بتجـرد – She Said.. قضية ساخنة وفيلم فاتر

بيروت - سلوى ياسين - متابعة بتجــرد: بدأت منصة نتفليكس عرض الفيلم الأميركي She Said للمخرجة الألمانية ماريا شريدر، من إنتاج ستوديوهات “يونيفرسال”، وذلك بعد عامين من طرحه بالسينما، وتحقيقه لإيرادات ضعيفة لم تتجاوز 14 مليون دولار.     تدور أحداث الفيلم في كواليس عالمي الصحافة وصناعة السينما، مستنداً لقصة واقعية لاتزال فصولها دائرة، ويقدم رؤية للوجه القبيح لهوليوود، ويرصد جانباً من المعاناة خلف أضواء وبريق الشهرة اللامع.

هارفي واينستين

في 5 أكتوبر2017، نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تحقيقاً للمراسلتين ميجان توهي، وجودي كانتور، كشفتا فيه بشكل صريح، عما كان يُهمس بشأنه في الوسط الفني الأميركي من انتهاكات جنسية لقطب هوليوود الشهير المنتج هارفي واينستين.         

أحدث التحقيق المدعوم بشهادات ضحايا واينستين دوياً هائلاً، واتهمته أكثر من 100 امرأة بالتحرش الجنسي، والاعتداء وسوء المعاملة، ليعاقب المنتج الشهير بالسجن 23 عاماً، ثم ألغي لاحقاً، فيما لاتزال الاتهامات تلاحقه في المملكة المتحدة، وفي محاكمة أخرى قائمة في لوس أنجلوس.    

وكعادتها التقطت السينما القصة التي باتت نواة حركة Me Too النسوية، وبدأت في العمل عليها في عدد من الوثائقيات عُرضت على المنصات وفي المهرجانات السينمائية، منها Beyond Boundaries، وفيلم The Reckoning، وفيلم The Fall From Hollywood للمخرجة آشلي مولتري. 

ولكن يظل فيلم Untouchable للمخرجة أورسوال ماكفارلين على منصة “آبل تي في” هو أقوى ما تعرض لهذه القضية، إذ قدم في حوالي 100 دقيقة بانوراما حافلة لرحلة صعود وسقوط هارفي واينستين، متضمنة تسجيلات ولقاءات وشهادات حية للوقائع يرويها أصحابها، بإيقاع سريع ومكثف.

ما يصنع من الفيلم الوثائقي عملاً فنياً مميزاً ومختلفاً، هو كيفية استغلال المخرج للمواد البصرية المتوفرة لديه، بجانب رؤيته للقصة، وطريقة بناء السيناريو، وإعادة ترتيب اللقطات، ثم الانتقال بسهولة بين محطات عدة عبر مساحات زمنية كبيرة، ووفقاً لذلك، نجد في Untouchable أننا أمام عمل قوي، ومتماسك، ومؤثر، وضع يده بحرفية وبراعة على أساس الأزمة وجوهرها.  

هوليوود على الطريق

وبدورها كان من الطبيعي أن تسير هوليوود على نفس الخط، خاصة وأنه سبق للسينما الأميركية أن تناولت كواليس حملات وتحقيقات صحفية عديدة، في أفلام ناجحة ومميزة مثل The Post عام2017 إخراج ستيفن سبيلبرج، و Spotlightعام 2015، للمخرج توماس مكارثي، و Nothing but the truth عام 2008، إخراج رود لوري، ومن قبلهم الفيلم الأنجح All the President’s Men عام 1976، إخراج آلان جاي باكولا.

وجاء فيلم She Said ليسلط الضوء على قضايا الجنسي والإساءة في بيئة العمل، وليوضح كيف يمكن للصحافة أن تكون أداة للتغيير، ولم يكتفي بعرض الجوانب القانونية والجوانب المتعلقة بالتحقيق الصحفي، بل تعمق أيضاً في تأثير هذه الأحداث على الضحايا.

أحد أبرز المواضيع في الفيلم هو فكرة الصمت المجتمعي حول الاعتداءات الجنسية، وكيف أن الثقافة المؤسسية في صناعة الترفيه كانت متواطئة في حماية المعتدين مثل واينستين، وظهر من خلال الأحداث كيف كانت السلطة والقوة تُستخدمان لإسكات الضحايا ومنع الكشف عن الحقيقة.

“هل تعتقدي أن التحدث علناً ​​قد يوقفه؟”.. سؤال تردد في الفيلم على لسان أكثر من ضحية لهارفي وينستن، ليعكس الهدف الرئيسي من قبولهن الحديث، ربما لم يكن هناك دافعاً للانتقام بقدر الرغبة بالمساهمة في توقف سلسلة الانتهاكات التي باتت هوليوود كلها تعلم عنها الكثير، ولكن لا أحد يجرؤ على الحديث، إما للخوف من سطوة ونفوذ وينستن أو نتيجة الرضوخ لتسويات مالية.   

حاول الفيلم تجسيد القوة الحقيقية للشجاعة الشخصية، واجتهد في رصد قدرة الصحافة كوسيلة فعالة لتحقيق العدالة، حتى في مواجهة القوى الأكثر تأثيراً في هوليوود.

أزمة سيناريو

اعتمدت ماريا شرادر، المعروفة بإخراجها لمسلسل Unorthodox، على أسلوب سرد بسيط وواقعي، ما منح الفيلم طابعاً شبه وثائقي دعم  مصداقية القصة، وركزت على التفاصيل الدقيقة التي عكست الجهد المبذول من قبل الصحفيتين والضغوط التي تعرضتا لها.

ورغم استخدامها لتكوينات بصرية توحي بالتوتر والترقب، مما عزز من ثقل الموضوع، واستخدام الألوان الداكنة والإضاءة الخافتة لتعكس الطابع الجاد والمظلم للقصة، ولكن الأزمة الكبرى كانت في وجود مشكلات أساسية فى السيناريو، جعلت الدراما أقل بكثير من الفكرة، وبُنيت مشاهد الفيلم على طريقة المسلسلات الطويلة، ما انعكس على إيقاع السرد، وأفسد تكامل التجربة ومتعة المشاهدة، خاصة في مشاهد اجتماعات الصحيفة التي غلب عليها الحوار والنقاش، بصورة أقرب للمسلسلات الإذاعية.

ما يميز She Said هو تركيزه على الجانب الإنساني للشخصيات، كاري موليجان (في دور ميجان توهي) وزوي كازان (في دور جودي كانتور) تقدمان أداءً قوياً ومؤثراً، يظهر تعاطفهما العميق مع ضحايا واينستين وكذلك إصرارهما على كشف الحقيقة مهما كانت العوائق، الفيلم يٌبرز الجانب الشخصي من حياتهما، مثل التوازن بين العمل والحياة الأسرية، وما يترتب عليه من ضغوطات عاطفية ونفسية.       

تجربة باهتة

ولكن تظل مشكلة الفيلم الرئيسية في الرتابةٍ الزائدة، والتي جعلته تجربة باهتة رغم قوة الفكرة، ذلك أن مشكلة الفن هى كيف تقول وليست ماذا تقول فقط، وفي حالة She Said لدينا طموح كبير فى الفكرة، ولكن شريط السينما لم يكن على مستوى هذا الطموح.

فيلم She Said لن يصنف في قائمة الأفلام التي تعرضت لتلك القضية الشائكة، إلا كتجربة فاترة غير مكتملة النضج، انحازت إلى هدف نبيل دون أن تهتم بتفاصيل الصنعة، فيلم اكتفى بطرح القضية وعرض الأحداث، دون أن يضعها في قالب متماسك تسانده دراما حقيقية، أو جماليات بصرية واضحة.

أخبار متعلقة :