يعتبر اليابانيون الآلهة جزءًا لا يتجزأ من تراثهم، حيث تنبثق هذه الآلهة من خلال الأساطير والمعتقدات الشعبية. يحظى الإلهان الشينتويان سوسانوؤ وهاتشيمان باحترام كبير، وتدور حولهما قصص مثيرة للاهتمام تكون عنيفة في بعض الأحيان. وفي هذا الجزء من السلسلة تلقي خبيرة في الأساطير اليابانية نظرة على أصول هذين الإلهين وتزايد أهميتهما على مر العصور.
يؤمن اليابانيون بمجموعة من الآلهة مصدرها الأساطير والمعتقدات الشعبية وتبجل في نحو 80 ألف معبد شينتوي منتشرة في جميع أنحاء البلاد. وتعتبر الآلهة في ديانة الشينتو جزءًا أساسيًا من المعتقدات اليابانية، حيث يوجد عدد كبير من الكامي، وهي الآلهة أو الأرواح التي يُعتقد أنها تسكن في العناصر الطبيعية والكائنات. يتم تبجيل الكامي في المعابد الشينتوية، وتحظى بتقدير كبير من قبل اليابانيين.
أحد هؤلاء الكامي المهمين هو سوسانوؤ، الذي يُعتبر الأخ الهائج لإلهة الشمس أماتيراسو. يُعرف سوسانوؤ بحمايته للأمور المتعلقة بالبحر والعواصف. وفي الأساطير، كان له دور مهم في تطهير العالم من الوحوش. أما هاتشيمان، فيُعتبر إلهًا ذو ماض غامض ويشمل على الحظ والنجاح والسعادة. يعتبر هاتشيمان من بين الكامي الأكثر شعبية في اليابان، وتقام العديد من المهرجانات والاحتفالات لتكريمه. تجسد المعابد الشينتوية هذه الآلهة بشكل بارز، حيث يقوم اليابانيون بالزيارات والصلوات في هذه المعابد لطلب البركة والحماية. نلقي في هذا الجزء من السلسلة نظرة على كيفية ظهورهما.
من شرير إلى بطل
تروي الأساطير اليابانية قصة الإله إيزاناغي، الذي خلق اليابان، حيث قام برحيله إلى أرض يومي المدنسة لاستعادة عروسه المتوفاة إيزانامي. وبعد فشله في هذه المهمة، أجرى إيزاناغي طقوسًا لتطهير نفسه، نجم عنها مجموعة من الآلهة، بما في ذلك أماتيراسو، إلهة الشمس البارزة، وسوسانوؤ الذي جاء إلى الوجود من أنف والده.
أماتيراسو، كإلهة الشمس، أصبحت أبرز الكامي وأحد الرموز البارزة في الأساطير اليابانية، حيث نشأت عندما قام إيزاناغي بتنظيف وجهه. وتُعتبر أماتيراسو رمزًا للنور والحياة، وتلعب دورًا حيويًا في العديد من القصص الروحية اليابانية.
سوسانوؤ – خلافا لأخته أماتيراسو – هو قوة فوضوية أثارت هيجانا في السهول السماوية العليا وسببت فوضى بين سكانها من الآلهة. وبسبب تصرفاته تلك طرد منها ونزل إلى أرض إيزومو القديمة فيما يعرف اليوم بالجزء الشرقي من محافظة شيماني. ولكن تلك الشخصية التي تميزت بالفوضوية في السماء، مرت بتحول جذري بمجرد وصولها إلى الأرض.
فقد التقى سوسانوؤ في إيزومو برجل وامرأة مسنين يبكيان بمرارة على ابنتهما كوشيناداهيمي. وأخبره الزوجان عن قرب وصول ”ياماتا نو أوروتشي (ثعبان مرعب بثمانية رؤوس وثمانية ذيول وجسم طويل يكفي لتغطية 8 جبال ووديان)“. دأب الوحش على التهام إحدى بنات الزوجين في كل مرة يظهر فيها، وسرعان ما ستلقى طفلتهما الثامنة والأخيرة كوشيناداهيمي المصير المأساوي لأخواتها.
تأثر سوسانوؤ بما يمران به من ضائقة ووافق على هزيمة ياماتا نو أوروتشي شريطة أن تصبح كوشيناداهيمي عروسه. ركز سوسانوؤ انتباهه على نصب فخ للإيقاع بالوحش، وقام بتخمير مشروب ساكي قوي ووضعه في 8 أوعية خزفية. انجذب الوحش إلى الساكي وشربه حتى الثمالة ثم نام، انقض سوسانوؤ آنذاك على الوحش وقطع رؤوسه الثمانية. وخرج من جسد المخلوق الميت ”كوساناغي نو تسوروغي“، وهو سيف يحظى بالتبجيل باعتباره أحد الكنوز الثلاثة المقدسة للأسرة الإمبراطورية اليابانية.
سوسانوؤ وكوشيناداهيمي (© ساتو تاداشي).
قصة سوسانوؤ والوحش ياماتا نو أوروتشي تشبه حكايات مثل بيرسيوس وأندروميدا من الأساطير اليونانية التي تروي قصة محاربين شجعان ينقذون العذارى. تمهد الأسطورة الطريق لتحول سوسانوؤ بشكل درامي من كامي مكروه ومزاجي إلى بطل موقر.
كامي للعشاق
وبسبب تلك القصة، هناك العديد من المعابد الشينتوية المكرسة لسوسانوؤ في منطقة إيزومو. ولكن ليس جميع الزوار يأتون إلى تلك المواقع بسبب الأعمال البطولية لهذا الكامي. ولأن قصة سوسانوؤ وكوشيناداهيمي هي أيضا قصة حب بقدر ما هي قصة بطولية، فإن هذين العاشقين يُنظر إليهما على أنهما يقدمان المساعدة في أمور الحب أيضا.
تقول الأسطورة إنه بعد هزيمة الوحش ياماتا نو أوروتشي، بدأ سوسانوؤ وكوشيناداهيمي في البحث عن مكان للعيش فيه. وقد أعجبا كثيرا بمنطقة سوغا في إيزومو، وبنيا قصرا وتزوجا وأنجبا مجموعة من الأطفال المقدسين. شُيد معبد سوغا الشينتوي في ذلك الموقع الأسطوري، وفيه 3 صخور مقدسة مكرسة لسوسانوؤ وكوشيناداهيمي وطفلهما ياشيماجينومي. تشتهر في يومنا الحالي تلك المعابد الشينتوية بـ”إنموسوبي“ والتي تعني روابط تربط بين الناس، ولا سيما في الحب والزواج، وهو ما يجذب المصلين الباحثين عن الرومانسية، فضلا عن الأزواج الذين يأملون في ضمان علاقة طويلة ومثمرة.
معبد سوغا. منقوش على الحجر الموجود في المنتصف قصيدة من شعر واكا يُزعم أنها أول واكا مكتوبة على الإطلاق، وهي تُنسب إلى سوسانوؤ. كما يقال إنها أصل اسم إيزومو (© بيكستا)
يوجد معبد يايغاكي الشينتنوي في ماتسوي في الجزء الشرقي من منطقة إيزومو، وتقول الأسطورة إنه المكان الذي بنى فيه سوسانوؤ سياجا من 8 طبقات لحماية كوشيناداهيمي من ياماتا نو أوروتشي. وعلى غرار معبد سوغا، يرتبط هذا المعبد بإنموسوبي. يأتي الزائرون القلقون بشأن مستقبل علاقاتهم الرومانسية إلى بركة ”كاغامي إيكي“ المتصلة بكوشيناداهيمي، للتنبؤ بحظوظهم في الحب من خلال وضع عملة معدنية فوق ورقة مربعة الشكل تطفو على سطح الماء. يؤشر الوقت الذي تستغرقه العملة المعدنية قبل أن تغوص في المياه وقربها من حافة البركة، على مدى قرب أو تأخر ظهور الحب وإن كان الحبيب المرتقب شخصا قريبا أم بعيدا.
”كاغامي إيكي (بركة المرآة)“ في معبد يايغاكي (© بيكستا).
زار الكاتب لافكاديو هيرن (1850-1904) المشهور بمجموعاته التي ألفها عن الحكايات اليابانية الكلاسيكية، المعبد بعد قراءة أسطورة ياماتا نو أوروتشي. وقد لاحظ هيرن عدد الشباب الذين يزورون المعبد للصلاة من أجل الحظ في الحب، وهو ما يوضح مكانة سوسانوؤ كإله إنموسوبي.
أوكونينوشي (© ساتو تاداشي).
وهذه السمعة الخاصة بإنموسوبي لا تقتصر على سوسانوؤ بل يتقاسمها مع سليله أوكونينوشي، الذي يرتبط بقوة بأسطورة ”أرنب إينابا“ المدونة في سجل كوجيكي من القرن الثامن. تقول الأسطورة إن أوكونينوشي يقابل الأرنب المصاب الذي جردته أسماك القرش من فرائه أثناء عبور البحر من جزر أوكي، وينصحه بتخفيف آلامه عن طريق الاغتسال بالمياه العذبة وأن يلف نفسه بحبوب لقاح نبات البردي. ولكن سمعته كعاشق – كان لديه 6 زوجات وأنجب 180 طفلا – هي التي جعلته إلها للإنموسوبي في معبد إيزومو تايشا، أحد أقدس المعابد الشينتوية.
معبد هيكاوا
تحتل محافظة سايتاما والعاصمة طوكيو مركز منطقة كانتو التي تملك تقاليد قوية في عبادة سوسانوؤ. تستضيف المنطقة مجموعة واسعة من معابد هيكاوا (نحو 280 معبدا) المكرسة لسوسانوؤ. ومن المعتقد أن اسم هيكاوا نشأ من ”هييكاوا (نهر هيي)“ في شيماني، حيث قتل سوسانوؤ الوحش ياماتا نو أوروتشي.
”هايدن (قاعة العبادة)“ في معبد هيكاوا (© بيكستا).
ويعد معبد ”موساشي إيتشينومييا هيكاوا“ في حي أومييا في عاصمة سايتاما الأعلى رتبة ضمن هذه المجموعة. جاءت كلمة ”إيتشينومييا (تعني حرفيا المعبد الأول)“ من نظام يعود لفترة هييان (794-1185) يهدف إلى ترتيب المعابد الشينتوية في كل مقاطعة. وكما يشير الاسم، كان المعبد القديم مكانا مهما لعبادة الشينتو في مقاطعة موساشي السابقة، والتي كانت تضم معظم ما يعرف اليوم باسم سايتاما وطوكيو وأجزاء من محافظة كاناغاوا.
كما أن معبد هيكاوا مكرس – إلى جانب سوسانوؤ – لكوشيناداهيمي و ”أوكونينوشي نو كامي“، وبسببهم اكتسب المعبد في السنوات الأخيرة سمعة طيبة فيما يتعلق بإنموسوبي. وهناك مؤشر آخر على أصول المعبد في أسطورة ياماتا نو أوروتشي هو بركة ”جا نو إيكي“ داخل حرم المعبد والتي يوحي اسمها بالثعبان الأسطوري. فمن المعتقد أن البركة المتشكلة من مياه ينابيع طبيعية متدفقة من أعماق الأرض، هي أصل نشأة المعبد، حيث تتدفق مياهها إلى بركة كامي إيكي المقدسة التي تمتد على جزء كبير من أرضية المعبد.
كامي الأباطرة والساموراي
ويضاهي الإله هاتشيمان– من حيث حجم شريحة المتعبدين – سوسانوؤ. فعدد المعابد المكرسة لهذا الإله هو الأكبر في اليابان، حيث يفوق حتى عدد معابد إيناري المنتشرة في كل مكان والتي يمكن التعرف عليها من خلال بواباتها ”توري“ القرمزية والثعالب الحارسة لها.
وعلى الرغم من أن الكامي هاتشيمان يحظى بالتبجيل على نطاق واسع، إلا أن أصوله يكتنفها الغموض. فهو ليس من ضمن الكامي الذين يرد ذكرهم في أقدم سجلين تاريخيين في اليابان – كوجيكي ونيهون شوكي – ولا في سجلات قديمة أخرى. أكثر ما هو معروف الآن هو أن عبادة هاتشيمان نشأت لأول مرة في منطقة أوسا فيما يعرف الآن بمحافظة أويتا في جزيرة كيوشو، ومع مرور الوقت بات يعرف بأنه الإمبراطور الأسطوري أوجين. وهذا التطور الأخير مهم لأنه رفع مكانة هاتشيمان، ما جعله إلها آخر من سلف العائلة الإمبراطورية، إلى جانب إلهة الشمس أماتيراسو.
تعود الأحداث التي رفعت مكانة هاتشيمان من كامي غامض يُعبد في كيوشو البعيدة إلى إله يقدسه البلاط الإمبراطوري، إلى تشييد تمثال بوذا الكبير في تودايجي في نارا. فقد أعلن آنذاك عراف أن هاتشيمان سيحرس تشييد تمثال بوذا. ثم دعا عراف الكامي هاتشيمان مجددا للمساعدة في قمع الاضطرابات داخل العائلة الإمبراطورية حول خلافة العرش وضمان وجود سلسلة مستقرة من الأباطرة. كما ساهم تشييد معبد إيواشيميزو هاتشيمان في كيوتو في جعله إلها مهما في العاصمة، كما منحته العائلة الإمبراطورية اللقب البوذي دايبوساتسو، ليصبح كامي حاميا للبوذية يُعبد وفق نظام ”شينبوتسو شوغو“ الذي يجمع بين البوذية والشينتوية.
القاعة الرئيسية في معبد إيشيشيميزو هاتشيمان في كيوتو (© بيكستا).
اعتبرت عشيرة ميناموتو القوية في العصور الوسطى هاتشيمان أنه ”أوجيغامي (إله العشيرة)“، ما ساعد على توسيع انتشار عبادته. أجرى القائد العسكري الشهير ميناموتو نو يوشيي (1039-1106) في شبابه حفل بلوغه سن الرشد في معبد إيواشيميزو هاتشيمان وأصبح يُعرف فيما بعد بلقب ”هاتشيمانتارو (الابن البكر لهاتشيمان)“. عندما أسس ميناموتو نو يوريتومو – ابن يوشيي – حكومة جديدة في كاماكورا عام 1185، أنشأ معبدا فرعيا هو معبد تسوروغاؤكا هاتشيمان في العاصمة الإقطاعية الجديدة.
استهل يوريتومو فترة استمرت لما يقرب من 700 عام من حكم المحاربين في اليابان، وسعى القادة العسكريون اللاحقون إلى الحصول على الدعم الإلهي من هاتشيمان، ما عزز شعبية هذا الإله بين طبقة المحاربين. كما شُيدت معابد فرعية في جميع أنحاء البلاد، وبمرور الوقت أصبح هاتشيمان الكامي الأكثر تبجيلا على نطاق واسع في اليابان.
حامي الاطفال
إضافة إلى جاذبية هاتشيمان تلك، يُشتهر بين الناس أيضا بأنه إله يهتم بسلامتهم ولا سيما الأطفال الصغار. وقد اكتسب هاتشيمان هذه المكانة من القصة الأسطورية للإمبراطور أوجين ووالدته الإمبراطورة جينغو. عادة ما تبجَّل الإمبراطورة في معابد هاتشيمان جنبا إلى جنب مع زوجها والد أوجين الإمبراطور تشوآي، ومختلف هيميغامي (زوجات وبنات الإله الرئيسي للمعبد).
ووفقا لسجلي كوجيكي ونيهون شوكي، كان تشوآي يستعد لقيادة قواته ضد عدو في كيوشو عندما استحوذ كامي على الإمبراطورة جينغو وطلب من الإمبراطور غزو كوريا. ولكن تشوآي تجاهل الأمر فقتلته الروح الانتقامية. استلمت الإمبراطورة جينغو – التي كانت حاملا بأوجين – راية زوجها وقادت الجيش عبر البحر إلى كوريا، ولكن جاءتها آلام المخاض في خضم المعركة. فربطت حجرا على خصرها، وكتمت آلامها وواصلت الحملة، وحافظت على ابنها في رحمها حتى عادت إلى اليابان.
خططت جينغو عند العودة إلى موطنها تنصيب أوجين على العرش، لكنها واجهت منافسة شرسة من أنصار أبناء زوجات تشوآي الأخريات. تظاهرت الإمبراطورة جينغو بموت أوجين، وخدعت منافسيها بدهاء للتخلي عن حذرهم، ما مكنها من هزيمتهم في ميدان المعركة وتثبيت ابنها كإمبراطور.
حجارة متراكمة حول تمثال جينغو وهي تحمل رضيعها أوجين في معبد أومي هاتشيمان في فوكوؤكا، ويقال إنه المكان الذي ولدت فيه الإمبراطورة (© بيكستا).
وبسبب تلك الأسطورة، ارتبطت معابد هاتشيمان بـ”أنزان“ السلامة أثناء الحمل والولادة، وحتى يومنا هذا تزور الأمهات الحوامل تلك المعابد للصلاة من أجل الحماية. وأكثر تلك المعابد قداسة هو معبد أومي هاتشيمان في فوكوؤكا، الذي يُزعم أن جينغو أنجبت فيه أوجين عند عودتها إلى اليابان.
إن مكانة هاتشيمان باعتباره إلها للحرب وحاميا للأطفال توضح الجوانب المتعددة للكثير من كامي الديانة الشينتوية، بمن فيهم البطل الشرير سوسانوؤ، الذي تجذب صفاته مصلين من مختلف الأطياف إلى المعابد.
(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: © ساتو تاداشي)
كانت هذه تفاصيل خبر اليابان | تعرف على أساطير الآلهة اليابانية لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.
كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على نيبون وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.