ريشة.. قصة قصيرة

ياسر رشاد - القاهرة - من بين ثمار الإبداع المتناثرة هنا وهناك، تطفو على السطح قطوف دانية، تخلق بنضجها متعة تستحق التأمل، والثناء، بل تستحق أن نشير إليها بأطراف البنان قائلين: ها هنا يوجد إبداع..
هكذا تصبح "قطوف"، نافذة أكثر اتساعًا على إبداعات الشباب في مختلف ضروبها؛ قصة، شعر، خواطر، ترجمات، وغيرها، آملين أن نضع عبرها هذا الإبداع بين أيدي القراء، علّه يحصل على بعض حقه في الظهور والتحقق.
"سمية عبدالمنعم" 

                       
      لا أعرف ماذا حدث، لكنها بكت طويلًا، ليلة كاملة...يوما كاملا...يومين...إنها لا تذرف ذلك القدر من الدموع على نحو هين....أعرفها جيدًا.
لقد أخبرتني أنها كثيرًا ما تختنق بعبراتها دون متنفس يسير، لكنها تتناسى، تتجاهل، تتضاحك، تبحث فيّ أو في أصدقائها الآخرين عن متنفس بديل.
لكنها في ذلك اليوم صمتت طويلًا، تلعثمت أحرفها ثم وجمت، ثم صمتت، ثم نازعت لتحرر الكثير من آلامها الحبيسة.
مر ما يقرب العام منذ زوت تلك اللوحة بعيدًا عن ناظريها، أظنها لم تنس أين ألقت بها، لكنها لن تقرب ذلك المكان في وقت قريب.
منذ ما يقرب العام وأنا أمامها، لكنها لم تنظر لي، وإن نظرت، لا تحادثني، ولا تعانقني أناملها، إلا كي أعتدل في وقفتي داخل الكوب البلاستيكي في خزانتها إلى جوار أصدقائنا الآخرين.
أذكر حين كنا نعد تلك اللوحة سويًا، أخبرتني أني سأصنع لها معروفًا من السعادة لا ينسى، كنت أنزلق فوق الأوراق متشبثة بأناملها؛ لأمنحها ما تريد، أينما شاءت وكيف شاءت. 
ثم تغير كل شيء بعد ليلة واحدة فقط.
لا أعرف ماذا حدث، لكنها بكت طويلًا، ليلة كاملة.. يوما كاملا...يومين.. إنها لا تذرف ذلك القدر من الدموع على نحو هين.
بين حين وآخر، تعود فتطيل بي النظر، لكن يديها تخشيان عناقي، هل نلت منها بالخذلان، كيف وقد كنت طوع أناملها؟
كيف أصيبها بذلك الوجع وأنا صديقتها الأقدم والأوفى؟
هل..هل استطاعت أن تحرر أسراها؛ فلم تعد بحاجة لي؟
هل...ه..هل غدا لها أصدقاء آخرون أكثر مني جدوى لذلك القلب؟
إنها لا تخبرني سوى نظرة تكررها حينًا بعد حين: عذرًا أيتها الريشة؛ فتلك الليلة لم تكن هينة؟
لا عليك أيتها الصديقة، فقط أخبريني حين تعودين، كيف أسير بين أناملك؛ فلا تبكين ثانية كتلك الليلة.