وسائل الإعلام. كنت أرى أن وسائل الإعلام الكورية الجنوبية كانت تقتبس على نطاق واسع من وسائل الإعلام اليابانية في تغطياتها الخاصة. وكانت تستضيف أيضا الكثير ممن يزعمون أنهم خبراء من اليابان. وكان لا بد أن يعتقد الكوريون الجنوبيون أنه إذا كانت تلك هي الطريقة التي تغطى فيها عملية تصريف المياه في اليابان، فلا بد أن الأمر خطير حقا. وبعبارة أخرى، عندما نسمح لهذا النوع من الصحافة ببث تقاريرها بدون أي مواجهة في الداخل، فإن السردية ذاتها سوف تترسخ في الخارج. تملكني القلق من أنه إذا لم نتصدَ لتلك المفاهيم الخاطئة، فإنها ستنتشر في جميع أنحاء العالم.
هناك اعتراضان أساسيان يتصدران وسائل الإعلام. الأول هو أن تصريف المياه المعالجة يشكل خطرا بيولوجيا. أستطيع دحض ذلك بوضوح من خلال الاستشهاد بنتائج الدراسات المكثفة التي أجرتها الحكومة والإشارة إلى تصريف المياه الحاوية على التريتيوم بشكل روتيني من المنشآت النووية في جميع أنحاء العالم.
بعد ذلك تركزت انتقادات وسائل الإعلام على المخاوف من أن تصريف المياه المعالجة – وإن كانت آمنة من الناحية العلمية – يمكن أن يثير مخاوف لا أساس لها من الصحة وشائعات مدمرة (حول المنتجات البحرية اليابانية). وأرد على ذلك بالقول إن كنت قلقا من مخاوف لا أساس لها من الصحة، فإن ما عليك فعله هو نقل الحقائق العلمية التي تظهر أن المياه آمنة. أما إذا كنت ستقضي جلّ وقتك في الحديث عن مخاوف لا أساس لها دون أن تكلف نفسك عناء الاستشهاد بالحقائق العلمية، فأنت في الواقع تنشر تلك المخاوف. كنت مدركا أنه من الضروري مواجهة هذا النوع من التغطية أيضا.
صحيح أن بعض السكان المحليين في فوكوشيما يشعرون بالقلق إزاء الوصمة التي ستلاحق مناطقهم بشأن التلوث الإشعاعي، وتلك المخاوف مبررة بالنظر إلى ما مروا به حتى الآن. ولكن لكي تكتب بصدق عن ظاهرة ما، عليك أن تنقل إحساسا بكيفية ملاءمتها للصورة الأكبر. إن مجرد تسليط الضوء على الأشخاص الذين لديهم مخاوف لا يعتبر تقريرا متوازنا. وقد كانت هذه النقطة محورا آخر لحملتي الإعلامية.
الحسابات الخاطئة للصين
هوسويا: بذلت اليابان جهودا مضنية لضمان الحصول على موافقة مختلف الحكومات والوكالات الدولية على تصريفها للمياه المعالجة، ويبدو لي أنهم كانوا داعمين لها بشكل عام. ولكن تحولت عملية تصريف المياه بالنسبة الصين إلى مصدر آخر للتوتر والاحتكاك. كيف تعتقد أنه ينبغي للحكومة اليابانية أن ترد على الانتقادات التي سمعناها من الصين؟
هوسونو: تحظى الدول النووية الخمس بوضع متميز عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع المواد المشعة، بما في ذلك تصريف المياه الملوثة، كما أن برامج أسلحتها النووية معفاة تماما من عمليات التفتيش (من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية). وتعلم تلك الدول أفضل من أي طرف آخر عن هذه القضايا لأنها تتعامل معها لسنوات طويلة. وتعكف الحكومة الصينية على انتقاد طريقة تعامل اليابان مع تصريف المياه المعالجة وهي تعلم تمام العلم أن تلك العملية لا تشكل أي خطر من الناحية العلمية.
في تصوري أن بكين اعتقدت أن هذه طريقة جيدة لتضيق الخناق الدبلوماسي على اليابان. وربما كانت تتوقع أن تتصرف كوريا الجنوبية بنفس الطريقة، وأن بقية دول شرق آسيا ستحذو حذوها. لكن تلك كانت حسابات خاطئة. فقد تكون هناك معارضة شعبية في كوريا الجنوبية، لكنها دولة ديمقراطية وتعتمد على الطاقة النووية وليس أمامها خيار سوى تصريف المياه الملوثة بالإشعاع والحاوية على نويدات مشعة بتراكيز أعلى من تلك في المياه التي تصرفها اليابان. ولذلك نحا الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول مسارا مختلفا عن موقف بكين. كما تمكنت اليابان من تهدئة مخاوف دول جنوب شرق آسيا ودول جزر المحيط الهادئ.
أعتقد أن مهمة مراجعة السلامة التابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية قد قلبت الموازين. كنت قلقا في البداية من أن يصوت العلماء الصينيون المشاركون في فريق مراقبة السلامة التابع للوكالة ضد نشر نتائج المراجعة التي جاءت مؤيدة لخطة اليابان لتصريف المياه. لكن هؤلاء الأشخاص هم علماء في نهاية المطاف، ولم يكن هناك جدل حول البيانات التي جمعتها البعثة وراجعتها.
هوسويا: إذن، ما هي الخطوة التالية لبكين؟
هوسونو: أعتقد أن الصين بدأت العمل مع اليابان للتفاوض على هدنة من نوع ما. لكن في ضوء كل ما تم إنجازه حتى هذه اللحظة، لا أرى ضرورة لإجراء المزيد من الدراسات. وقد توصلت المراجعة التي أجرتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية بمشاركة الصين إلى نتيجة حاسمة.
(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية بقلم إيشي ماساتو من قسم التحرير في Nippon.com بناء على مقابلة أجريت بتاريخ 29 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2023. الترجمة من الإنجليزية. صورة العنوان: صورة جوية لمحطة فوكوشيما دايئيتشي للطاقة النووية ملتقطة في 24 أغسطس/آب عام 2023، © جيجي برس)
(*١) ^ توصل مجلس مشترك بين الوزارات في 13 أبريل/نيسان عام 2021 إلى قرار بتصريف المياه المعالجة من محطة فوكوشيما في المحيط.
كانت هذه تفاصيل خبر اليابان | تصريف المياه المعالجة من محطة فوكوشيما النووية من وجهة نظر وزير ياباني سابق لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.
كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على نيبون وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.
أخبار متعلقة :