شكرا لقرائتكم خبر عن المسرح يفرض شروطه على الرواية والان نبدء باهم واخر التفاصيل
متابعة الخليج 365 - ابوظبي - الشارقة: محمدو لحبيب
تعد الرواية في عرف الكثيرين إحدى أكثر الأشكال الأدبية المكتوبة ارتباطاً بالإنسان وتجسيداً لقيمه وصراعاته وآماله ، لكن فن الرواية يصطدم في مجتمعات عديدة كمجتمعاتنا العربية، بتوفر شرط لا يتوفر على نطاق واسع وهو القراءة، ولذلك تنحصر مكانتها في أوساط القارئين والمتعلمين، وتُحرم قطاعات عريضة من البشر منها.
الرواج اللافت للسرد دفع العديد من المبدعين في تحويل الرواية إلى أعمال فنية مرئية ومسموعة بغية توصيلها إلى كافة شرائح المجتمع، فظهرت أعمال مسرحية كثيرة مأخوذة عن روايات عربية وعالمية كروايات نجيب محفوظ، وروايات تولستوي وغيرها، وشهدت تلك الأعمال إقبالاً جماهيرياً وأعيد عرضها لمرات ومرات.
غير أن تحويل الروايات إلى أعمال مسرحية يطرح بدوره أسئلة عديدة من قبيل: هل يمكن تحويل كل رواية على الإطلاق إلى عمل مسرحي، أم أن في الأمر بعض الشروط التي لا بد أن تنطبق على تلك الرواية، أو على الكاتب المسرحي الذي يريد أن يحولها؟ وكيف يمكن ضبط حدود العلاقة بين الرواية كنوع أدبي سردي وصفي، وبين الكتابة المسرحية المعتمدة غالباً على تقنية واحدة هي الحوار من أجل تكثيف صراع معين، ورسم الشخصيات الداخلة فيه؟ وهل يعتبر تحويل الرواية في بعض الأحيان ظلماً لها، وطمساً لقوتها الإبداعية؟ وهل ثمة طريقة ما لضبط العلاقة بين الروائي والمسرحي في هذا الإطار؟.
”الخليج 365” استطلعت آراء عدد من الكتاب والمسرحيين وتعرفت على رأي أحد النقاد المسرحيين من أجل مقاربة ذلك الموضوع ومعرفة ترسيماته.
الفنان المسرحي مرعي الحليان يرى أنه لا توجد رواية لا تصلح لأن تكون نصاً مسرحياً ويفسر ذلك قائلاً: «المسرح يحتاج فقط إلى محرك درامي من خلال حدث أو فعل، وهذا المحرك الدرامي سوف يخلق توتراته وصراعاته من تلقاء ذاتها، وسيغذيها بمنطق المفارقات الدرامية اللازم لاكتمال الفعل المسرحي، إن أي رواية تكون غايتها في النهاية هي الحياة والإنسان ومصيره، وهو الهدف نفسه والغاية ذاتها التي يتبنى من خلالها المسرح مقولاته واهتماماته، ولهذا فإن كل الروايات وكل القصص قابلة لأن تتحول إلى مسرح».
ويشدد الحليان على مراعاة بعض الشروط اللازم توفرها أثناء عملية تحويل الرواية إلى مسرح: «علينا مراعاة الرواية كجنس أدبي، له مواصفاته البنائية الخاصة، والمسرحية أيضاً كجنس أدبي لها مواصفاتها البنائية الخاصة، وما علينا إلاّ هدم وتفكيك الأولى لكي نبني من موادها الأولية بناء أدبياً جديداً يمثل الثانية، وكذلك على الكاتب المسرحي أن يبحث عن المحرك الدرامي في الرواية، الذي هو صانع الفعل، وبالتالي صانع الحدث، ومن ثم ينطلق إلى بحر التوترات الدرامية التي بإمكان المحرك الدرامي أن يولدها».
الناقد المسرحي الدكتور هيثم الخواجة، له رأي مختلف إذ يرى أن ليس كل رواية قابلة لأن تتحول إلى نص مسرحي، ويشرح ذلك قائلاً: «بالتأكيد ليس كل رواية قابلة للتحول إلى نص مسرحي، وإن تحولت فلن تكون بالمستوى الجيد عندئذ، ذلك أن تحويلها يتطلب شروطاً أساسية لا بد من مراعاتها، ومن بينها أن تكون الرواية متضمنة فضاءات درامية يستطيع الكاتب الذي سيحولها أن يستغلها للوصول إلى صورة الصراع المسرحي، فهناك روايات مسطحة، وهناك روايات لا تغوص في رسمها لشخصياتها، وفي مثل هذه الروايات سيضطر الكاتب المسرحي إلى تعديلات كبيرة، وعندئذ ربما سيخرج عن سياق الرواية تماماً».
ويضيف الخواجة أن ثمة شروطاً أخرى لا تتعلق بالرواية المراد تحويلها؛ بل بالكاتب المسرحي نفسه ويقول: «الكاتب المسرحي يجب أن يمتلك قدرة نقدية واضحة لكي يعرف دلالات الرواية وكيفية بناء شخصياتها، والمشكلة هنا أن بعض الكتاب يحوّلون الرواية وهم ليسوا على دراية بالكتابة المسرحية، ولا يمتلكون حتى ناصية اللغة اللازمة لذلك، وعلى الكاتب المسرحي أن يعي بأن عليه أن يأخذ نصاً روائياً قادراً على إقناع الجمهور على المسرح، وأن يميز بالتالي بين الرواية التي تصلح للمسرح وبين تلك التي لا تصلح له».
الكاتب المسرحي والمخرج صالح كرامة، يرى أن تحويل الرواية إلى عمل مسرحي يرتبط بمخيلة الكاتب المسرحي أساساً فهو الفيصل في الأمر ويقول: «الأمر يعتمد على قدرات الكاتب المسرحي أساساً، فحين تكون مخيلة هذا الكاتب نشطة ومبدعة، سيستطيع التقاط الحدث المسرحي من قلب أي رواية، وسيكون واعياً لعقدة النص الذي أمامه، ويكون بمقدوره أن يتخيله وصولاً إلى تجسيد مقومات عمل مسرحي متكامل، انطلاقاً من ذلك النص الروائي».
ويتفق كرامة مع القائلين بأن كل نص روائي يمكن تحويله إلى مسرح ويقول عن ذلك: «كل رواية على الإطلاق يمكن تحويلها إلى نص مسرحي، لكن كل ذلك أيضاً مرتبط بأن يكون من سيحولها كاتب حقيقي وليس مجرد هاوٍ، ونحن الآن في الوطن العربي لدينا أزمة كتاب مسرحيين يستطيعون الكتابة بشكل احترافي، ويعرفون كيف يصوغون الجملة الدرامية وكيف يحوّلونها إلى فعل مسرحي».
ويؤكد الكاتب أحمد الماجد أطروحة عدم قابلية كل رواية لتتحول إلى عمل مسرحي ويقول: «النص المسرحي الجيد يعتمد على رواية جيدة ذات فكرة جدية ومتجددة، وعلى شخصيات قادرة على حمل الصراع، وعلى خطوط درامية مبنية ومتصاعدة، والأهم من ذلك كله هو آنية ما تحمله تلك الرواية من طروحات يمكن إسقاطها على الواقع المعيش عبر المسرح، لذلك فليست كل رواية يمكن أن تتحول إلى مسرح».
ويضيف الماجد شارحاً أسباب توجه بعض المسرحيين إلى الرواية لتحويلها إلى نص مسرحي فيقول: «أهم أسباب ذهاب الكتاب إلى الرواية وتحويلها إلى نص مسرحي هو غنى الأفكار والمعارف التي تحملها، والتفاصيل الدرامية الواسعة والخيال المترامي الأطراف فيها، إضافة إلى عمق الشخصيات وتنوعها والذي يمنح كاتب المسرح، القدرة على التعبير عبر خلق شخصيات درامية حية، طبعاً نحن نتحدث عن الرواية الجيدة، ونتحدث عن كاتب مسرحي يعرف جيداً كيف يتعامل مع النص الروائي ويحذف المشاهد الزائدة فيه، ويحول الجمل الأدبية إلى حوارات درامية».
القاص سلطان الزعابي يرى أنه لا بد من طرح مجموعة من التساؤلات قبل أن يشرع الكاتب المسرحي في معالجة أي رواية من قبيل: هل هذا النص الروائي المراد تحويله هو نص جامد أم قابل للقراءات المتعددة؟
يشدد الزعابي على جزئية أن يكون الكاتب المسرحي متمكناً من عمله، ويقول: «قدرة الكاتب المسرحي على استخراج روح النص وتحويلها إلى مشاهد مكتوبة باحترافية، هي أمر ضروري الوجود، ثم إن ذلك الكاتب
لابد أن يمتلك القدرة على رصد كل التعديلات المطلوبة وتطبيقها على النص السردي الروائي بحيث تتناسب مع المسرح».
ونبه الزعابي إلى إشكالية قد تصادف الكاتب المسرحي أثناء تعامله مع الرواية: «ثمة إشكالية قد تظهر أثناء التعامل مع النص الروائي، وهي أن كمّ التعديلات التي يتطلبها قد تحوله إلى نص آخر مختلف تماماً عن الأصل، وهو ما يستدعي أن ينتبه الكاتب المسرحي إلى أن الروائي سيكون حساساً عند هذه النقطة، ولذا لا بد من أن تكون هناك صيغة احترافية يتفق من خلالها الروائي والمسرحي على حدود التعديلات وكيفيتها، حتى لا تأخذ المسرحية من الرواية كل شيء، وحتى تكون الرواية بدورها قابلة لأن تعي حدود التغييرات التي ستطرأ عليها».