سينما علاقة إسرائيل بإثيوبيا من عملية الأخوة إلى سد النهضة

ياسر رشاد - القاهرة - جميعنا يعلم أن طموحات إسرائيل فى إثيوبيا لها الجانب الاقتصادى والعسكرى والثقافى والتجارى والإعلامى. ومن وجهة النظر الإسرائيلية، العلاقات الإثيوبية الإسرائيلية هى علاقات تاريخية وثقافية بامتياز، وهذا ما أكده رئيس الوزراء الإسرائيلى عندما استقبل رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد عام 2019 عندما قال: (إن الشعبين تربطهما علاقات تاريخية، لكنها علاقات مميزة لأنها يعززها جسر بشرى مكون من 150 ألف إسرائيلى من أصل إثيوبى يجلبون الثقافة الإثيوبية والفخر الإثيوبى إلى إسرائيل).

اليهود الإثيوبيون فى إسرائيل هم مهاجرون ومن نسل المهاجرين من مجتمعات بيتا إسرائيل فى إثيوبيا الذين يقيمون الآن فى إسرائيل. وقد هاجر معظم أفراد المجتمع من إثيوبيا إلى إسرائيل فى موجتين من الهجرة الجماعية بمساعدة الحكومة الإسرائيلية: عملية موسى (1984)، وعملية سليمان (1991). والسينما رصدت تلك العلاقة والهجرات فى أفلام عديدة، ومنها:

عش وكن (Va, vis et deviens) هو فيلم درامى فرنسى صدر عام 2005 عن صبى مسيحى إثيوبى يتنكر فى هيئة يهودى إثيوبى للهروب من المجاعة ويهاجر إلى إسرائيل. أخرج الفيلم الرومانى المولد رادو ميهايلينو. وقد فاز بجوائز فى مهرجانى برلين وفانكوفر السينمائيين وغيرهما.

والفيلم يركز على «شلومو»، صبى إثيوبى، تضعه أمه المسيحية مع امرأة يهودية إثيوبية توفى طفلها. وهذه المرأة، التى ستصبح أمه بالتبنى، على وشك أن يتم نقلها جواً من مخيم للاجئين السودانيين إلى إسرائيل أثناء عملية «موسى» عام 1984. والدته الحقيقية، التى تأمل حياة أفضل له، تقول له «اذهب، عش، وكن»، بينما يتركها ليركب الحافلة. ويحكى الفيلم عن نشأته فى إسرائيل وكيف يتعامل مع الأسرار التى يحملها: كونه ليس يهودياً وترك والدته الحقيقية.

 

«بيتا إسرائيل» 

«القدس، فيلم وثائقى خطير (مقتبس من سلسلة أفلام وثائقية إسرائيلية) يروى قصة رحلة طويلة ودرامية ومضطربة حيث وجد المجتمع اليهودى الإثيوبى، المعروف أيضاً باسم «بيتا إسرائيل»، طريقه أخيراً إلى القدس. وهى قصة قبيلة يهودية معزولة حافظت على إيمانها لآلاف السنين على الرغم من أنها عاشت فى بيئة مسيحية معادية. وهذه هى قصة التقاليد اليهودية القديمة، والأعمال البطولية والعمليات السرية الجريئة. ولكن بشكل أساسى، هذه هى قصة ارتباط دينى قوى انتقل من الأب إلى الابن لأجيال لا حصر لها. رغبة فى «القدس» مربوطة بخيوط من الذهب.

«خروج اليهود السود» و«إنقاذ القبيلة المفقودة» قدمتها عناوين الأخبار الدولية فى يناير 1985 عندما تم الكشف عن الجسر الجوى المعروف باسم «عملية موسى». وفى واحدة من العمليات السرية العديدة التى جرت فى إطار هجرة الإثيوبيين، تعاون «الموساد» الإسرائيلى والإدارة الأمريكية ويهود العالم لنقل آلاف اليهود الإثيوبيين من مخيمات اللاجئين الجهنمية فى السودان. وكتبت صحيفة «التايمز» اللندنية: «كانت عملية النقل الجوى فى حد ذاتها قصة ملهمة مثل قصة الخروج التوراتى». 

«القدس» هى القصة المعقدة للمجتمع اليهودى الإثيوبى فى إسرائيل، حيث تنقل قصص الجيل الأول والثانى من المهاجرين، والقضايا الحاخامية، ونشطاء الهجرة، وموظفى «الموساد»، وقادة السفن والطيارين، وصناع القرار. كان مطلوباً منهم إثبات يهوديتهم والقتال من أجل مكانهم فى المجتمع الإسرائيلى.

 

عملاء «الموساد»

يعتمد فيلم «منتجع الغوص فى البحر الأحمر» على أحداث عملية موسى وعملية «يشوع» (يشار إليهما معاً باسم عملية الأخوة)، حيث تم نقل اليهود الإثيوبيين سراً من مخيمات اللاجئين فى السودان إلى إسرائيل خلال الثمانينيات. ويقع المنتجع المهجور الفعلى، قرية أروس للعطلات على البحر الأحمر، على بعد نحو 70 كيلومتراً من بورتسودان وكان يديره عملاء «الموساد» حتى عام 1985. تم الكشف عن وجود هذه العمليات لأول مرة فى كتاب «جاد شيمرون» عام 1998 خروج «الموساد»: الإنقاذ السرى الجرىء للقبيلة اليهودية المفقودة، على الرغم من أن الفيلم غير مرتبط بالكتاب. 

كانت العملية، التى سميت على اسم الشخصية التوراتية موسى، عبارة عن جهد تعاونى بين قوات الدفاع الإسرائيلية ووكالة الاستخبارات المركزية وسفارة الولايات المتحدة فى الخرطوم والمرتزقة وقوات أمن الدولة السودانية. بعد سنوات من اكتمال العملية، تم الكشف عن أن المسلمين السودانيين والشرطة السرية السودانية لعبوا أيضاً دوراً فى تسهيل الهجرة الجماعية لليهود الإثيوبيين خارج السودان. وكانت عملية موسى من بنات أفكار منسق الولايات المتحدة المساعد لشئون اللاجئين آنذاك، ريتشارد كريجر.

توصل «كريجر» إلى فكرة الجسر الجوى والتقى بممثلى الموساد والسودان لتسهيل العملية. بعد اجتماع سرى لمجلس الوزراء الإسرائيلى فى نوفمبر 1984، تم اتخاذ القرار بالمضى قدماً فى عملية موسى. وبدءاً من 21 نوفمبر 1984، شملت العملية النقل الجوى بواسطة الخطوط الجوية الأوروبية لنحو 8000 يهودى إثيوبى من السودان عبر بروكسل إلى إسرائيل، وانتهت فى 5 يناير 1985.

على مدى تلك الأسابيع السبعة، نقلت أكثر من 30 رحلة نحو 200 يهودى إثيوبى فى وقت واحد إلى إسرائيل. وكانت شركة Trans European Airways قد طارت من السودان فى السابق مع المسلمين الذين يؤدون فريضة الحج إلى مكة، لذا كان استخدام TEA حلاً منطقياً لهذه العملية شبه السرية لأنها لن تثير أسئلة من سلطات المطار. وقبل هذه العملية، كان هناك ما يقرب من 250 مهاجراً إثيوبياً فى إسرائيل. وفر الآلاف من بيتا إسرائيل من إثيوبيا سيراً على الأقدام إلى مخيمات اللاجئين فى السودان، وهى الرحلة التى تستغرق عادة من أسبوعين إلى شهر. يُقدر أن ما يصل إلى 4000 شخص لقوا حتفهم أثناء الرحلة، بسبب العنف والمرض على طول الطريق. 

التجربة الشخصية للمخرج الإسرائيلى

يروى فيلم الدراما التاريخى «شجرة التين» الذى استوحى اسمه من لقاء بين زوجين مراهقين من ديانات مختلفة، قصة الهجرة اليهودية الإثيوبية إلى إسرائيل أثناء الحرب الأهلية الإثيوبية. وتعكس هذه القصة جزئياً التجربة الشخصية لمخرج الفيلم الإثيوبى الإسرائيلى، ألام ورقى ديفيديان. تم تصوير الفيلم فى إثيوبيا، وهو يقدم منظوراً فريداً للمجتمع اليهودى الإثيوبى الذى يعود تاريخه إلى قرون مضت والمعروف باسم «بيتا إسرائيل».

فاز فيلم «شجرة التين» بجائزة الأوسكار الإسرائيلية لأفضل تصوير سينمائى، وعُرض فى مهرجان «بورتلاند» السينمائى اليهودى. 

«شجرة التين» هو أحد ثلاثة أفلام حديثة عن بيتا إسرائيل عُرضت فى مهرجان سان فرانسيسكو للأفلام اليهودية، إلى جانب «فندق الغوص فى البحر الأحمر»، و«المسافرون»، الذى يتناول السعى إلى مزيد من الاعتراف باليهود الإثيوبيين للقدوم إلى الدولة اليهودية. 

تدور أحداث فيلم «شجرة التين» فى عام 1989، وتدور أحداثه حول مينا، وهى فتاة مراهقة تعيش فى حى فقير بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا. والدتها موجودة بالفعل فى إسرائيل، وتعمل على جلب بقية أفراد الأسرة إلى هناك: مينا وشقيقها «ريتا» وجدتهما «شوعات». ولا تشمل الخطط صديق مينا المسيحى إيلي؛ وتتساءل مينا كيف يمكنها إحضار إيلى إلى إسرائيل أيضاً.

«شجرة التين» لا يمثل أول فيلم روائى طويل لديفيديان فحسب، بل يمثل أيضاً فرصة للقيام بزيارة العودة إلى وطنها والعمل مع كل من الإثيوبيين والإسرائيليين على مدار ستة أشهر، (كان زوج ديفيديان، المخرج الإسرائيلى كوبى ديفيديان، يعتنى بأسرتهما أثناء غيابها). ويضم طاقم الفيلم الإثيوبى ممثلة مسرح الأطفال بيتاليم أسماماوى فى دور مينا، والممثلة المخضرمة وينشيت بيلاشو فى دور شوات. قالت ديفيديان: «بيلشو ممثلة كبيرة ومشهورة جداً فى إثيوبيا»: «أعتقد أننى كنت أجنبية بالنسبة لطاقم العمل الإثيوبى. أنا إسرائيلية إثيوبية. وعندما وصلت إلى إثيوبيا، أصبحت إسرائيلية»، بينما فى إسرائيل، تعتبر إثيوبية، على حد قولها.

وقالت ديفيديان إن هناك «قضايا توتر عنصرى» داخل الطاقم الذى ضم أعضاء إسرائيليين وإثيوبيين وألمان وفرنسيين، ما جعلها تشعر «بالانزعاج الشديد».

 

السياسة الدولية وراء عملية سليمان 

فيلم خروج 91 وثائقى درامى هجين يتتبع الدبلوماسى الإسرائيلى آشير نعيم فى مهمة تبدو مستحيلة لإحضار 15 ألف يهودى إثيوبى إلى إسرائيل. وبينما يتعلم آشير المزيد عن هؤلاء اليهود الأفارقة، يجد نفسه بين عالمين ويواجه أزمة إيمان فى نفسه وبلاده. تأليف: إيتان أنر، إخراج: ميكا سميث. الممثلون الرئيسيون: يورام توليدان، شاى فردو، شموليك كالديرون، أوشرات إنجيداشيت، ميشال ياناى. ويبدأ عندما يتم إرسال الدبلوماسى الإسرائيلى آشير نعيم إلى إثيوبيا للتفاوض على إطلاق سراح 15 ألف يهودى إثيوبى من بلد ينهار تحت وطأة المجاعة والحرب الأهلية. وبالتعاون مع زملائه الإثيوبيين الإسرائيليين الذين هاجروا إلى إسرائيل قبل عقد من الزمان، يبدأ آشير فى التساؤل عما إذا كانت الحكومة الإسرائيلية تستخدم العملية كجزء من حيلة دعائية متقنة لإثبات للعالم أن الصهيونية ليست عنصرية. وفى الوقت نفسه، يتساءل الإثيوبيون أنفسهم عما إذا كانوا مجرد بيادق فى هذه الخطة. ومع اقتراب القوات المتمردة من العاصمة، تنهار ثقة آشير فى مهمته بينما يتنقل فى عالم البيروقراطية والسياسة الخائن. يتناول الفيلم الوثائقى السياسة الدولية وراء عملية سليمان- الجسر الجوى لمدة يومين فى مايو 1991، والذى جلب تقريباً جميع اليهود الإثيوبيون إلى إسرائيل فى رحلات جوية مباشرة لـ35 طائرة إسرائيلية.

 

العمل الخطير الذى قام به النشطاء اليهود

فيلم «بدون أرض» وثائقى بعد ثلاثين عاماً من عملية سليمان، التى جلبت 15,000 يهودى من إثيوبيا إلى إسرائيل فى 22 ساعة ونصف الساعة غير عادية، يكشف فيلم «بدون أرض» لأول مرة عن جانب آخر من القصة، مع التركيز على سبب استغراق الأمر سنوات عديدة بين عملية موسى (1984) وعملية سليمان (1991). ويسلط الفيلم الضوء على العمل الخطير الذى قام به النشطاء اليهود فى إثيوبيا وإسرائيل والولايات المتحدة، الذين عملوا لسنوات، لنقل اليهود الذين بقوا فى إثيوبيا. ومن خلال شهادات مباشرة من نشطاء إثيوبيين ولقطات أرشيفية، يكشف الفيلم عن التاريخ الأعمق الذى أدى إلى عملية سليمان، منذ تصورها الأول، وحتى الجهود المبذولة حتى الآن لإحضار أولئك الذين تركوا وراءهم خلال عملية سليمان إلى إسرائيل.

 

اليهود المختبئون فى إثيوبيا

لمدة مئات السنين، وربما فترة أطول، كان اليهود الإثيوبيون معروفين بين جيرانهم باسم «الفلاشا»، وهو مصطلح يعنى «بلا أرض» أو «متجول»، ما جعلهم يبدون غرباء دائمين فى الدولة الواقعة فى شرق أفريقيا، على الرغم من أن اليهود يقيمون هناك منذ آلاف السنين.

وفى مواجهة التمييز، اعتنق البعض المسيحية. ولم يعتنقها آخرون، ومن أواخر سبعينيات القرن العشرين حتى تسعينياته، تم نقل الجالية إلى إسرائيل فى عدة رحلات جوية، بما فى ذلك عملية موسى وعملية سليمان. وتم نقل المتحولين إلى المسيحية، المعروفين باسم فلاش مورا، إلى إسرائيل فى وقت لاحق، على الرغم من أن عدة آلاف ما زالوا فى العاصمة أديس أبابا، فى انتظار الانضمام إلى أقاربهم فى الأرض الموعودة.

وظلت مجموعة ثالثة من اليهود، تعرف باسم «بال إيج»، أو الحرفيين، مختبئة، تمارس شعائرها الدينية فى السر، بينما تقدم نفسها ظاهرياً على أنها مسيحية. وربما لا يتجاوز عددهم بضعة آلاف، وإن كان لا أحد يعرف على وجه اليقين. ويعيش كثيرون منهم فى قرى جبلية نائية بالقرب من أديس أبابا، فى منطقة تعرف باسم شمال شيوا، ويقيم آخرون فى حى فقير فى العاصمة يسمى كيشينى.

وقد ترك عدد قليل، يتراوح بين 20 و30 شخصاً، المسيحية تماماً ويمارسون علانية نسختهم الفريدة من اليهودية فى كنيس فى كيشينى. وتم سرد قصتهم غير العادية فى الفيلم الوثائقى «بال إيج: اليهود المختبئون فى إثيوبيا» للمخرجة إيرين أورليانسكى. عرض فيلم «بال إيج» فى مركز بوروشوف الثقافى فى تورنتو، فى حدث ترعاه منظمة كولانو كندا، وهى منظمة تلفت الانتباه إلى المجتمعات اليهودية المعزولة والناشئة فى جميع أنحاء العالم وتجمع الأموال للمساعدة فى ربطهم بماضيهم اليهودى والمجتمع اليهودى الأوسع.

وتتوجه أورليانسكى بحديثها إلى المشاهدين عبر سكايب من منزلها فى إسرائيل.

وفى حديثها إلى CJN عبر الهاتف، قالت أورلينسكى إن مشروع الفيلم استغرق أربع سنوات فى الإعداد. وقالت أورلينسكى، وهى موسيقية ومخرجة أفلام، إنها بدأت المشروع كجزء من جهد لتسجيل التقاليد الموسيقية لليهود فى أفريقيا والهند والصين. وقالت إن اليهود فى بال إيج يتشاركون فى الكثير من الخصائص مع اليهود المتخفين أو المختبئين الآخرين عبر التاريخ.

وكما هو الحال مع أتباع المذهب المتحول فى إسبانيا، فقد تعرضوا للاضطهاد وأجبروا على اعتناق المسيحية. ولكنهم مارسوا سراً نسختهم الفريدة من اليهودية التى نشأت قبل السبى، على حد قولها. ويعتقد أن اليهود الإثيوبيين، بما فى ذلك بال إيج، غادروا إسرائيل القديمة بعد تدمير الهيكل الأول. ونتيجة هذا فإن يهوديتهم لا تتضمن التلمود، ولا يحتفلون بالأعياد التى تلى المنفى مثل عيد المساخر أو عيد الحانوكا. إنهم يلتزمون بالسبت بصرامة شديدة، فيتجنبون العمل تماماً، بينما يقضون اليوم فى الأكل والصلاة. كما يمارسون أيضاً الندة، وهى فصل النساء أثناء الحيض. والغناء جزء مهم من طقوس صلاتهم. وفى القرون الماضية، اعتمدت الجماعة على الكهنة لأداء الوظائف التى يقوم بها الحاخامون فى المجتمعات اليهودية الأخرى. وكان الكهنة، بدورهم يتلقون التدريب على يد الرهبان الذين يعيشون فى عزلة ويتفانون فى دراسة التقاليد اليهودية. ويحتفظ الرهبان أيضاً بمعابد سرية، حيث يجتمع كبار السن فى المجتمع للصلاة.