ميرنا وليد - بيروت - ..الكوميديا ليست مجرد وسيلة لإضحاك الناس، بل هي فن يُسخِّر الفكاهة لتخفيف أعباء الحياة اليومية، حتى في أصعب الأوقات. ومن المعروف أن للضحك قدرة كبيرة على مساعدة الناس في نسيان همومهم، ولو حتى للحظات، لكن عندما تتداخل أجواء الحرب مع هذا الفن، تصبح الأمور أكثر تعقيدًا. في لبنان، حيث الحرب تؤثر على كل جوانب الحياة، يُواجه الكوميديون تحديًا كبيرًا في التوفيق بين الضحك وبين تقدير معاناة الناس، لذا، من المهم أن نفهم كيف تنعكس أجواء الحرب على عملهم الكوميدي، وما إذا كانوا يجدون صعوبة في الحفاظ على روح الفكاهة في ظل هذه الظروف الصعبة. هل من الصواب أن يستمروا في عملهم الكوميدي، أم أن على الكوميديين التوقف عن العمل احترامًا لمعاناة الناس؟ وما هي التحديات التي يواجهونها في صناعة المحتوى حالياً؟ في هذا التحقيق، أجرينا مقابلات مع مجموعة من الكوميديين، لنتعرف على تأثير الحـرب على عملهم، وعلى مواقفهم من الاستمرار في العمل أو التوقف عنه، بالإضافة إلى التحديات التي يواجهونها في خلق محتوى يتناسب مع الوضع الحالي.
تحدث موقع الخليج 365 مع الممثل اللبناني جاد بو كرم، للإجابة عن الأسئلة التي ذكرناها، فقال: "الحرب تترك بصمة كبيرة على عملنا في مجال الكوميديا، لكن أحيانًا، من قلب الصعوبات والآلام، نستطيع أن نخرج بمواقف تحمل طابع السخرية المضحكة، التي تجعل الناس يرتاحون قليلًا وينسون واقعهم. الكوميديا يمكن أن تكون وسيلة لتهدئة الأعصاب وتخفيف التوتر، ولا ينبغي أن تكون دائمًا بعيدة عن الحقيقة؛ على العكس، هي تزيد من ارتباط الناس بالوضع. الكوميديا قد تكون حاجة ملحة حتى في ظروف الحرب، صحيح أن هناك شهداء وأشخاصاً يعانون، وهذا يفرض علينا احترام مشاعرهم، وأن نكون حساسين تجاهها، لكن الضحك بحد ذاته يخفف من وطأة الألم، ويساعد الناس على الاستمرارية. الكوميديا ليست بالضرورة تقليلًا من معاناة الناس، بل يمكن أن تكون وسيلة لتعزيز الصمود، ونشر الأمل وسط كل هذه الفوضى. إذا كان العمل الكوميدي محترمًا، ويوازن بين الترفيه وتقدير مشاعر الناس، فلا مانع من ذلك. هناك الكثير من التحديات التي نواجهها لصناعة محتوى يتناسب مع الأوضاع، منها: التوازن بين الضحك والحساسية، لأنه يجب أن نكون دقيقين للغاية في طريقة طرحنا، حتى لا نجرح مشاعر الناس الذين يعانون، ونخلق محتوى يخفف عنهم، من دون أن يشعروا بالإهانة أو الاستخفاف، بالإضافة إلى فهم الأوضاع وتبسيطها، إذ إن الأوضاع الصعبة تكون أحيانًا معقدة، وتتطلب وقتًا لفهمها بشكل كامل. بالنسبة لسؤال: "كيف يمكننا تبسيطها وتقديمها للجمهور بطريقة سهلة؟" فإن مشكلتنا هنا هي ضرورة إيصال الرسالة بشكل واضح، من دون أن تكون سطحية. كما أن هناك خوفاً من الانتقادات، ففي ظروف كهذه، أي عمل قد يكون بسهولة عرضة للانتقاد، لأن مشاعر الناس حساسة. هناك من قد يتقبل الكوميديا ويجد فيها نوعًا من التسلية، وهناك من قد يراها قلة احترام. بالإضافة إلى صعوبة إيجاد أفكار ملهمة، لأن الحـرب تحدّ من الإبداع أحيانًا، ويصبح من الصعب إيجاد أفكار ملهمة ومرحة في الوقت ذاته. الجو العام يكون كئيبًا، والضغط النفسي يؤثر على الابتكار. أما بالنسبة للفنانين والممثلين، فيعتمد الأمر على المحتوى والأسلوب الذي يقدمه الفنان، إذا كان الفن أو التمثيل يحمل رسالة قوية، ويعبر عن آلام الناس ويتماشى مع الواقع، فلمَ لا؟ الفن ينقل مشاعر الناس ويعكس تجاربهم، وعندما يواصل الفنانون عملهم في ظروف صعبة، فإنهم يعبرون عن معاناة الناس، وينقلون رسائل مهمة. بالطبع هناك مواقف تتطلب حساسية عالية، ومن الضروري أن يكونوا مدركين لتأثير عملهم على الجمهور".
أما الممثل فؤاد يمين، فأجاب قائلاً: "الكوميديا تتأثر كثيراً بالحرب؛ فهي من أوائل الأمور التي تتوقف نوعاً ما، ومن آخر الأمور التي تعود للانطلاق، لأن الناس تعتبر الكوميديا شيئاً ترفيهياً، وليس من أساسيات الحياة. بطبيعة الحال، أجواء الحرب تكون قاسية جداً على كل شيء، وخصوصاً على الكوميديا، إذ يشعر المرء بالذنب إذا ضحك؛ فكيف يمكنه أن يضحك وسط كل هذا الألم وهذا الموت؟ بالطبع، يجب أن يكون هناك احترام للناس ولآلامهم، لكن هل يعني ذلك أن نتوقف تماماً عن الكوميديا؟ برأيي، لا. لدينا تجربة الحرب اللبنانية، وحينها استمرت المسارح في العمل، وظلت الكوميديا قائمة، أما اليوم، فإذا كان يمكن تقديم الكوميديا بطريقة لا تُنشر بشكل واسع على وسائل التواصل، حتى لا تؤذي أو تزعج الأشخاص الذين يعانون من أوجاع كبيرة، فأرى أنه يمكن أن تُقدَّم، كما يمكن أن تكون هذه العروض بهدف تخصيص جزء من أرباحها للمساعدات، أو يمكن تقديم عروض خاصة للنازحين الذين يحتاجون للترفيه". أما بالنسبة للتحديات فقال: "التحدي الأساسي هو أولاً: كيف يمكن لشخص أن يقدم الكوميديا من دون أن يجرح مشاعر الآخرين؟ ثانياً: هناك تحدٍ أكبر، وهو: "هل سيخرج الناس من بيوتهم ليشاهدوا المسرح والكوميديا؟" سيكونون خائفين. كيف يمكن تنظيم ذلك؟ وأين سيُقام؟ هذه كلها تحديات. إذا أردنا أن نستمر، ويجب أن نستمر، فإن ذلك يعد نوعاً من المقاومة الصغيرة، لأن العدو يريدك أن تتوقفي، وتتركي أرضك وترحلي، فإذا بقيتِ وواصلتِ أعمالك بشكل طبيعي، فأنتِ بذلك تقاومين وتقولين: "لا، أنا باقية مهما حدث"، والفن أيضاً يجب أن يستمر. الحروب والمآسي تعزز الحالة الفنية، لأن الألم يولّد طاقة إبداعية، فإن الفن لم يتوقف أبداً في أي حرب، لأنه يتحول إلى وسيلة للتعبير عن تلك الحروب. هناك أغنية جميلة جداً، تحمل جملة رائعة، عن كيفية التعامل مع الأوقات الصعبة، والإجابة هي أننا نغني في تلك الأوقات. كذلك الأمر بالنسبة للمسرح والرسم، فنعمل على الفنون في الأوقات الصعبة. عندما قيل لـ ونستون تشرشل، خلال الحرب العالمية الثانية، إنهم بحاجة إلى تقليص ميزانية الفن لزيادة ميزانية الحرب، لم يوافق. وكان رده: "لماذا نحارب إذاً؟"
أما نجم مواقع التواصل الإجتماعي نبيل قاسم، فقال: "الحرب تؤثر بشكل كبير على عملنا؛ فعلى سبيل المثال، حاولت تقديم مقاطع فيديو كوميدية قصيرة، تتناول موضوع المسيرات وأفيخاي أدرعي وأيضًا قضية التهجير، لكني أجد أن روح الفكاهة في هذه الظروف صعبة جدًا، وكأنك تحاول استخراج بعض الضحك من قلب المأساة، وهذا أمر بالغ الصعوبة. منذ بداية الأزمات الاقتصادية والمعيشية في لبنان، كنت أحاول تقديم مواقف كوميدية، لأن ردود الفعل كانت مشجعة جدًا، فقد تلقيت آلاف التعليقات من جميع أنحاء العالم، وكانت تقول: "بتخفف عن القلب" ويطلبون مني الاستمرار. لذا، إذا كان هذا العمل يجلب السعادة للناس، فلا يجب أن نتوقف، لأن هناك دائماً حزناً وموتاً ودماراً، أما الضحكة فهي نادرة. المسألة تشبه الموت؛ نحزن في البداية، لكننا نتأقلم مع الفكرة، ونواصل حياتنا. إذا استمرت هذه الأزمة لفترة طويلة، فمن المؤكد أن الفنانين يجب أن يستمروا في عملهم. خلال الحرب اللبنانية، توقف الفنانون عن العمل خلال الأشهر الست الأولى، لكن بعد ذلك عادت الحياة تدريجيًا إلى طبيعتها. إذا طالت مدة هذه الأزمة، ستصبح جزءًا من روتين حياتنا وتفصيلًا يوميًا، ولهذا لا بد أن تستمر الحياة. أحيانًا أخرج من الإطار الكوميدي، وأخصص وقتي للمساعدات الإنسانية أو التحليلات السياسية، وأكبر تحدٍ هو أنني أحاول ألا أسيء إلى أحد من جميع الأطراف. أسير على خيط رفيع عندما أتحدث في أمور الكوميديا أو السياسة، لأن آراء الناس منقسمة بشأن الحرب، وأنا أحاول إرضاء الجميع. لذلك، التحديات كثيرة، لكنني أبذل جهدي لتقديم مشاهد كوميدية تتعلق بالوضع الراهن".
أما كارين مكاري المعروفة بـ"كوكو ماك ماك"، فقالت: "للحرب والتوتر الحاصلين في لبنان تأثير عميق على جميع جوانب الحياة، بما في ذلك حس الفكاهة، ويصبح من الصعب أحياناً الحفاظ على التوازن بين الحاجة إلى إضحاك الناس وخطورة ما يحصل، ومع ذلك، لعبت الفكاهة دائماً دوراً في تطهير النفس، فهي تسمح للناس بتحرير أنفسهم من ثقل الحياة اليومية، ليتذكروا أنه لا يزال هناك شكل من أشكال الضوء في الظلام. بالطبع يجب على الممثل الكوميدي أن يكون حساساً ومنتبهاً للمضمون، حتى لا يقع في السخرية أو البذاءة، ومن خلال تقديم فترة راحة عبر الضحك، يمكننا تخفيف بعض المعاناة، لذلك رغم الظروف المأساوية، من الضروري الاستمرار في تقديم الفرح والضحك. الضحك هو طريقة للقول: "رغم كل شيء، نحن هنا، والحياة تستمر". في هذه الأوقات الصعبة، لا يجب على الممثل الكوميدي أن يكتفي بالترفيه فحسب، بل يجب عليه أيضًا أن يقدم شكلاً من أشكال المقاومة من خلال خفة دمه، حتى لو بدا الأمر سريع الزوال. الضحك هو فعل من أجل البقاء، وطريقة لإظهار أننا لا نسمح لأنفسنا بالهزيمة بسبب العنف والمعاناة. أما بالنسبة للفن، فلا يتعلق الأمر بالضرورة بتعليق النشاط الفني، بل بجعله يتكيّف مع الوضع. لقد كان الفنانون والممثلون والفكاهيون دائمًا شهودًا على الأوقات المضطربة، ولا يقتصر دورهم على الترفيه فقط، بل أيضًا على تقديم شكل من أشكال الأمل والراحة. وبدلاً من تعليق عملهم، أعتقد أنهم يجب أن يسعوا إلى الاستجابة لحاجات الجمهور بحساسية وحذر. في نهاية المطاف، لا يمكن أبدًا إيقاف الفن لفترة مؤقتة، لأنه جزء من ما يبقينا بشرًا، حتى في أوقات الأزمات. أما بالنسبة إلى التحديات، فيصبح موضوع خلق محتوى تحدياً حقيقياً في هذه الأجواء الصعبة. من السهل أن نترك ثقل الأحداث يطغى علينا، ونقع في التكرار أو السخافة. ومع ذلك، من المهم الحفاظ على جوهر الفكاهة بشكل سليم، أي قدرتها على المفاجأة، وإثارة ردة فعل حقيقية، وتقديم نسمة من الهواء المنعش. في هذه اللحظات الصعبة، يجب على الكوميدي أيضًا أن يكون مراقبًا ومطلعًا على الواقع، وأن يجد الزاوية المناسبة للضحك، من دون التقليل من الألم. خلق التوازن ليس سهلاً، لكن الهدف الأساسي يظل الترفيه، وجعل الناس يفكرون، من دون التضحية بالجودة أو الإبداع.
كانت هذه تفاصيل خبر خاص- فؤاد يمين وجاد بو كرم ونبيل قاسم وكوكو ماك ماك يواجهون تحديات الضحك في زمن الحرب لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.
كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على النشرة الفنية وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.